أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكستانية














المزيد.....

الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكستانية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 09:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تُعدّ العلاقات الصينية-الباكستانية أحد أبرز النماذج المعاصرة للتحالفات الجيوسياسية التي بُنيت على أساس تقاطع المصالح الاستراتيجية والعداء المشترك لخصم إقليمي قوي، متمثّل في الهند. فهذا التحالف، الذي يُطلق عليه أحيانًا في الدوائر الدبلوماسية "الصداقة التي أعلى من الجبال وأعمق من المحيطات"، لم يتأسس على روابط أيديولوجية أو حضارية، بل على مزيج دقيق من الحاجة المتبادلة والرؤية الاستراتيجية المشتركة لكبح جماح القوة الصاعدة في جنوب آسيا: الهند.

منذ استقلال باكستان في عام 1947، وظهور الصين الشعبية في 1949، بدا أن الهند تمثل مصدر تهديد مشترك لكلتا الدولتين. بالنسبة لباكستان، كانت الهند تمثل الخصم الأول والأكثر تهديدًا لوجودها الجغرافي والسياسي، خاصة في ظل النزاع الطويل حول كشمير. أما الصين، فقد وجدت في الهند منافسًا إقليميًا شرسًا، يتمتع بدعم أمريكي متزايد، ويتبنى توجهًا قوميًا توسعيًا في الهيمالايا، كما ظهر في حرب عام 1962 بين بكين ونيودلهي. ومن هنا، تقاطعت المصالح الجيوسياسية للصين وباكستان، وبدأت رحلة من التعاون الثنائي المكثف الذي شمل كافة المجالات: العسكرية، الاقتصادية، الدبلوماسية، والتكنولوجية.

في قلب هذا التحالف، تقف قضية كشمير كرمز للعداء المشترك للهند. فقد دعمت الصين موقف باكستان في المحافل الدولية، ورفضت الاعتراف بضم الهند للجزء الهندي من كشمير، بينما بادلتها باكستان بالموقف ذاته حيال منطقة "أروناتشال براديش" التي تعتبرها الصين أرضًا محتلة من قبل الهند. هذه المواقف المتبادلة تعكس انسجامًا استراتيجيًا لا يقتصر على الشعارات السياسية، بل يمتد إلى سياسات فعلية تقوّض النفوذ الهندي في جنوب آسيا.

من الناحية العسكرية، يشكل التعاون الدفاعي أحد أعمدة هذا التحالف. فقد أصبحت الصين المزود الرئيسي لباكستان بالأسلحة، متجاوزة الولايات المتحدة وروسيا. شمل هذا التعاون تطوير أنظمة صاروخية متقدمة، ومقاتلات مثل "JF-17 Thunder"، بل وتعاونًا نوويًا ضمنيًا يثير القلق لدى نيودلهي. علاوة على ذلك، تنفذ الدولتان مناورات عسكرية مشتركة بشكل منتظم، في البر والبحر والجو، بما يعزز الجاهزية العسكرية ضد أي تصعيد محتمل مع الهند. ويزداد هذا التعاون حدة في ضوء التوترات المستمرة في كشمير ولاداخ، حيث يتقاطع التوتر الصيني-الهندي مع نظيره الباكستاني-الهندي، ما يخلق جبهة ضغط مزدوجة على الهند.

أما في المجال الاقتصادي، فإن مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC) يُعتبر أحد أبرز تجليات هذا التحالف، بل إنه يجسد الفكرة الجيوسياسية العميقة للتعاون ضد الهيمنة الهندية. فالمشروع، الذي يربط إقليم شينجيانغ الصيني بميناء جوادر الباكستاني على بحر العرب، يمنح الصين منفذًا استراتيجيًا على المحيط الهندي خارج نطاق النفوذ الهندي، بينما يضخ عشرات مليارات الدولارات في الاقتصاد الباكستاني. كما أنه يمر عبر أراضي كشمير المتنازع عليها، مما يعطيه بعدًا استراتيجيًا يفاقم من توتر العلاقات مع نيودلهي. هذا المشروع لا يُعد مجرد تعاون اقتصادي، بل خطوة مدروسة نحو تطويق الهند جغرافيًا واستراتيجيا، وإيجاد توازن جديد للقوى في جنوب آسيا.

وتتجلى أبعاد "الردع غير المتكافئ" في هذا التحالف؛ إذ تستفيد باكستان من الدعم الصيني لتوازن القوة التقليدية المتفوقة للهند، بينما تستخدم الصين باكستان كورقة ضغط دائمة في لعبة التنافس الإقليمي. إنها علاقة قائمة على "تمكين الضعيف" لاحتواء القوي. وهذا النمط من التحالفات يذكرنا بما وصفه كيسنجر بـ"تحالفات الخوف"، التي تُبنى على إدراك مشترك للتهديد أكثر مما تُبنى على وحدة الهدف أو التشابه الثقافي.

ولم تغفل الصين وباكستان البُعد الدبلوماسي أيضًا، حيث نسّقت الدولتان مواقفهما في المحافل الدولية، خصوصًا في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي. وقد حاولت بكين باستمرار التصدي لأي محاولة هندية لكسب دعم دولي في ملف كشمير أو في طموحها للانضمام الدائم لمجلس الأمن، كما دعمت بكين إسلام آباد في مواجهة الضغوط الغربية المرتبطة بملف الإرهاب أو العلاقات مع طالبان.

وفي خلفية هذا المشهد المعقد، يظهر تحول الهند نحو الولايات المتحدة باعتباره عاملًا متغيرًا يزيد من أهمية الشراكة الصينية-الباكستانية. فمع اتفاقيات الدفاع والتكنولوجيا بين واشنطن ونيودلهي، تشعر كل من بكين وإسلام آباد بالحاجة إلى تعميق تحالفهما لمواجهة ما يُعتبر محورًا ثلاثيًا مناوئًا يضم الهند والولايات المتحدة وأستراليا ضمن ما يُعرف بـ"الرباعية" (QUAD). وهكذا، فإن العلاقات الصينية-الباكستانية لم تعد فقط تحالفًا ثنائيًا ضد الهند، بل جزءًا من معادلة كبرى في التوازن الاستراتيجي الآسيوي والعالمي.

خلاصة القول، إن التحالف الصيني-الباكستاني في وجه الهند ليس مجرد اصطفاف تقليدي بين دولتين متجاورتين، بل هو أحد أكثر التحالفات استراتيجية وتماسكًا في النظام الدولي المعاصر. إنه تحالف يقوم على ديمومة التهديد وتنامي المصالح المشتركة، ويتغذى على فشل مشروع التوافق الإقليمي في جنوب آسيا. وبينما تسعى الهند إلى ترسيخ زعامتها الإقليمية، تعمل الصين وباكستان على تقويض هذا المشروع، كلٌ لأسبابه، ولكن من خلال أدوات مشتركة واستراتيجيات متكاملة. وما دامت الهند تُمثل نقطة ارتكاز للقلق الجيوسياسي لكلتا الدولتين، فإن هذا التحالف سيبقى راسخًا، بل مرشحًا للتوسع في العقود القادمة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...


المزيد.....




- دخل منطقة محظورة.. سائق توصيل طلبات ينتهي به المطاف على مدرج ...
- -تصميم- فرنسي على الاعتراف بدولة فلسطينية... وشكوى ضدّ إسرائ ...
- الشركات الأمريكية تتمسك بالصين رغم الرسوم الجمركية المرتفعة ...
- بنعبد الله يستقبل وفدا عن عن الجمعية المغربية لحماية المال ا ...
- مودي يفتتح أعلى جسر سكة حديد في العالم يربط كشمير بباقي الأر ...
- لحظة رعب في السماء.. طفلان ينجوان بأعجوبة من قلعة مطاطية طائ ...
- ترامب: وفد أمريكي يجري في لندن يوم 9 يونيو مفاوضات تجارية مع ...
- -إنجاز طبي في مكة-.. استخدام روبوت في عملية جراحية دقيقة بال ...
- رغم شهداء المساعدات.. واشنطن تدعو العالم لدعم -مؤسسة غزة الإ ...
- الى الامام العدد 248


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكستانية