أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية














المزيد.....

من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 02:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في قلب التجربة السياسية للقرن العشرين وما تلاه، تتجلى سردية الدولة الشمولية بوصفها تجليًا فادحًا لاختزال السياسة إلى أداة للهيمنة الكاملة، وتحويل الدولة من حاضنة للتعدد إلى كيان يتغذى على الطاعة، ويزدهر على القمع. هذه السردية لا تبدأ من مؤسسات، بل من تصورات ذهنية ومقولات أيديولوجية تأسيسية ترى في الدولة كائنًا كلي القدرة، حائزًا على التفويض المطلق لإعادة تشكيل المجتمع والإنسان معًا. إنها سردية تدّعي الإنقاذ من الفوضى والانحلال، لكنها في جوهرها تبني نظامًا يحوّل المواطن إلى تابع، والمعارضة إلى خيانة، والاختلاف إلى تهديد وجودي.

المنطلقات النظرية للدولة الشمولية تستند غالبًا إلى رؤى دينية أو قومية أو طبقية تُقدّم كحقائق نهائية غير قابلة للنقد. إنها لا تسمح بالتعدد في سرديات الهوية أو الحقيقة أو المستقبل. فسواء تمظهرت في صورة دولة الحزب الواحد، أو في نسق عسكري-أمني مغلق، أو حتى في أنظمة توظف الديمقراطية واجهة زائفة، فإن جوهرها يبقى قائمًا على السيطرة الكاملة على الفضاء العام، والرقابة اللصيقة على الأفراد، وإعادة صياغة الوعي الجمعي عبر أدوات الإعلام والتعليم والثقافة الرسمية. وهي بذلك تُنتج سردية متماسكة لكنها زائفة، تجعل من القائد رمزًا للخلاص، ومن النظام ضرورة تاريخية لا بديل عنها، ومن الدولة ذاتها كيانًا مقدسًا لا يُسأل عما يفعل.

إن السردية الشمولية لا تكتفي بإلغاء السياسة، بل تعيد تشكيلها بوصفها طقسًا من طقوس الولاء والخضوع. وفي هذا الإطار، يتم استبدال الحوار بالصدى، والمعارضة بالإقصاء، والنقد بالشيطنة. تنمو هذه الأنظمة عبر خلق "عدو داخلي" دائم، تُعلّق عليه كل أزماتها، وتبرّر عبره عسفها وتضييقها. وتُستخدم مفردات كبرى مثل "المؤامرة"، "الهوية الوطنية"، "الأمن القومي"، لإضفاء شرعية مستمرة على الاستبداد، ولتدجين الأفراد ضمن منظومة طاعة لا تعرف الشك ولا التساؤل. إنها عملية هندسة نفسية وثقافية تُفرغ السياسة من مضامينها الحقيقية، وتُغلق المجال العام أمام أي تعددية فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية.

أما المآلات، فإن سردية الدولة الشمولية لا تنتهي بانتصارها، بل غالبًا ما تنقلب على ذاتها، فتأكل بنيتها من الداخل. فالنظام الذي يُقصي النقد يُقصي الإصلاح، والذي يُصادر الحرية يُصادر الإبداع، والذي يحتكر الحقيقة يُنتج الجمود والفساد والارتباك البنيوي. ومع مرور الزمن، تتحول الدولة من أداة لإدارة الشأن العام إلى عبء على المجتمع، ومن منارة مزعومة للتنمية إلى آلة تُعيد إنتاج الفقر والتهميش. كما أن الاستقرار المصطنع الذي تبنيه الأنظمة الشمولية يتبدد سريعًا عند أول اختبار حقيقي، سواء كان اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا، لأن غياب الثقة والمشاركة المجتمعية يحول المجتمع إلى كيان مفكك، متشظّ، يفتقر إلى القيم المدنية والقدرة على التعبير الحر والمسؤول.

إن أخطر ما في سردية الدولة الشمولية أنها تُفرغ الإنسان من جوهره الأخلاقي والسياسي، فتجعل منه مفعولًا به لا فاعلًا، وتقتل فيه روح المساءلة والمبادرة والاختلاف. فهي لا تقمع فقط الأجساد، بل تسعى إلى تطويع الضمائر، وإعادة تشكيل الإدراك، وفرض خطاب وحيد يرسم حدود المسموح والممنوع. ولذلك فإن الخروج من هذه السردية لا يتطلب فقط إسقاط الأنظمة الشمولية، بل يتطلب كذلك تفكيك خطابها، واستعادة المعنى الحقيقي للمواطنة، وفتح المجال أمام سرديات بديلة تتأسس على الحرية والكرامة والتعددية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...


المزيد.....




- -الأمور لديهم تحت السيطرة-.. ترامب يكشف سبب عدم إدراج مصر ضم ...
- مشاهد صادمة.. يخت ينفجر فجأة فور صعود رجل على متنه
- مدن تغرق: من واشنطن وحتى الإسكندرية، وطوكيو تجد الحل
- اتصال هاتفي بين ترامب وشي بحثاً عن مخرجات للحرب التجارية
- السيسي لبزشكيان: لضرورة تجنّب التصعيد في المنطقة
- عرفات تستقبل أكثر من مليون ونصف حاج لأداء الركن الأعظم
- حرية رأي أم جريمة؟.. اتهام ناشطين بسرقة تمثال ماكرون
- البريطانيون يؤيدون حظر الأسلحة لإسرائيل
- 38 قتيلا بغارات إسرائيل على القطاع اليوم
- إسرائيل: استعادة جثتين من خان يونس


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية