أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق المستقبلية














المزيد.....

الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق المستقبلية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 11:51
المحور: الصحافة والاعلام
    


شهد قطاع الإعلان خلال العقود الأخيرة تحولات جوهرية، لكن دخول الذكاء الاصطناعي إلى هذا المجال مثل لحظة قطيعة معرفية واقتصادية أعادت تشكيل ملامحه من الجذور. فالإعلان لم يعد مجرد وسيلة للترويج والتسويق، بل أصبح نظامًا معرفيًا واقتصاديًا بالغ التعقيد، يرتكز على تحليل البيانات، وتوليد المحتوى التفاعلي، والتنبؤ بالسلوك البشري، وتوجيه القرارات الاستهلاكية، ما أفضى إلى إعادة تعريف القيمة الاقتصادية للإعلانات نفسها.

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي تحوّلًا بنيويًا في آليات تخصيص الموارد الإعلانية، حيث انتقل الاستثمار من الوسائط التقليدية ذات الطابع الجماهيري إلى الوسائط الرقمية القائمة على الاستهداف الدقيق والتحليل اللحظي للبيانات. وبهذا التغير، أصبحت الشركات قادرة على الوصول إلى جمهورها بأقل تكلفة وأكثر فاعلية، من خلال خوارزميات تعلم الآلة التي تقرأ أنماط الاستهلاك وتستبق التفضيلات. فالإعلان، الذي كان يومًا يعتمد على الحدس والإبداع الإنساني، بات اليوم خاضعًا لمنطق الإحصاء والتحليل الرياضي المتقدم، وهو ما أدى إلى ارتفاع العائد على الاستثمار الإعلاني بشكل ملحوظ، وتحوّل الإعلان إلى أداة استراتيجية لإدارة الطلب وتعظيم الأرباح.

ومن أبرز ملامح هذا التحول التكنولوجي اعتماد الإعلانات على التخصيص الفائق، حيث أصبح من الممكن تقديم رسالة إعلانية مختلفة لكل فرد بحسب سلوكه واهتماماته، وذلك بفضل تقنيات معالجة اللغة الطبيعية وتحليل البيانات الضخمة. وقد أدى هذا إلى انبثاق نمط اقتصادي جديد يقوم على استثمار البيانات الشخصية كأصل اقتصادي رئيسي، مما غيّر طبيعة العلاقة بين المستهلك والمُعلن، ورفع من مستويات الفاعلية الإعلانية إلى مستويات غير مسبوقة. وفي هذا السياق، تحولت الشركات الإعلانية الكبرى إلى مؤسسات تكنولوجية متخصصة في تحليل البيانات، لا مجرد منتجة للرسائل البصرية أو النصية.

لكن هذا التحول لم يقتصر على تقنيات الإعلان فقط، بل امتد إلى بنية سوق العمل الإعلاني نفسها، حيث تراجعت الحاجة إلى بعض الأدوار التقليدية لصالح مهارات تحليل البيانات، وتطوير الخوارزميات، وتدريب النماذج الذكية. لقد أصبحت الأتمتة، التي تنتج آلاف الإعلانات تلقائيًا في ثوانٍ، تهدد الإبداع البشري في جوهره، وتعيد توزيع القيمة المضافة بشكل يميل لصالح شركات التكنولوجيا الكبرى المالكة للأدوات والمنصات. وفي حين يتم تسويق هذه الأدوات بوصفها أدوات تحرير للإبداع، إلا أنها عمليًا تركز الأرباح وتقلص فرص المشاركة في إنتاج القيمة.

ومع تسارع التطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتجه صناعة الإعلان إلى آفاق أكثر تعقيدًا، حيث يتوقع أن تصبح الإعلانات تجارب تفاعلية مدمجة في الواقع اليومي، يصعب التمييز بينها وبين المحتوى غير الدعائي. وسيشهد المستقبل مزيدًا من التكامل بين تقنيات الذكاء الاصطناعي العام، والواقع المعزز، والواجهات الدماغية، مما ينذر بعصر جديد تتحول فيه الإعلانات إلى أدوات تأثير عميق في أنماط التفكير والسلوك، وربما الوعي ذاته. هذا التحول، وإن كان مبشرًا من حيث الكفاءة الاقتصادية، فإنه يطرح تحديات أخلاقية وتنظيمية ضخمة، تتعلق بالخصوصية، والسيطرة، وحرية الإرادة الاستهلاكية.

في ظل هذه التحولات، من المتوقع أن يتعاظم التفاوت بين الشركات الكبرى التي تمتلك البيانات والتكنولوجيا، وبين الكيانات الصغيرة التي تفتقر إلى الموارد اللازمة لمجاراة هذا السباق التكنولوجي. كما سيواجه المشرّعون صعوبات جمة في مواكبة التسارع التقني بوضع أطر قانونية تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلان وتحمي المستهلك من التلاعب اللاواعي أو التوجيه غير الأخلاقي للقرارات الشرائية.

إن الذكاء الاصطناعي لم يغيّر أدوات الإعلان فقط، بل غيّر بنيته ووظيفته وموقعه في الاقتصاد العالمي. فقد أصبح الإعلان مع الذكاء الاصطناعي ليس مجرد فعل ترويجي، بل ممارسة استباقية لتحليل الرغبة وتشكيلها، والتأثير في السوق قبل أن يتبلور الطلب ذاته. وبينما تفتح هذه التحولات آفاقًا واسعة للربح والابتكار، فإنها تستدعي أيضًا حوارًا واسعًا حول الحدود الأخلاقية، والضوابط القانونية، ومصير الإنسان في ظل اقتصاد لم تعد تحركه الحاجات، بل تتنبأ به الخوارزميات وتوجّهه.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية


المزيد.....




- رجل يدّعي هروبه من سجن بأمريكا يتوسل لترامب ومشاهير لمساعدته ...
- خريطة توضح موقع -جسر القرم- الذي فجرته أوكرانيا.. ومدى أهميت ...
- التونسي هشام الميراوي... رجل -طيب سخي- راح ضحية جريمة عنصرية ...
- -نريد لقمة العيش بكرامة-.. فلسطينيون يتحدثون لـCNN بعد مقتل ...
- القصف الإسرائيلي يستهدف الأبراج السكنية في غزة | بي بي سي تق ...
- ما هي مراحل توسعة الحرم المكي عبر التاريخ؟
- أمين عام الناتو: مسألة انضمام أوكرانيا للحلف لا زالت مطروحة ...
- غزة: مقتل العشرات وإستهداف مستشفى في دير البلح والحصيلة الإج ...
- تركيا تثبت أقدامها في سوريا.. دعم للقوات الحكومية وانتشار طو ...
- الحكومة الإسرائيلية مهددة بالانهيار بسبب خلاف الخدمة العسكري ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق المستقبلية