عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 02:19
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
سمع الجاحظ بعض ما يتردد بين الناس، ومنه أن نوعًا من الثعابين يلد. ونوع من الوعول، يُقال أن أنثاه تلد أفعى مع كل ولد تضعه. وكان عموم الناس، في تلك الأزمنة، يصدقون أشياء كهذه. فكتب الجاحظ نصًّا عميق المغزى، كما هو شأن أدبه قوي الدلالة. يقول الجاحظ:"لم أكتب هذا لتقر به، ولكنه رواية أحببت أن تسمعها، ولا يعجبني الإقرار بهذا الخبر، وكذلك لا يعجبني الإنكار له، ولكن ليكن قلبك إلى إنكاره أميل. وبعد هذا فاعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة له، لتعرف بها مواضع التعيُّن والحالات الموجبة له. وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلُّمًا، فلو لم يكن في ذلك إلا تعرف التوقف ثم التثبت، لقد كان ذلك مما يُحتاج إليه. ثم اعلم ان الشك في طبقات عند جميعهم، ولم يُجمعوا على أن التعيُّن طبقات في القوة والضعف. ولما قال أبو الجهم للمكي: أنا لا أكاد أشك، قال المكي: وأنا لا أكاد أوقن، فَفَخَرَ عليه المكي بالشك في مواضع الشك، كما فَخَرَ عليه ابن جهم باليقين في مواضع اليقين"(الجاحظ: الحيوان ، ج6، ص10).
لو لم نكن على يقين أن الجاحظ، الذي عاش في بغداد في القرن التاسع الميلادي كاتب هذا النص، لبدا لنا وكأن كاتبه رينيه ديكارت صاحب نظرية الشك المنهجي، الذي عاش في وطنه فرنسا في القرن السابع عشر الميلادي. الشك بالمنظور الديكارتي طريق الوصول إلى الحقيقة، محرك الفكر، ورافد الوعي. على هذه الأرضية تبلور المبدأ الديكارتي الشهير:"أنا أفكر، إذن أنا موجود". التفكير فعلٌ واعٍ، يندرج في إطاره الشك وأيُّ نشاط عقلي آخر. والمرء بالشك، إنما يؤكد حقيقة وجوده ككائن مفكر.
وبناءً على ما قرأنا للجاحظ، نرى أنه سبق ديكارت على طريق الشك في سبيل الوصول إلى الحقيقة. فالجاحظ لا يصدق الخزعبلات المومأ إليها فوق مهما كان عدد مصدقيها، لسبب رئيس هو امتلاكه مسطرة العقل، فيعرض عليها كل ما يسمع ويتردد ليقرر قبوله أو رفضه.
ونرى في مسطرة الجاحظ، الدواء الشافي لما يتردد في مجتمعاتنا من خرافات وخزعبلات وهلوسات حتى يوم الناس هذا.
.
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟