أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة














المزيد.....

الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 00:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د حمدي سيد محمد محمود
لم تعد الحروب الحديثة تُخاض بالسيوف أو حتى بالصواريخ وحدها، بل باتت ساحتها الأوسع هي ميدان الرموز والصور والسرديات، أي تلك التي تُعرف في الأدبيات الجيوسياسية بالقوة الناعمة. هذه القوة التي صاغ مفهومها جوزيف ناي لتشير إلى القدرة على الجذب والإقناع بدلاً من الإكراه، وظلت القوة الناعمة لعقود أداة مركزية في يد الولايات المتحدة الأمريكية، التي احتكرت رواية العالم عبر هوليوود، وصاغت المعاني الكبرى للحلم من خلال جامعاتها ومنصاتها الإعلامية ومؤسساتها الثقافية. غير أن العقدين الأخيرين شهدا صعود قوة عالمية جديدة أعادت رسم قواعد اللعبة الناعمة: الصين.

الصين التي كانت تُنظر إليها تاريخيًا على أنها قوة صلبة صاعدة اقتصادياً وعسكريًا، أدركت بذكاء أن القوة الحقيقية لا تكمن فقط في السيطرة على الموارد، بل في القدرة على التأثير في وعي الشعوب وصياغة إدراكهم لما هو ممكن وما هو مرغوب. وبناء على هذه القناعة، دشنت بكين مشروعًا متكاملًا ومتعدد الأذرع لإعادة صياغة صورتها في العالم، لا عبر المواجهة المباشرة، بل من خلال الغزو الهادئ للثقافة، والتعليم، والتكنولوجيا، والدبلوماسية الاقتصادية. فقد أدركت أن كسب العقول لا يقل شأنًا عن كسب الأسواق.

لقد شكلت مبادرة الحزام والطريق الذراع الناعمة الأبرز في الاستراتيجية الصينية، إذ مزجت بين النفوذ الاقتصادي والبنية التحتية والتقارب الثقافي في إطار سردية واحدة تُبشر بالتنمية المشتركة والنهضة الجماعية، بعيدًا عن منطق الإملاءات الغربية. فبينما تُرفق الولايات المتحدة مساعداتها بشروط سياسية وقيمية، اختارت الصين أن تقدم دعمها بلا شروط أيديولوجية، مما جعلها شريكًا مفضلًا للعديد من الدول، خاصة في الجنوب العالمي، التي سئمت من نموذج التنمية الليبرالي ومآلاته المتناقضة.

في الوقت ذاته، لم تغفل بكين عن أهمية التعليم واللغة والثقافة كأدوات للتأثير، فأنشأت المئات من معاهد كونفوشيوس في القارات الخمس، واستثمرت في الإعلام الموجه مثل CGTN وChina Daily، وأطلقت مبادرات للتبادل الثقافي والأكاديمي مع الجامعات والمؤسسات البحثية العالمية. هذه الخطوات مكنتها من تجاوز الصورة النمطية التي رسمها الإعلام الغربي عنها كدولة منغلقة أو قمعية، وقدّمتها بدلاً من ذلك كنموذج للاستقرار، والكفاءة، والخصوصية الحضارية.

وما يزيد من تعقيد المشهد أن تراجع القوة الناعمة الأمريكية لا يأتي فقط نتيجة لصعود الصين، بل أيضًا بسبب تحولات داخلية وخارجية مست العالم بعد حرب العراق، مرورًا بصعود الشعبوية، وانسحاب أمريكا من بعض المؤسسات الدولية، وانكشاف ازدواجية خطابها حول حقوق الإنسان. هذه التراجعات فتحت المجال أمام الصين لملء الفراغ القيمي والإعلامي، خصوصًا في المناطق التي تشعر بأنها لم تجنِ من العولمة سوى المزيد من التبعية والهشاشة.

ولعل السلاح الأحدث والأكثر تأثيرًا في ترسانة القوة الناعمة الصينية هو التكنولوجيا الرقمية. فشركات مثل هواوي، وتيك توك، وعلي بابا، أصبحت لا تبيع فقط خدمات، بل تروّج أيضًا لأسلوب حياة وقيم إنتاجية مختلفة عن تلك المرتبطة بالسوق الرأسمالي الأمريكي. ومن خلال هذه المنصات، تبني الصين "بنية تحتية للخيال" تضع فيها الأفراد حول العالم داخل أنظمة تقنية تصوغ أنماطهم المعرفية وسلوكياتهم اليومية دون ضجيج أيديولوجي.

أما على المدى المنظور، فإن الصين لا تكتفي بأن تكون قوة ناعمة بديلة، بل تسعى لتأسيس بيئة دولية جديدة متعددة القيم والنماذج، تُنهي مرحلة احتكار الغرب للمعنى والمشروعية. وهي تفعل ذلك عبر المأسسة البطيئة لقنوات التأثير، واعتماد سرديات تاريخية بديلة، والترويج لمبدأ السيادة المطلقة وعدم التدخل، وهو ما يتماهى مع مطالب دول كثيرة ترى في التجربة الصينية خيارًا واقعيًا وفعالًا بعيدًا عن النموذج الليبرالي الذي بدا للبعض مرهقًا ومتعاليًا.

وهكذا، لا تُحسن الصين فقط استثمار التراجع الأمريكي، بل تبني سردية صاعدة تتمحور حول الحلم الآسيوي، والتنمية دون تبشير، والانفتاح دون فرض، والتكنولوجيا دون أيديولوجيا. وإذا استمرت هذه الدينامية في التوسع، فإن القرن الحادي والعشرين قد يشهد بالفعل أول ثورة هادئة في تاريخ الجيوسياسة، لا تُخاض بالسلاح أو بالعقوبات، بل بالرموز والرموز المضادة، حيث يعلو صوت التنين، لا ليفرض سلطته، بل ليهمس للعالم بلغته الجديدة: لغة العقول.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة


المزيد.....




- كيف نجحت أوكرانيا بتنفيذ عملية -سبايدر ويب- في روسيا؟ محلل ع ...
- بعد مقتل تونسي برصاص جاره الفرنسي.. روتايو يلتقي بالسفير الت ...
- تبون يلتقي رئيس شركة فرنسية للشحن البحري لبحث -مشاريع شتى- ر ...
- ألمانيا: السجن مدى الحياة لسوري قاتل دعما لحكم الأسد بعد إدا ...
- هل بدأ النشاط الزلزالي في مصر؟.. البحوث العلمية تعلق على 4 ه ...
- السفير الأمريكي لدى إسرائيل يتهم وسائل إعلام بارزة بتأجيج مع ...
- لجان مقاومة الفاشر تتهم الدعم السريع بإحراق مساعدات إنسانية ...
- -لانسيت- الروسية تفجر كاسحة ألغام أوكرانية
- بخمس رصاصات.. فرنسي يقتل جاره التونسي والشرطة تحقق بدافع عنص ...
- هل سمحت واشنطن لدمشق بضم مقاتلين أجانب سابقين للجيش السوري؟ ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة