أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليدية إلى التفوق الخوارزمي














المزيد.....

السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليدية إلى التفوق الخوارزمي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 14:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تخضع مفاهيم السيادة العسكرية لتحول جذري في عصر الذكاء الاصطناعي، إذ لم تعد الهيمنة العسكرية محصورة في امتلاك العتاد أو التفوق العددي، بل باتت ترتبط ارتباطًا عضويًا بامتلاك القدرة على معالجة البيانات، وتحليل الأنماط، واتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية. الذكاء الاصطناعي يُعيد صياغة ميزان القوى بين الدول من خلال تقويض البنية التقليدية للحرب، وتقديم نموذج جديد للهيمنة يستند إلى “السيطرة الخوارزمية” بدلاً من القوة النارية. فالدولة التي تمتلك البنية التحتية الرقمية، والقدرة على تطوير أنظمة مستقلة قادرة على التعلم الذاتي واتخاذ القرار العسكري، تملك مفاتيح السيادة الجديدة، وتفرض تفوقها لا من خلال احتلال الأرض، بل من خلال احتكار السماء الرقمية وساحات القتال الافتراضية.

لقد أضحى مفهوم الردع العسكري مرتبطًا بمستوى الذكاء الاصطناعي الذي تملكه الدولة أكثر من ترسانتها النووية أو التقليدية. فالتطورات المتسارعة في مجالات الأنظمة القتالية الذاتية، والطائرات بدون طيار (Drones)، والروبوتات المسلحة، والأسلحة السيبرانية المدعومة بخوارزميات التعلم العميق، تمنح الدول القادرة على تطويرها ميزة استراتيجية تفوق مجرد التفوق التسليحي. لم تعد الحرب تنتظر قرارًا بشريًا، بل تتخذه الآلات في جزء من الثانية، اعتمادًا على تحليل ضخم للبيانات، وإدراك اصطناعي للبيئة، وقدرة على التنبوء بتحركات الخصم. وبالتالي، أصبحت السيادة العسكرية في هذا العصر متداخلة مع السيادة الرقمية، حيث تشكل مراكز البيانات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في بناء القوة.

إن التحول من الجغرافيا العسكرية إلى الجغرافيا الرقمية يطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة السلطة والسيطرة. في السابق، كانت السيطرة على الأرض تعني النصر العسكري؛ أما اليوم، فإن السيطرة على المعلومة، وسرعة تحليلها، وقدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرار في ظروف عدم اليقين، هي ما يحسم الصراعات. من هنا، يتجلى مفهوم “السيادة الخوارزمية” الذي يشير إلى امتلاك سلطة اتخاذ القرار العسكري عبر أنظمة لا تتطلب تدخلاً بشريًا مباشراً، بل تتصرف بشكل مستقل في ميادين القتال، وتخلق واقعًا جديدًا للقوة لا يخضع بالضرورة للقانون الدولي أو المعايير الأخلاقية.

في هذا السياق، تصبح “اللامركزية في القرار القتالي” إحدى السمات الجوهرية للعصر الجديد، حيث تتمتع المنصات القتالية بقدرة على التعلم من بيئتها وتعديل سلوكها في الزمن الحقيقي، ما يمنحها استقلالًا نسبيًا عن الإنسان. وهذا لا ينطوي فقط على إعادة تعريف من هو "الفاعل العسكري"، بل يطرح أيضًا أزمة المسؤولية القانونية والأخلاقية في الحروب المدفوعة بالذكاء الاصطناعي. من يتحمل مسؤولية قرار القتل حين يكون المُنفذ آلة؟ وكيف يمكن ضبط استخدام هذه الأنظمة في النزاعات دون أن تؤدي إلى سباق تسلح خوارزمي مدمر؟

ومن جهة أخرى، فإن هذه الثورة لا تقتصر على الجيوش النظامية، بل تمتد إلى الفاعلين غير الدولتيين الذين بات بإمكانهم، بوسائل محدودة، امتلاك أدوات هجومية رقمية خطيرة، مما يُضعف احتكار الدولة لوسائل العنف المشروع. إن السيادة العسكرية اليوم تُقوّض من الداخل والخارج، ليس فقط عبر تحديات الإرهاب السيبراني، بل أيضًا من خلال بنى تحتية رقمية هشّة يمكن استهدافها بسهولة، مما يفرض على الدول أن تعيد تعريف أمنها القومي بشكل يدمج الأمن السيبراني ضمن بنيتها الدفاعية المركزية.

إن الذكاء الاصطناعي لا يمنح الدول فقط أدوات جديدة، بل يُنتج منظومة قيمية واستراتيجية جديدة. فهو يعيد تشكيل عقيدة الحرب، ويُعيد رسم حدود الممكن والممنوع في الصراعات، ويُنذر بظهور "طبقة نخبوية خوارزمية" من الدول التي تمتلك أدوات القرار والتفوق الذكي، مقابل دول أخرى لا تزال حبيسة الرؤية الكلاسيكية للصراع. في هذا السياق، تصبح السيادة العسكرية غير قابلة للفصل عن سيادة البيانات، والتحكم في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، والقدرة على تطوير خوارزميات تتمتع بميزة تنافسية استراتيجية.

وبناء عليه، فإن مستقبل السيادة العسكرية مرهون بقدرة الدول على بناء منظومات دفاعية هجينة، تجمع بين البشر والآلات، بين الوعي السياسي والقدرات الخوارزمية، وتوازن بين السرعة والشرعية، بين الردع والإفلات من السيطرة. فالتحدي الأكبر لا يكمن فقط في تطوير الأسلحة الذكية، بل في ضبط استخدامها ضمن إطار قانوني وأخلاقي وإنساني يمنع انزلاق العالم إلى حروب مستقلة لا يشارك فيها الإنسان إلا كمتفرج عاجز.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي
- مسارات الفكر العربي: من النهضة إلى العولمة... تأملات في التط ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العربي: من وعود التحديث إلى تهديد ...


المزيد.....




- صرخ -يحيا الشيطان-.. إيقاف معلم رياضيات أرعب طلابه بزي شيطان ...
- قصف إسرائيلي متواصل على غزة وسط وضع إنساني كارثي
- هل تمر العلاقة الأمريكية مع سوريا الجديدة عبر تركيا؟
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقتل حفيد الدكتورة نوال الدجوي ب ...
- مصر.. السيسي يوجه رسالة إلى القارة الإفريقية
- الجزائر تسترجع سفينة احتجزت في بلجيكا 3 سنوات
- السعودية.. القتل -تعزيرا- لمواطن مصري والكشف عن جريمته
- بوتين يروي تفاصيل أمره بوقف هجوم إحدى الفرق العسكرية بسبب ال ...
- ترامب يرسل وزيرة الأمن الداخلي إلى تل أبيب عقب مقتل الدبلوما ...
- مدفيديف: المنطقة العازلة ستكون على كامل الأراضي الأوكرانية ( ...


المزيد.....

- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليدية إلى التفوق الخوارزمي