أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق الرقمية














المزيد.....

الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق الرقمية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 00:27
المحور: الصحافة والاعلام
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في عالم تسارعت فيه التحولات التكنولوجية بوتيرة غير مسبوقة، يقف الإعلان الذكي عند مفترق طرق حاسم بين قدراته التقنية المتعاظمة من جهة، والتحديات الأخلاقية المتزايدة من جهة أخرى. لقد أعاد الذكاء الاصطناعي رسم ملامح المشهد الإعلاني بالكامل، بحيث لم يعد الإعلان مجرد رسالة موجهة لجمهور عام، بل أصبح نظاماً معقداً يعتمد على خوارزميات دقيقة لتحليل السلوك الفردي، والتنبؤ بالتفضيلات، وتخصيص المحتوى الإعلاني على نحو غير مسبوق في الدقة والتأثير. ومع تطور تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق، بات الذكاء الاصطناعي قادراً على فحص مليارات البيانات الشخصية في لحظات، ليستخرج منها نماذج سلوكية تعكس خفايا المستهلكين، وتحدد بدقة ما يريدونه حتى قبل أن يدركوه هم أنفسهم. هذا المستوى من التخصيص، الذي كان يُنظر إليه يوماً ما كأقصى طموحات الحقل التسويقي، أصبح اليوم حقيقة قائمة، بل تجاوزها في كثير من الأحيان إلى مرحلة التأثير الخفي في قرارات الأفراد وأنماط استهلاكهم، ما يطرح تساؤلات وجودية حول حرية الإرادة في العصر الرقمي.

إن قوة الإعلان الذكي في عصر الذكاء الاصطناعي ليست فقط في الأدوات التقنية، بل في القدرة على النفاذ العميق إلى الوعي البشري، وتشكيله في بيئات رقمية خاضعة بالكامل لمنطق السوق، وهو ما ينذر بمخاطر أخلاقية معقدة. فعندما تُختزل الذات البشرية إلى مجرد "نقاط بيانات"، وتتحول الرغبات إلى معادلات رياضية، يصبح من المشروع التساؤل عن الحدود الأخلاقية لهذا التقدم. الإعلان لم يعد يُقدّم منتجًا فحسب، بل يشارك في بناء الواقع الرمزي للمجتمع، بل ويعيد صياغة القيم والمعايير الجمالية والاستهلاكية التي تحكم الحياة اليومية. ومع تزايد تطويع أدوات الذكاء الاصطناعي مثل تحليل المشاعر، ومعالجة اللغة الطبيعية، والتعرف على الأنماط، تصبح الإعلانات قادرة على محاكاة اللغة البشرية، واستثارة العواطف، واختراق الحواجز النفسية بشكل يصعب مقاومته، وهو ما يعزز من احتمالية التلاعب الخفي بالمستهلكين، ويدفع بالمجتمعات إلى ما يمكن تسميته بـ "الاستعمار العاطفي الرقمي".

لكن ما يزيد من تعقيد المشهد هو غياب إطار قانوني وأخلاقي شامل يحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلاني، إذ إن معظم القوانين الحالية لم تُصمم لمواكبة الواقع المتغير بسرعة. ومع بروز تقنيات مثل الإعلانات التنبؤية، والإعلانات الصوتية المدمجة في المساعدات الذكية، والإعلانات الموجهة عبر الواقع المعزز والميتافيرس، تتضاعف الحاجة إلى معايير تنظيمية جديدة تأخذ في الاعتبار ليس فقط حماية الخصوصية، ولكن أيضاً صون الكرامة الإنسانية والوعي الفردي من الاستغلال المفرط. فالمستهلك الرقمي المعاصر لم يعد مجرد متلقٍ، بل أصبح كائناً خاضعاً لتحليل دائم، ضمن بيئة رقمية مغلقة تحكمها خوارزميات غير شفافة، تُحدّد له ما يراه وما لا يراه، وتوجه اختياراته دون علمه، وهو ما يضعنا أمام إشكال أخلاقي خطير يرتبط مباشرة بمفاهيم العدالة، والمساواة، وحرية الاختيار.

في ظل هذا الواقع، يصبح التفكير في مستقبل الإعلان الذكي ضرورة تتجاوز حدود الاقتصاد والتسويق، لتدخل في صلب النقاشات الفلسفية والسياسية حول مصير الإنسان في عالم تحكمه تقنيات فائقة الذكاء. إن السؤال الجوهري لم يعد: "ما الذي يمكن أن تفعله التكنولوجيا؟"، بل أصبح: "ما الذي ينبغي أن نسمح للتكنولوجيا بفعله؟". وهنا تبرز أهمية تطوير أخلاقيات رقمية تواكب هذا التطور، لا بوصفها عائقًا أمام الابتكار، بل كضمانة لاستدامة هذا الابتكار في سياق إنساني عادل ومتوازن. فالمستقبل لا يُبنى بالتقنيات وحدها، بل بالتساؤل النقدي المستمر عن أهدافها، وحدودها، وتبعاتها، وخاصة حين يتعلق الأمر بعالم الإعلان، الذي بات أحد أقوى الأدوات المؤثرة في تشكيل وعي الإنسان المعاصر. ومن دون وعي جمعي بمخاطر التحيز الخوارزمي، والتلاعب بالمعطيات الشخصية، واستلاب الحريات الفردية، فإن الإعلان الذكي، برغم كل إمكاناته الهائلة، قد يتحول إلى سلاح ناعم للهيمنة، ووسيلة غير مرئية لإعادة هندسة المجتمعات وفق منطق تجاري بحت يختزل الإنسان إلى مجرد زبون دائم داخل آلة السوق الرقمية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين


المزيد.....




- رجل يدّعي هروبه من سجن بأمريكا يتوسل لترامب ومشاهير لمساعدته ...
- خريطة توضح موقع -جسر القرم- الذي فجرته أوكرانيا.. ومدى أهميت ...
- التونسي هشام الميراوي... رجل -طيب سخي- راح ضحية جريمة عنصرية ...
- -نريد لقمة العيش بكرامة-.. فلسطينيون يتحدثون لـCNN بعد مقتل ...
- القصف الإسرائيلي يستهدف الأبراج السكنية في غزة | بي بي سي تق ...
- ما هي مراحل توسعة الحرم المكي عبر التاريخ؟
- أمين عام الناتو: مسألة انضمام أوكرانيا للحلف لا زالت مطروحة ...
- غزة: مقتل العشرات وإستهداف مستشفى في دير البلح والحصيلة الإج ...
- تركيا تثبت أقدامها في سوريا.. دعم للقوات الحكومية وانتشار طو ...
- الحكومة الإسرائيلية مهددة بالانهيار بسبب خلاف الخدمة العسكري ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق الرقمية