عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 09:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أصل الداء ومصدر الشقاء، هشاشة منطقتنا العربية وضعفها. أنظمة لا تنتمي لشعوبها، فهي ليست منتخبة، ولا تُسأل عما تفعل. تتوسل شراء الذمم والإفساد في الداخل، للحفاظ على كراسي الحكم وتوريثها، بالتوازي مع التبعية للخارج. لذا، لا غرابة أن تتسابق في التفنن بتقديم آيات الولاء والطاعة لأميركا والتباري لإرضائها بالمال وبتقديم تسهيلات التواجد العسكري والاستخباري.
ولقد أخفق النظام الرسمي العربي، طيلة عقود مضت بعد مرحلة الاستقلال، في إقامة سوق عربية مشتركة تحقق نوعًا من التكامل الاقتصادي. وأخفق أيضًا، بالقدر ذاته، في إنشاء منظومة أمنية يُستقوى بها على غِرار الإتحاد الأوروبي مثلًا.
واقع عربي على هذا النحو، لا شك مناسب للإبتزار من قِبَل تاجر العقارات الجالس في البيت الأبيض، المهووس بعقد الصفقات وتفريغ مخزونه من النرجسية والنزوع الاستعلائي.
يكاد أبناء جلدته الأميركيون يجمعون على أهم صفتين تميزانه، النرجسية والكذب.
البروفيسور في جامعة ويسترن الشمالية، دان مارك آدامز، الخبير في علم النفس، أصدر كتابًا بعنوان "حالة دونالد ترامب الغريبة: دراسة نفسية" أكد فيه أن ترامب نرجسي أصيل بدرجة كبيرة جدًّا.
أما مستشاره للأمن القومي، خلال بعض زمن ولايته الأولى، المُضارِع له في القُبح جون بولتون، فقد أفاض في مذكراته بتسليط الأضواء على سوءات رئيسه وقال فيه ما لم يترك مجالًا لمستزيد. فهو بحسب بولتون يعاني من نرجسية مرضية، كذّاب ومتناقض، تغيير المواقف ثابت في سلوكه. ويؤكد بولتون أن ترامب يرى في "حلفائه" العرب دفترَ شيكات ليس أكثر. وفي هذا السياق، نستحضر ما سبق أن قاله ترامب نفسه، خلال ولايته الأولى، بخصوص هوسه بالمال ذي النكهة الخليجية خاصة: "ليس لديهم (دول الخليج) سوى المال، وأنا أحب المال، أنا جشع جدًّا". بهذا الخصوص أيضًا، يَنسب له بولتون القول:"على العرب أن يدفعوا نفقات قواتنا في بلدانهم بزيادة لا تقل عن 25% من قيمة هذه النفقات. ولا يلبث أن يرفع النسبة، والكلام لبولتون، إلى 50%. ويضيف بولتون في الإطار ذاته، ولكن من باب موقف ترامب من إيران، إذ يستحضر قوله:"على حلفائنا العرب أن يدفعوا كي نضرب إيران". ويؤكد أنه طالما سمع ترامب يقول:"يجب أن نأخذ نفط العراق، ونفط سوريا". أما أكثر ما يهم ترامب من بيع الأسلحة للعرب، بحسب بولتون، فليس الحسابات الجيواستراتيجية، بل خلق فرص عمل للأميركيين أولًا، وكي لا يشتري العرب السلاح من روسيا والصين، ثانيًا.
قبل عودته إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية، كان ترامب يدرك أن أميركا مأزومة اقتصاديًّا، كما تؤكد الأرقام وهي لا تكذب، عكس ما اعتاد ترامب. فالمديونية تصل إلى 37 تريليون دولار، والعجز التجاري يتجاوز 140 مليار دولار. يضاف إلى ذلك، قلقه المرضي من التحدي الصيني، إذ يكاد التنين الصيني يشكل عقدة تتراكم تفاعلاتها في داخله كل يوم. ابتدع رفع الرسوم الجمركية لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: حل أزمة أميركا الإقتصادية المتفاقمة، وإغراء الشركات الأميركية المهاجرة، في الصين بشكل خاص، بالعودة إلى موطنها وخلق فرص عمل للأميركيين، ثم فرملة الصعود الاقتصادي والتكنولوجي للتنين. واستهدف بإجراءاته الغبية هذه، بشهادة مسؤولين أميركيين، المكسيك وكندا، ولم يستثنِ منها حتى قاعدة الغرب الاستعماري المزروعة في فلسطين بإسم اسرائيل. لكن الصين أهانته، حين انتدبت المتحدثة بإسم وزارة خارجيتها لتوجه له رسالة ازدراء مفادها:"حتى الطاقية التي تغطي بها رأسك صُنِعت في الصين". ولما تأكد بنفسه أن التوسع في رفع الرسوم الجمركية والمبالغة في نسبتها على الواردات الصينية انعكس سلبًا على مواطنيه الأميركيين قبل غيرهم، حيث ارتفعت الأسعار وزاد التضخم، بدأ يفكر بالتراجع عنه. وهو بالفعل ما حصل بعدما تبين له أن مجموع الواردات الصينية المباشرة إلى أميركا لا تزيد عن 15% من صادرات التنين. وتأكد له أيضًا أن المواجهة الاقتصادية مع الصين، تعني مواجهة مع معظم دول العالم، حيث يرتبط هذا المُعْظَمُ مع التنين بعلاقات تبادل تجاري من ضمنها التصدير إلى أميركا. في المحصلة وجد نفسه مُرغَمًا على التفاوض مع الصين، وهو ما حصل بالفعل في جنيف، وأعاد صاغرًا نسبة الرسوم الجمركية على السلع الصينية الواردة إلى أميركا إلى ما كانت عليه قبل إجراءاته الغبية، أي 30%.
أما بخصوص العلاقة مع روسيا، فمن الواضح أن الروس لهم "دالة" عليه، وربما يكونون الأدرى بحقيقته. فقد صدرت تقارير روسية، يبدو أنها ليست بلا تعضيد دراسات تحليلية لشخصيته، تؤكد انحطاطه الأخلاقي.
ترامب يمثل الشخصية الأميركية التقليدية الحقيقية، التي تخشى المواجهة المباشرة مع الأقوياء، فتشن عليهم حروبًا بالوكالة. وعندما تُخفق في تحقيق الهدف المتغيَّا تتراجع عنها، بل وتتظاهر أنها معنية بإحلال السلام. أليس هذا بالضبط موقف ترامب، الداعي لوقف الحرب في أوكرانيا؟!
أميركا وليس غيرها من أشعل الحرب في أوكرانيا، لإضعاف روسيا وهزيمتها استراتيجيًّا. أما وقد حصل العكس، فقد بدأ ترامب في حملته الانتخابية يتحدث عن ضرورة وقفها. ويبرر ذلك بضرورة وضع حد لموت المئات يوميا، لكنه لا يرى مجازر جيش النازية الصهيونية في غزة بأسلحة أميركية.
في سياق متصل، دعا تاجر العقارات إلى ضم كندا لبلاده، لكن الكنديين أسمعوه من الكلام ما يُهين. الشيء ذاته فعلته رئيسة المكسيك، وهي إمرأة بألف رجل، المحترمة كلوديا شينباوم، في الرد على استهدافه بلادها برفع الرسوم الجمركية على صادرارتها إلى أميركا. ولم تقل عنها "رجولة" مته فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، في الرد على تاجر العقارات النرجسي الكذاب، بعد إعلانه بأسلوب قروسطي بدائي عن نيته ضم جزيرة جرينلاند إلى أميركا. وقد كان أقل ما صرحت به من قبيل رد الصاع صاعين:"لن نرضخ لضغوط ترامب بشأن جرينلاند".
وفيما كان ترامب يفكر بمخرج لإنقاذ اقتصاد أميركا المأزوم، لاحت له طاقة الفرج فاستذكر "حلفاءه" العرب، دفتر الشيكات، وقرر أن تكون زيارته الأولى إلى هناك !
وكان قد مَهَّدَ للزيارة بتصريح ذَكَّرَ فيه دول الخليج، بأن استمرار وجودها على الخريطة السياسية، يعود الفضل فيه للعم سام. ولم نسمع أن مسؤولًا خليجيًّا جرؤ على سؤال ترامب ممن يريد أن يحمي دول الخليج؟!
نتائج الزيارة التاريخية، كما يصفها بعض الإعلاميين الأشقاء، باتت معلومة. فقد حصل ترامب على مبتغاه، صفقات واستثمارات بمبالغ ضخمة تُقدر بتريليونات الدولارات، وليس يفوتنا التذكير بالهدايا الخاصة. صحيح أن ما جرى توقيعه اتفاقيات تفاهم، ليس بالضرورة أن تُنفَّذ بالمبالغ المعلنة. لكن من المؤكد أن مبالغ ضخمة ستتدفق على أميركا، لتنعش اقتصادها المأزوم وتخلق ملايين فرص العمل. وسيُستخدم كَمٌّ من هذه المليارات لتشغيل مصانع السلاح، المُنتِجَة لأدوات قتل العرب واستمرار احتلال أراضيهم ودعم تغول الكيان اللقيط عليهم!
لو أن جزءًا من هذه الأرقام التريليونية يُنفَق لتطوير المنطقة العربية، لأحدث نقلات تطورية شاملة في بلداننا. ولكن لا مِرية بأن التفكير بأمر من هذا النوع غير مُدرج في أجندة الأنظمة العربية، بل ومن اللامُفكَّر فيه.
أميركا تتراجع، في عالم يتغير ويتجه نحو التعددية القطبية. ولم يعد رئيسها، سواء كان ترامب أو غيره، أسدًا يأمر فيُطاع إلا في صحارى العرب!
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟