أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية














المزيد.....

الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 18:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
نشأ مفهوم المركزية الأوروبية (Eurocentrism) في قلب الحداثة الغربية بوصفه تصوّرًا معرفيًّا وثقافيًّا ينبني على الاعتقاد بتفوّق الحضارة الأوروبية، ليس فقط في منجزاتها العلمية والتقنية، بل أيضًا في رؤيتها للعالم وتفسيرها للتاريخ والإنسان. وقد مثّل هذا المفهوم الإطار الأيديولوجي الذي سوّغ به الغرب مشروعه الكولونيالي، إذ قُدِّمت أوروبا بوصفها مركز العالم، والمرجع الأعلى في الحكم على ما هو عقلاني، حضاري، متقدم، وإنساني. وتجلّت هذه المركزية في إعادة كتابة التاريخ الإنساني انطلاقًا من تجارب أوروبا، مع إقصاء أو تهميش حضارات العالم الأخرى أو اختزالها في صور بدائية وتاريخ متوقف.

لقد اتخذت المركزية الأوروبية شكلًا مركّبًا من الغطرسة المعرفية والتفوق الأخلاقي المُدَّعى، ما مهّد لتكوين خطاب استعماري مؤسس على ازدواجية حادّة بين "الذات الأوروبية" المتحضرة و"الآخر" غير الأوروبي المتخلّف، سواء كان هذا الآخر إفريقيًا أو آسيويًا أو عربيًا أو أمريكيًا أصليًا. وقد عبّرت هذه الازدواجية عن نفسها في نظريات عنصرية مغلفة بأقنعة علمية مزعومة، مثل علم الأعراق والأنثروبولوجيا الكولونيالية، والتي قنّنت النظرة الدونية إلى الشعوب غير الأوروبية وأعطت الشرعية لتدخل الأوروبي في شؤونها بزعم التحديث والتنوير.

في هذا السياق، لم تكن حركة الاستعمار الأوروبي مجرد توسع جغرافي أو استغلال اقتصادي فحسب، بل كانت أيضًا حركة هيمنة رمزية، حاولت أن تفرض نموذجًا حضاريًا أحاديًا، يُلغي التنوع الثقافي والأنساق المعرفية الأصلية للشعوب المستعمرة. فقد تحوّلت المدرسة والكنيسة والإدارة إلى أدوات لفرض "الأوروبيّة" بوصفها معيارًا للمدنية، في مقابل شيطنة الهوية الأصلية وتفكيكها وإخضاعها. كما امتد هذا النمط إلى اللغة، حيث استُبدلت اللغات المحلية باللغات الأوروبية، فكان الاستعمار غزوًا ثقافيًا بقدر ما كان احتلالًا عسكريًا واقتصاديًا.

وتبرز خطورة المركزية الأوروبية في كونها لم تنتهِ بانتهاء الاحتلال العسكري، بل بقيت متغلغلة في بنى التفكير العالمي، وفي مناهج التعليم، وفي صورة الذات والآخر في الأدب، والسينما، والإعلام. إذ تم تعميم النموذج الأوروبي على أنه معيار "العصرنة"، وتُركت المجتمعات ما بعد الكولونيالية تتخبط بين هويات منهوبة وأطر معرفية مستوردة. وبالتالي، فإن المركزية الأوروبية مثّلت جوهر المشروع الاستعماري وامتداده، بل إنها أعادت تشكيل العالم بطريقة أنتجت تبعية ثقافية مستمرة، تعيق عملية التحرر الذاتي وإعادة تعريف الهوية بعيدًا عن التمركز الأوروبي.

إن تحليل العلاقة بين المركزية الأوروبية والاستعمار يكشف عن البنية العميقة للهيمنة الغربية، ويظهر أن الاستعمار لم يكن مجرد ممارسة مادية، بل كان مشروعًا معرفيًا شاملًا سعى إلى إعادة صياغة الإنسان والتاريخ والمكان من منظور يخدم السيطرة الأوروبية ويكرّس دونية الآخر. ومن هنا تبرز أهمية تفكيك هذا الإرث ومساءلته، في سبيل استرداد الوعي التاريخي والثقافي المسلوب، وبناء رؤية كونية أكثر عدالة وتعددًا، تتجاوز احتكار المعنى والتاريخ من طرف حضارة واحدة، مهما بلغت قوتها.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة
- ما بعد العلمانية: انهيار السردية العلمانية وصعود التعددية ال ...
- العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا ت ...
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...


المزيد.....




- وسط مخاوف -مجزرة الوظائف-.. رئيس إنفيديا التنفيذي يوضح تأثير ...
- نقطة خلافية واحدة تعرقل محادثات وقف إطلاق النار في غزة بين إ ...
- -حريق ضخم قرب مطار القاهرة-.. فيديو عمره 5 سنوات يعود للرواج ...
- البحر المتوسط -بؤرة نشطة- لتغيّر المناخ، فماذا يتوقع الخبراء ...
- الاتحاد الأوروبي يجمّد الرد على رسوم ترامب بانتظار إيجاد مخر ...
- المقاومة تستهدف مواقع قيادة وحشودا عسكرية وتدمر آليات للاحتل ...
- رويترز تكشف تفاصيل مهمة أميركية فاشلة لإنقاذ سجناء حكم عليهم ...
- أبو عبيدة: سيبقى طيف الضيف كابوسا يؤرق مجرمي الحرب واللصوص
- بـ800 مليون دولار.. صفقة ضخمة بين سوريا والإمارات لتطوير مين ...
- استطلاع للرأي: غالبية السكان في غرب أوروبا يؤيدون عودة بريطا ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية