أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - سيد قطب بلا قناع















المزيد.....

سيد قطب بلا قناع


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 16:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا علاقة لهذا المقال بما يجري بين الأردن الرسمي و"الأخوان". ولا نكتب من موقف العداء لهم وإن كنا في موقع الخصومة الفكريَّة معهم، وهذا من طبائع الأمور. فنحن ننتمي إلى مدرسة فكرية لا تعادي الدين، كما يتوهم بعض الموتورين المتهورين والسطحيين، بل تدعو إلى الفهم العلمي للدين في سياقاته التاريخية. مدرسة توقن بأن الأمم تتقدم بعقولها وليس بأديانها، وترى أن أرقى ما توصل إليه العقل الإنساني في التعامل مع الدين هو إدراجه في إطار الشأن المعتقدي التعبدي الروحاني الخاص، والنأي به عن التدخل في السياسة وفي شؤون الإجتماع الإنساني.
لم يكن في بالي أن أكتب عن سيد قطب، لكن دفعني في هذا الاتجاه سطور قرأتها لإعلامي أردني يشيد بفكر الرجل، ويضعه في سوية واحدة مع قامات فكرية وأدبية، مثل جبران خليل جبران ورفاعة رافع الطهطاوي ونجيب محفوظ. الزميل الإعلامي كتب احتجاجًا على تغيير اسم شارع في العاصمة عمان يحمل اسم سيد قطب، وهو حر في ذلك، وهذا أمر لا يعنينا، كما أنه حُرٌّ أيضًا برأيه المتعلق بسيد قطب. ونحن في المقابل، لنا الحق بإبداء وجهة نظرنا في أمر خرج إلى الرأي العام خاصة وأنه يتعلق باتجاه فكري لدينا ما نقوله بشأنه ونترك الحكم للقارئ العزيز.
للعلم، ونرجح هنا أن كثيرين من كوادر الإسلام السياسي لا يعلمون أن سيد قطب كان من أكثر المؤيدين والمتحمسين لانقلاب، ثم ثورة يوليو 1952 في مصر، بقيادة جمال عبدالناصر، مؤسس تنظيم الضباط الأحرار. فقد نشر سيد قطب سلسلة مقالات آنذاك أعلن فيها على رؤوس الأشهاد تهليله الكامل وتأييده الكلي لانقلاب الضباط الأحرار. وفي بعض تلك المقالات كان يعاتبهم على تباطُئهم في إحداث التغيير الشامل، "بإزاحة رموز الجيل القديم من قادة الجيش المصري، الذين كانوا متورطين مع الملك فاروق، والإستغناء عن خدماتهم تمامًا"(أنظر محمد شحرور: الدين والسلطة/قراءة معاصرة في الحاكمية، ص58). انضم سيد قطب إلى "الأخوان" سنة 1953، لكنه مع ذلك ظل يتعامل بأسلوب متوازن معهم ومع حكام مصر الجدد، أي ضباط يوليو، دون مفاضلة لأي من الطرفين على الآخر. فالصدام بين النظام الجديد و"الأخوان" لم يكن قد نشب بعد، وكان سيد قطب يطمح لمنصب مرموق . لم يحقق قطب مبتغاه، وخاصة بعد احتدام الخلافات بين النظام الجديد و"الجماعة". وقد وجد نفسه مضطرًّا للمفاضلة، "فترك كفة الثوار ليقفز نهائيًّا إلى سفينة الأخوان"، كما يقول محمد شحرور.
لم يكن قطب حينها قد اتخذ "الحاكمية" بوصلة لنهجه الفكري، إلا بمضمونها التشريعي وليس كأيديولوجيا. لكن بعد أن احتد الخلاف بين النظام من جهة، والأخوان المسلمين من جهة ثانية إثر محاولة اغتيال عبدالناصر فيما يُعرف بحادثة المنشية سنة 1954، زُجَّ بهم في السجون وحُكِم على قطب بالإعدام. بعد ذلك، بدأ الأخير بتأثير السجن والتعذيب، التنظير ل"الحاكمية"، وهي ليست من اختراعه، بل قال بها قبله رجل الدين الباكستاني أبو الأعلى المودودي. وإذا شئنا تقليب صفحات الماضي البعيد، فإن أول من أشهر شعار "الحاكمية"، كان الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان. فعندما حاصره الثوار في المدينة احتجاجًا على أسلوبه في إدارة شؤون البلاد والعباد، خيّروه بين ثلاث: "لَتَعدِلن أو لتُعزلن أو لَتُقتلن". فرد عليهم عثمان بعبارة ما تزال تتردد في فضاءاتنا حتى اليوم: "لن أخلع قميصًا ألبسنيه الله". ومن المؤكد أن الله عز وجل لم يُلبِس عثمان قميص الخلافة، ولم يختره خليفة للمسلمين. فقد اختاره خليفة عبدالرحمن بن عوف، رئيس مجلس الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب بعد أن شعر بدنو أجله ليختاروا أحدهم خليفة. وفي معركة صفين بين جيشي علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، لجأ الأمويون بدهاء إلى خدعة رفع المصاحف على أسنة الرماح "لحقن دماء المسلمين"، بعد أن بدأت الكفة تميل لصالح علي. وهو ما يعني تحكيم النص القرآني في صراع دنيوي سياسي اجتماعي له أسبابه ولا علاقة لها بالدين أصلًا، وليس من شأن موضوعنا استحضارها. وبعد أن دب الصراع في صفوف جيش علي إثر خديعة "التحكيم بينه وبين معاوية"، رفضت أعداد من أنصاره سُمُّوا لاحقًا "الخوارج" تحكيم البشر بأمر إلهي. فرد عليهم علي بقولته التاريخية الشهيرة، والصحيحة حتى بمعايير عصرنا اليوم: "القرآن كلام مسطور بين دفتي مصحف، لا ينطق وإنما ينطق به الرجال".
كان لا بد من استحضار المرجعية التاريخية للحاكمية، وذلك لتقريبها إلى الأذهان والإضاءة على أدق معانيها، وأهمها الإحتكام إلى سلطة النص الديني في أمورٍ وشؤون دنيوية. لكن النص الديني لا ينطق بل يستنطقه الرجال، بالتفسير والتأويل. والرجال أبناء مراحل، ومتفاوتون في المستوى المعرفي وليسوا منزهين عن الأهواء، ولهم مصالح متزاحمة ومتدافعة، ويستحيل أن يتفقوا على تفسير واحد موحد للنص الديني. والله عز وجل لم يكلف أحدًا من البشر بتطبيق شرعه، ولم ينتدب أحدًا للنطق بإسمه وتوزيع الناس على الجنة والنار. وعليه، الحاكمية باختصار، توظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية دنيوية أهمها الاستحواذ على السلطة السياسية. وبالمناسبة، هذا هو السبب الرئيس للخلافات بين نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر والأخوان المسلمين.
أعاد أبو الأعلى المودودي، أستاذ سيد قطب، رفع شعار الحاكمية في القرن العشرين لأسباب سياسية وأيديولوجية بالدرجة الأولى. لم تكن تنظيرات المودودي بهذا الخصوص معزولة عن الواقع، ولم تكن بلا خلفية سياسية تستدعي تكفير الديمقراطية ووصفها بالحكم الجاهلي، وإن الحاكمية لله وحده. كانت البيئة السياسية والظروف التي عاشها المودودي، الباعث الرئيس لرفعه شعار الحاكمية وإعطائه بُعدًا ذا صبغة دينية تتعلق بطبيعة الساحة الهندية وانعكاس صراعاتها على الأقلية المسلمة في الهند. فقد واجهت هذه الأخيرة آنذاك الاستعمارالإنجليزي وقهر الأغلبية الهندوسية، ناهيك بحملات التغريب ومحاولات تذويب الشخصية الاسلامية في الهند. مقصود القول، كان مسلمو الهند ضد فكرة الأغلبية الديمقراطية نظرًا لغلبة العنصر الهندوسي، قبل أن ينفصل الكثير منهم بباكستان. لكن الباكستان بعد انفصالها عن الهند، أخذت بالنظام الديمقراطي غير آبهة بحاكمية المودودي. باختصار، تلاشت حاكمية المودودي في الباكستان لتنتقل إلى الجماعات الاسلامية في مصر والبلدان العربية، من خلال سيد قطب، وقد بلغت ذروتها في كتابه "معالم في الطريق". بإسم الحاكمية، وَصَمَ سيد قطب مجتمعاتنا ب"الجاهلية". وبذلك أجاز القتل وسفك الدم، "لإقامة شرع الله في الأرض"، ولا ندري من كَلَّفه بذلك!!!
يقول قطب في كتابه "معالم في الطريق" بالحرف:"العالم يعيش في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. هذه الجاهلية تقوم على أساس الإعتداء على سلطان الله في الأرض(هل كلَّفه الله تعالى بالدفاع عن سلطانه؟!!! /ع)، وعلى أخص خصائص الألوهية، وهي الحاكمية، إنها تستند إلى حاكمية البشر، فتجعل بعضهم لبعض أربابًا لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة". لم يخبرنا سيد قطب في كتابه من أين تلقى "منهج الله للحياة"، ومن الذي أوكل إليه مهمة المنافحة عنه وتطبيقه. لكنه يتدرج في تبيين فهمه للحاكمية ليصل إلى تكفير المجتمع والدولة، وهنا الكارثة التي ما يزال العرب دون البشر أجمعين يدفعون ثمنها بختم المقدس حتى يوم الناس هذا، منذ 1450 سنة ونيف. ففي انتقاده لمجتمعاتنا في القرن العشرين، يقول قطب في الكتاب ذاته: "الأمة المسلمة التي تؤمن بحاكمية الله وتطبقها في حياتها قد انتفت منذ قرون، ولم تتواجد إلا على يد من نسميهم الجيل القرآني الفريد، وهو الجيل الأول من هذه الأمة، والذي لم يجتمع ناس على سطح الأرض وعلى مَرِّ التاريخ في مكان وزمان واحدين اتحدت فيهما سرائرهم وعلانيتهم على منهجية لا إله إلا الله والامتثال لها وتحكيمها، مثل ذلك الجيل الأول من هذه الأمة الذي غيَّرَ مجرى التاريخ، وهذا هو السبب الرئيس وراء ما حققوه". ولا يخفي قطب الغاية الرئيسة لحاكميته، متمثلة "بجهاد العصبة المؤمنة لإعادة إنشاء هذا الدين في واقع الأرض وفي حياة الناس". الهدف المتغيَّا إذن، لحاكمية قطب وللحاكمية كما عرفها حاضرنا وماضينا، بات واضحًا كما الشمس في رابعة نهار تموزي في صحراء العرب، مفاده، نحن، أي الأخوان المسلمين، العصبة المؤمنة المؤهلة للحكم والسلطة، لإعادة إنشاء هذا الدين في الأرض. إنه حكم البشر للبشر بإسم الدين. وهكذا، أيقظ قطب وقبله المودودي الحاكمية من سباتها في كهوف القرون الوسطى، كأيديولوجيا تكفيرية تبيح العنف والتدمير والقتل بقناع ديني وبإسم تطبيق شرع الله.
ملاحظة: معظم المعلومات من كتابنا (العرب والديمقراطية...أين الخلل؟!).



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساطير عربية (الجن)*
- خماسي على صباح ماكرون!
- الكتابُ الصَّيْحَة (3) -الهيمنة الصهيونية على الأردن-.
- بصراحة عن الاستقلال!
- الملائكة تقاتل !!!
- الكتابُ الصَّيْحَة (2) زرع الكيان في فلسطين وتوطين اللاجئين!
- عن جد مسخرة !!!
- أسدٌ على العرب وبنظر غيرهم نعامة!
- الحجب وما أدراك ما الحجب!
- الكِتَابُ الصَّيْحَة (1) ثلاثة أسئلة مصيرية.
- المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(8) وال ...
- خطأ تاريخي
- المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(7)
- قبسٌ من كتاب
- المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(6)
- الدولة المدنية هي الحل
- المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(5).
- من تجليات العقل المُغيب !
- المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(4)
- المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(3)


المزيد.....




- اضبط الآن تردد قناة طيور الجنة Toyor Aljanah 2025 الجديد عبر ...
- الإجازة بدأت ثبتيهم وسلي أولادك.. تردد قناة وناسة وطيور الجن ...
- تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 على نايل سات وعرب سات ...
- تفاعل كبير.. وزير الخارجية السعودي يؤمّ المصلين بالجامع الأم ...
- حاخام يهودي من القدس يصف الحرب في غزة بـ-الجريمة المروعة-
- “سلي أطفالك بأحلى الأغاني” تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 عل ...
- الخارجية الأردنية: اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المعنية ...
- وزير خارجية السعودية يؤمّ المصلين بالجامع الأموي الكبير في د ...
- فيديو.. وزير الخارجية السعودي يؤم المصلين في المسجد الأموي ف ...
- هجمات تطال متحف الهولوكوست واثنين من المعابد اليهودية ومطعما ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - سيد قطب بلا قناع