أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء














المزيد.....

الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 10:25
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يمثل الحياد الكربوني لحظة انعطاف تاريخية في التفكير الاقتصادي العالمي. فلطالما بُنيت الاقتصادات الحديثة على منطق النمو غير المحدود، واستهلاك الموارد بلا قيود، باعتباره المؤشر الأسمى على التقدم. لكن التغير المناخي، وتداعياته الكارثية، فرضت إعادة النظر في هذه المسلمات. فالمعادلة التقليدية التي تربط بين النمو وزيادة الانبعاثات باتت تهدد الاستقرار الاقتصادي ذاته، وتكشف هشاشة النموذج الرأسمالي القائم على استخراج الموارد وإنتاج النفايات. وهكذا، يُعاد اليوم طرح سؤال جوهري: هل يمكن تحقيق اقتصاد مزدهر دون تدمير البيئة؟ وهل يمكن استبدال مبدأ "النمو لأجل النمو" بمبدأ "الاستدامة لأجل الحياة"؟

في هذا الإطار، يظهر الحياد الكربوني كرافعة لتحول اقتصادي عميق، يُعيد تعريف مفاهيم القيمة، والكفاءة، والنجاح. إذ يتم الانتقال من اقتصاد الوقود الأحفوري إلى اقتصاد منخفض الكربون يعتمد على الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا النظيفة، والتدوير، والابتكار البيئي. وتُخلق بذلك فرص اقتصادية ضخمة، حيث تشير التقديرات إلى أن سوق الاقتصاد الأخضر سيبلغ تريليونات الدولارات خلال العقدين المقبلين، مع استحداث ملايين الوظائف الجديدة في مجالات الطاقة الشمسية، والرياح، والنقل النظيف، والتقنيات الحيوية. ولكن، في المقابل، فإن قطاعات تقليدية مثل النفط، والفحم، وصناعات السيارات القديمة، ستشهد تراجعًا، بل وربما انقراضًا، ما يتطلب برامج تحول عادل للعمال والمجتمعات المتأثرة.

ولا تقتصر التحولات الاقتصادية على الإنتاج، بل تمتد إلى الاستهلاك. فالمستهلك في عصر الحياد الكربوني يُعاد تشكيل وعيه وسلوكياته. لم يعد يُقاس المنتج بجودته أو سعره فقط، بل بأثره البيئي، وبصمته الكربونية، ومصدر مواده. وهنا يظهر دور الاقتصاد الأخلاقي، حيث يصبح الاختيار الاقتصادي تعبيرًا عن موقف أخلاقي تجاه الكوكب والآخرين. ومن ثم، فإن الحياد الكربوني لا يعيد فقط هيكلة الأسواق، بل يعيد أيضًا هيكلة الوعي الاقتصادي الجمعي.

التحول الثقافي نحو الحياد الكربوني: من سيادة الإنسان إلى التعايش مع الطبيعة

إن التحول نحو الحياد الكربوني لا يمكن أن ينجح دون تحول ثقافي عميق يطال أنماط الحياة، ونظم القيم، ورؤية الإنسان لذاته ومكانه في العالم. ذلك أن جذور الأزمة المناخية ليست فقط تقنية أو اقتصادية، بل ثقافية وفلسفية بالدرجة الأولى. فقد رسخت الحداثة الغربية، منذ الثورة الصناعية، تصورًا للإنسان بوصفه سيدًا مطلقًا على الطبيعة، واعتبرت الأرض مخزونًا للموارد لا ينضب، خاضعًا للاستغلال والاستهلاك غير المحدود. واليوم، يكشف الواقع المناخي الكارثي عن نهاية هذا الوهم، وعن الحاجة إلى فلسفة جديدة للعلاقة مع الكوكب.

الحياد الكربوني، من هذا المنظور، يستدعي ثورة في المخيلة الثقافية، تتجاوز النمط الاستهلاكي المفرط، وتُعيد الاعتبار لمفاهيم الترشيد، والتوازن، والاكتفاء. وهو يفتح المجال أمام عودة أنماط الحياة التقليدية التي كانت تحترم دورات الطبيعة، وتؤمن بالعلاقة العضوية بين الإنسان والبيئة. كما يعيد الاعتبار للثقافات الأصلية، التي طالما نُظِر إليها باعتبارها "بدائية"، بينما كانت في الحقيقة تحمل رؤى بيئية أكثر توازنًا من النماذج الصناعية الحديثة.

بلغة أخرى، فإن التحول نحو الحياد الكربوني هو تحول وجودي وقيمي، لا يمكن فرضه من أعلى بقرارات حكومية أو اتفاقات دولية فقط، بل يحتاج إلى بناء وعي جماعي، وإنتاج ثقافي جديد، وتعليم بيئي شامل، يدفع الناس إلى تبنّي أنماط حياة أكثر مسؤولية ورفقًا بالكوكب. وهنا يتجلى دور الفن، والأدب، والإعلام، والدين، والتربية، في بناء "ثقافة الحياد الكربوني" التي تعيد للإنسان إحساسه العميق بالانتماء إلى الأرض، لا بوصفه مالكًا لها، بل جزءًا حيًا من نسيجها.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...
- الهياكل الخفية: تفكيك بنية الإرهاب التنظيمي في العصر الحديث
- الطاعون السياسي: حين يصبح الفساد بداية النهاية للدول
- السجل الدامي للقارة العجوز: التاريخ الشامل للحروب الأوربية ف ...
- نيران القرون الوسطى: تاريخ الحروب في أوربا
- الانفصال العظيم: صعود الصين وكسر القبضة الأمريكية على الفضاء ...
- من العقيدة إلى الدستور: معالم الدولة عند المودودي


المزيد.....




- خبراء: تعليق منح تأشيرات للطلاب الأجانب يضر بسمعة واقتصاد أم ...
- كيف تحول عثمان ديمبلي من لاعب زجاجي إلى مرشح للكرة الذهبية؟ ...
- طوكيو: الصين تستأنف استيراد المأكولات البحرية اليابانية
- الاقتصاد الهندي ينمو بوتيرة أسرع من المتوقع بالربع الأخير
- من المادة 122 إلى 301.. هذه خطة ترامب للإبقاء على رسومه
- صناعة السيارات البريطانية تسجل أضعف بداية سنوية منذ 2009
- مصر.. رد إعلامي على مزاعم -عسكرة الاقتصاد والتعليم- ومساعي - ...
- أكبر 10 دول استيرادا لآيفون في العالم بينها دولة عربية
- الهند تجتذب صندوق السيادة السعودي بإعفائه من بعض قواعد الاست ...
- هل تعيد صفقات الطاقة الكهرباء لسوريا.. وهل ينجح ضغط أوروبا ا ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء