أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من العالم العربي














المزيد.....

ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من العالم العربي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 00:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تراجع ثقافة الديمقراطية في العالم العربي لا يُعدّ حدثًا عابرًا أو ظاهرة ظرفية، بل هو نتيجة تراكمات تاريخية، وسياسات ممنهجة، وشروط ثقافية واجتماعية معقدة. لعل أبرز الأسباب يتمثل في استمرار النظم الاستبدادية التي كرّست حكم الفرد الواحد أو الحزب الواحد على حساب مبدأ التداول السلمي للسلطة. وقد عملت هذه الأنظمة، عبر أدواتها الأمنية والإعلامية والتعليمية، على إضعاف الوعي السياسي لدى الشعوب، وتفريغ المجال العام من النقاش الحر، وإقصاء كل أشكال المعارضة الفعلية، ما أدى إلى نشوء ثقافة استسلامية تُغلّب الخوف على الحرية والطاعة على النقد.

كما أن البنى التقليدية، سواء كانت عشائرية أو طائفية أو دينية، لعبت دورًا محوريًا في مقاومة مبادئ الديمقراطية التي تقوم على المساواة وحقوق الأفراد، إذ وجدت في هذه المبادئ تهديدًا مباشرًا لبنيتها الهرمية والسلطوية. فبعض المجتمعات العربية لم تنجح بعد في تجاوز مرحلة الولاءات الأولية (القبيلة، الطائفة، العشيرة)، مما يجعلها عاجزة عن بناء هوية وطنية ديمقراطية جامعة تؤمن بالتعددية والمواطنة.

إلى جانب ذلك، ساهمت التدخلات الخارجية في تكريس أنظمة غير ديمقراطية، إما لدوافع جيوسياسية أو اقتصادية. فدول عديدة رعت أنظمة قمعية لضمان استقرار مصالحها في المنطقة، وهو ما شوّه فكرة الديمقراطية ذاتها، وجعلها في نظر كثير من الشعوب العربية أداة "غربية" مشبوهة. كما أن فشل تجارب التحول الديمقراطي، كما حدث في موجة "الربيع العربي"، التي ووجهت إما بانقلابات مضادة أو بصراعات أهلية، غذّى الشعور العام بأن الديمقراطية ليست خيارًا آمنًا، بل تهديد للفوضى والانقسام.

وتُضاف إلى كل ذلك أزمة النخب السياسية والفكرية، التي فشلت في تقديم نموذج بديل حقيقي وجذاب. فقد افتقرت هذه النخب، في كثير من الأحيان، إلى العمق المعرفي أو النزاهة أو الشجاعة الكافية لمواجهة السلطوية، بل تحالفت معها أحيانًا مقابل مصالح ضيقة، ما زاد من فقدان الثقة بين الشعوب والمثقفين، وعمّق الفجوة بين النظرية الديمقراطية والواقع المعاش.

إن تراجع ثقافة الديمقراطية لا يعني فقط غياب المؤسسات الديمقراطية، بل يشير إلى أزمة عميقة في وعي الإنسان العربي بذاته وبدوره في المجتمع. فقد ولّد هذا التراجع مشهدًا عامًّا من الاغتراب السياسي، حيث يشعر المواطن أنه مجرد رقم بلا صوت، وأن مصيره مرهون بإرادة قوى لا يملك تأثيرًا عليها. هذا الاغتراب ساهم في انتشار اللامبالاة السياسية، والعزوف عن المشاركة في الشأن العام، وانكماش الحركات المدنية، وهو ما سمح للأنظمة السلطوية بتعزيز قبضتها دون مقاومة تذكر.

أما على المستوى الاجتماعي، فقد أدى هذا التراجع إلى انتشار ثقافة الخوف، وقبول الظلم كأمر واقع، وتراجع القيم المدنية مثل الحوار، والاختلاف، واحترام القانون. بل إن بعض المجتمعات أصبحت تنتج خطابًا مضادًا للديمقراطية، يراها رفاهية غير مناسبة "لواقعنا العربي"، ويُبرر الاستبداد كحل مؤقت لـ"الحفاظ على الأمن والاستقرار". هذا النوع من الخطاب يمهّد الطريق لتكريس سلطويات جديدة بأدوات رقمية حديثة، ويؤجل أي مشروع حقيقي للتحرر السياسي والفكري.

أما مستقبلًا، فإن استمرار غياب ثقافة الديمقراطية يُهدد بتعميق الأزمات البنيوية في العالم العربي، كأزمات الحكم، والانقسام المجتمعي، والعنف السياسي، والهجرة القسرية. فالمجتمعات التي لا تتنفس حرية، ولا تمارس النقد الذاتي، ولا تنتج مواطنًا فاعلًا، تصبح بيئة خصبة للانفجارات الداخلية، سواء على شكل ثورات غير منظمة أو تطرف ديني أو انهيارات اقتصادية. كما أن غياب الديمقراطية يحرم المجتمعات من الاستفادة الكاملة من طاقاتها البشرية، لأن الموهبة والعلم والابتكار لا تنمو في ظل القمع والتهميش.

وبالتالي، فإن إنقاذ الحاضر العربي، وضمان مستقبل مستقر وعادل، لن يتحقق إلا بإعادة الاعتبار لثقافة الديمقراطية، لا بوصفها منظومة سياسية فحسب، بل باعتبارها ثقافة حياتية متكاملة: تبدأ من الأسرة، وتمر بالمدرسة، وتُرسّخ في وسائل الإعلام، وتُحترم في مؤسسات الدولة. فالديمقراطية ليست صندوق اقتراع، بل هي وعي، ومسؤولية، ومشاركة، ومساءلة دائمة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...
- النهضة المؤجلة: لماذا أخفقت مشاريع تجديد الفكر العربي؟
- المعرفة السياسية وأسئلة المعقولية: قراءة في أسس علم السياسة


المزيد.....




- صور تلتقط تعابير الوفد المرافق لرئيس أفريقيا لحظة عرض ترامب ...
- فيديو ترامب -صلبان بيضاء معلقة على طرفي الطريق-.. وزير خارجي ...
- قوات -المركز- الروسية تحرر بلدة في دونيتسك بعملية مباغتة باس ...
- 500 مشرّد يبيتون في مطار مدريد والسلطات تتدخل لمنع الظاهرة.. ...
- ماذا نعرف عن حادث إطلاق النار على موظفي السفارة الإسرائيلية ...
- Honor تعلن عن مفاجأة لمحبي التصوير
- دواء جديد يتفوق على -أوزمبيك- في إنقاص الوزن بنسبة 47%
- عطرك يعبث بالدرع الخفي المحيط بجسمك وينتج مركبات كيميائية غي ...
- قوات -الوسط- الروسية تحرر بلدة في دونيتسك بعملية مباغتة باست ...
- لماذا تحتاج روسيا إلى منصة -القطب الشمالي- العائمة؟


المزيد.....

- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من العالم العربي