أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق














المزيد.....

الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 14:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تمثل الوحدة العربية أحد أبرز المكونات الوجدانية والتاريخية والثقافية للأمة العربية، وهي ليست مجرد فكرة طوباوية وُلدت في خيال مفكري النهضة، بل تعبير حي عن تطلعات شعبية ضاربة في عمق التجربة التاريخية المشتركة. تتجسد روافع الوحدة العربية في عدد من العوامل الموضوعية والذاتية التي تتكامل لتمنح هذا المشروع قابلية التحقق، رغم التحديات البنيوية.

أول هذه الروافع يتمثل في اللغة العربية بوصفها الإطار الرمزي الجامع والوعاء الثقافي الموحد لأبناء الأمة، فهي ليست مجرد أداة تواصل، بل موروث حضاري وفكري وروحي، تتلاقى فيه الأبعاد الدينية، والتراثية، والمعرفية. وإلى جانب اللغة، نجد الدين الإسلامي الذي شكل أحد أكبر عوامل التماسك الروحي والتاريخي بين الشعوب العربية، حتى لأولئك المنتمين لأديان أخرى داخل الإطار الجغرافي العربي، إذ لعب دورًا مركزيًا في توحيد الوجدان العام خلال اللحظات المفصلية من التاريخ العربي.

يضاف إلى ذلك العامل الجغرافي، حيث يشكل الامتداد المتصل للأراضي العربية من الخليج إلى المحيط كتلة جغرافية واحدة ذات مصالح استراتيجية مترابطة، تتشارك في الموارد المائية والنفطية والممرات الحيوية. كما أن القضية الفلسطينية، رغم ما تعانيه من تراجع في سلم الأولويات الرسمية، تظل عنصرًا تعبويًا ووحدويًا حيويًا في الضمير الجمعي العربي، تشكل جبهة نضال رمزية ضد الاستعمار والتفكك والانقسام.

ولعل من أبرز الروافع أيضًا التهديدات الخارجية المشتركة، التي طالما أظهرت الحاجة إلى موقف عربي موحد، بدءًا من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ومرورًا بالغزوات الغربية للعراق وليبيا وسوريا، وانتهاءً بمخططات تفتيت الدول من الداخل، مما يكشف عن وحدة المصير وضرورة توحيد الصفوف.

رغم توافر الروافع السابقة، فإن مشروع الوحدة العربية ظل يتعثر عبر العقود، متعرضًا لسلسلة من المعوقات البنيوية والذاتية التي ساهمت في إجهاضه مرارًا. أول هذه المعوقات يتمثل في الحدود السياسية المصطنعة التي رسمها الاستعمار الأوروبي مطلع القرن العشرين، وزرعها في جسد الأمة من خلال اتفاقيات مثل سايكس بيكو، والتي أسست لدول قطرية مغلقة المصالح، متضاربة الرؤى.

كما أن أنظمة الحكم العربية، التي قامت في معظمها على الولاء للأجنبي أو الشرعية العسكرية أو الأسرية، نظرت إلى الوحدة كتهديد مباشر لبقائها، ولذلك لعبت دورًا معرقلًا لاشتغال الفكرة القومية على أرض الواقع. وقد غذى ذلك الاستقطاب الإيديولوجي بين التيارات القومية، والإسلامية، والليبرالية، مما أفرز حالة من الشلل الفكري والتشرذم السياسي، إذ تحولت الوحدة إلى شعار انتخابي أو خطاب تعبوي لا يترجم إلى مشاريع عملية.

من المعوقات الجوهرية أيضًا الهيمنة الأجنبية على القرار العربي، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، فالغرب لم يتوانَ لحظة في استخدام أدواته لضرب أية بادرة تقارب أو توحيد، عبر زرع الأزمات، وتغذية الصراعات، وتمويل الانقسامات، وفرض شروط التبعية الاقتصادية من خلال صندوق النقد والبنك الدولي.

ولا يمكن إغفال ضعف البنية الاقتصادية المشتركة بين الدول العربية، حيث فشلت التجارب الاندماجية في تحقيق تكامل اقتصادي حقيقي، بسبب غياب الإرادة السياسية، وارتباط معظم الاقتصادات العربية بالأسواق الغربية في إطار علاقات تبعية غير متكافئة، فضلاً عن فشل المؤسسات العربية المشتركة مثل جامعة الدول العربية في الارتقاء إلى مستوى التحديات المصيرية.

رغم كل هذه المعوقات، لا تزال الوحدة العربية ممكنة كأفق استراتيجي مشترك، لكنها تحتاج إلى إعادة تعريف شاملة لمفهوم الوحدة ذاته، بحيث لا يُنظر إليها كإلغاء للهويات القطرية، بل كتكامل سياسي واقتصادي وثقافي يقوم على احترام التنوع داخل الإطار العام للأمة. إن تحقيق هذه الرؤية يستدعي أولًا بناء مشروع نهضوي عربي جديد يضع ضمن أولوياته إعادة هيكلة الأنظمة التعليمية، وتأسيس فضاء إعلامي عربي مستقل، واستثمار الثروات المشتركة في مشاريع تنموية إقليمية.

من جهة أخرى، فإن الجيل العربي الجديد، المتصل رقميًا والمتجاوز للحدود القطرية عبر الفضاء الافتراضي، يُعد فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الهوية العربية الجامعة، إذ بات يعيش تفاعلات مشتركة من المحيط إلى الخليج، ويتعرض لنفس الأزمات والهموم، ويستطيع إذا ما تم تأطيره فكريًا وثقافيًا، أن يتحول إلى قوة ضاغطة في اتجاه التكامل والوحدة.

كما أن النموذج الأوروبي في التكامل، رغم اختلاف السياقات، يقدم درسًا مهمًا في إمكانية التدرج نحو الوحدة عبر آليات اقتصادية وقانونية ومؤسساتية. ويمكن للعرب البدء بتجسير التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي، ومنطقة المشرق، وصولًا إلى اتحاد عربي مرن، يقوم على المصالح وليس على الشعارات.

وفي ظل تصاعد التحديات العالمية الكبرى كالتغير المناخي، وتحولات الطاقة، والصراعات الجيوسياسية، والذكاء الاصطناعي، فإن الدول العربية لن تكون قادرة على حماية سيادتها ومصالح شعوبها منفردة، بل إن الوحدة باتت شرطًا للبقاء والتقدم، لا مجرد حلم رومانسي.

إن مشروع الوحدة العربية ليس ترفًا فكريًا، ولا تكرارًا لشعارات الماضي، بل ضرورة وجودية وحضارية لأمة تتعرض لموجات غير مسبوقة من التهميش والتفكك والاستلاب. وقد تكون هذه اللحظة التاريخية، بما تحمله من تحولات جذرية على مستوى العالم، فرصة لإعادة التفكير الجذري في المصير العربي المشترك، ولبناء وحدة تقوم على أسس عقلانية، وشراكات متكافئة، وإرادة سياسية مستقلة. فإما أن تتوحد الأمة بإرادتها، أو تُستكمل مشاريع تقسيمها بأدوات الخارج ورضا الداخل.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي
- عقل الدولة وهيمنة الفكرة: الدولة عند هيجل بين الفلسفة والسيا ...
- حين يغيب الآخر: أزمة التسامح في الوعي العربي المعاصر
- إعادة بناء العقل العربي: من التلقين إلى الإبداع المعرفي


المزيد.....




- سموتريتش لنتنياهو: لن أسمح باتفاق جزئي.. ومن الحماقة تخفيف ا ...
- الدفاع الألمانية: كييف ستسلم أولى أنظمة الصواريخ البعيدة الم ...
- -ابتعد أيها الخاسر-.. قراءة شفاه تكشف ما دار بين ماكرون وزوج ...
- الخارجية الإيرانية تنفي مزاعم لـ-رويترز- حول احتمال تعليق ال ...
- وزير الخارجية الإيطالي: على أوكرانيا استخدام أسلحتنا داخل أر ...
- مراسلنا في لبنان: قوة إسرائيلية تتوغل جنوبي البلاد والجيش ال ...
- السنغال.. طرد السفير الإسرائيلي من حرم جامعة في دكار وسط هتا ...
- هل باتت تسوية النزاع الأوكراني قريبة؟
- حماس: توصلنا لاتفاق مع ويتكوف على اتفاق لوقف إطلاق النار
- فيديو.. السقا يؤكد انفصاله عن زوجته


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق