مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام

حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 11:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

د.حمدي سيد محمد محمود
تتسارع تداعيات التغير المناخي على نحو غير مسبوق، مخلفةً آثارًا عميقة لا تقتصر على البيئة فحسب، بل تتجاوزها لتطال الأمن القومي والدولي بصورة مباشرة. فقد بات من المؤكد أن الكوارث المناخية، وارتفاع درجات الحرارة، وندرة الموارد الطبيعية، تلعب دورًا محوريًا في تأجيج الصراعات المسلحة، وتأزيم التوترات الإقليمية، وتهديد الاستقرار في المناطق الهشة. وفي مواجهة هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى مقاربات شاملة تعيد تعريف مفاهيم الأمن في ضوء التحديات البيئية المتنامية.

التعاون الدولي يشكل ركيزة أساسية في معالجة الأثر الأمني للتغير المناخي. فآليات العمل المشترك ضمن اتفاق باريس ومنظومة الأمم المتحدة توفر فرصة لتنسيق الجهود بين الدول، سواء المتقدمة أو النامية، من أجل وضع استراتيجيات جماعية تضمن الحد من المخاطر، والتأقلم مع التحولات المناخية الجذرية التي يشهدها العالم. ولا يكتمل هذا الجهد إلا بإدماج البعد البيئي في صلب السياسات الأمنية، بحيث تصبح تقييمات المخاطر المناخية جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات الدفاعية والوقائية في كل دولة.

ولأن تأثيرات المناخ أكثر قسوة في الدول التي تعاني أصلًا من ضعف اقتصادي ونزاعات مسلحة، فإن الاستثمار في مشاريع التكيف المناخي أصبح ضرورة ملحّة، خاصة في المناطق المعرضة للتصحر والفيضانات والجفاف. دعم هذه المشاريع، عبر التمويل ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات، من شأنه الحد من مسببات التوتر والصراع، وبناء بنى تحتية قادرة على الصمود.

من جانب آخر، تمثل العدالة المناخية مدخلًا جوهريًا في فهم العلاقة بين التنمية والأمن البيئي، إذ يتحتم على الدول الصناعية التي أسهمت تاريخيًا في انبعاثات الغازات الدفيئة أن تتحمل نصيبها من المسؤولية، من خلال مساندة الدول النامية في مواجهة الكوارث البيئية، وتمكينها من بناء قدراتها التكيفية والتنموية.

في السياق ذاته، يصبح تطوير أنظمة الإنذار المبكر للاستجابة السريعة للكوارث المناخية أداة لا غنى عنها، إلى جانب تعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع النزوح الجماعي، وتوفير بنى صحية وإنسانية مرنة في وجه الأزمات البيئية. وتزداد الحاجة أيضًا إلى دعم الأبحاث العلمية التي تجمع بين علوم البيئة والسياسة والدراسات الأمنية، لتقديم حلول واقعية مبنية على الفهم العميق للعلاقة المعقدة بين المناخ والصراع.

وفي ظل تصاعد التوترات العالمية، يمكن أن تمثل الدبلوماسية البيئية نافذة للحوار، وقناة لإعادة بناء الثقة بين الدول المتنازعة، من خلال مبادرات مشتركة في إدارة الموارد المائية، والأراضي الزراعية، والطاقة المتجددة، مما يعزز من فرص التعاون ويخفف من بؤر الاحتقان. كما أن تمكين المجتمعات المحلية من إدارة مواردها بصورة تشاركية يقلل من التوترات الداخلية، ويساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المناطق الأكثر هشاشة.

المناخ بات اليوم فاعلًا سياسيًا وأمنيًا، ولم يعد التعامل معه ترفًا بيئيًا أو شأنًا فنيًا بحتًا. إدراك هذه الحقيقة هو الخطوة الأولى نحو بناء نظام عالمي أكثر مرونة وعدالة واستقرارًا، قوامه التعاون البيئي والدبلوماسية المناخية والحوكمة الرشيدة للموارد.

#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل