أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علوان حسين - متشرداً في بغداد















المزيد.....

متشرداً في بغداد


علوان حسين

الحوار المتمدن-العدد: 7936 - 2024 / 4 / 3 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


سرت في شوارع بغداد كالمتشرد لا أهل لي ولا بيت ولا حبيبة . أي مرض لعين قادني إلى هذي البلاد التي أشعرتني بالنبذ والخيبة ؟لي من الأخوة سبع لم يستقبلني أحد منهم في بيته . كانوا في شغل ذاهلين على ما يبدو عن العالم من حولهم لا يعلمون أو حين علموا غلسوا كما يقال باللهجة الدارجة وتناسوا وجودي كما لو كنت منبوذ العائلة وكما يقال البعيد عن العين ينساه القلب .
أخي الذي أستقبلني في المطار كان مصاب بالإنفلونزا التي سرعان ما أنتقلت لي . أصطحبني في سيارته الجديدة إلى بيته وهو عبارة عن غرفة صغيرة بعرض ثلاثة أمتار وطولها لا يتجاوز الأربعة أمتار في وسطها يقع المرحاض وهي أي الغرفة المطبخ والصالة وغرفة النوم لا شباك لها ولا تدخلها الشمس ولا الهواء النظيف .
الإستحمام في هذا المرحاض الصغير والضيق جداً تحت الدوش بمثابة عقوبة من نوع خاص ناهيك عن الرائحة المنبعثة منه تشعرك بالغثيان . في هذه الغرفة تشبه زنزانة منفردة ومع أخ مصاب بالإنفلونزا حكم علي تمضية أسبوعين مصاباً بحمى شديدة وصداع وآلام في المعدة مع فقدان الشهية للطعام يضاف إليهاصخب الأطفال يلعبون كرة القدم في دربونة ضيقة وزعيق الباعة المتجولين منذ الصباح الباكر للطريح في الفراش يئن من الصداع والحمى وآلام المعدة شعور من فقد حريته بغتة ، شعور بالتعاسة والحزن والألم الممض .
أحد أخوتي الأشقاء وكنت أظنه صديقاً لي تربطني به علاقة مودة ونوع من الإنسجام لم يدعني إلى بيته لكنه رفعاً للعتب دعاني إلى تناول العشاء في مطعم شعبي على حسابه الخاص . في تلك الليلة عدت فيها منقوعاً من المطر سألني أخي أمين بعد أن أخبرته بسهرتي مع أخي اللواء المتقاعد :
⁃ هل تشعر بالبرد تعال هنا قرب المدفأة ؟
⁃ لا البرد في داخلي أشعر بتبلد في الحواس ورغبة عارمة في الموت ..
⁃ لماذا لم يوصلك أخوك حسن بسيارته ؟ أجبته:
⁃ لعله يخشى على سيارته الحديثة ثم لا تنس مكانته المرموقة كلواء متقاعد هل يسمح لنفسه المجيء إلى مدينة شعبية مثل الزعفرانية والخوض في شوارعها الخربة وهو يعيش في زيونة ؟
⁃ لكنه قضى طفولته وشبابه في هذه المدينة الشعبية ..
⁃ الآن تغير الوضع والإنسان يتغير حسب ظروفه .
⁃ هذا خطأ بل خطيئة مع هذا هو يحبك كثيراً ..
⁃ لا أشك بحبه أبداً لكنه يعبّر عن الحب بطريقته الخاصة ..
⁃ ماذا تقصد كلامك هذا يقبل التأويل ؟
⁃ أعني بعض الحب هو نوع من كره أيضاً ..
⁃ لا لا أنت تبالغ كثيراً . لا أحد يكره أخيه خصوصاً البعيد عنه ..
⁃ ربما ليس بغضاً لكنه حب قاس حسب طبيعة الشخص وطبيعته الصارمة ..
⁃ معظم صفاته أكتسبها من حياة الجيش القاسية، حياة جافة بلا روح لكنه طيب القلب .. خطر ببالي أن أدعو أخوتي السبعة إلى رصيف ما في شارع نجلس مثل عمال المسطر نقضي وقتنا في التحديق بوجوه المارين . حمداً لله لم أك مفلساً أو ضائعاً تماماً لو كنت أعيش في العراق عاطلاً عن العمل لكنت اليوم متشرداً أنام على الرصيف .
في شوارع بغداد أتسكع لا شغل لي سوى التحديق بالوجوه أحاول أن أسبر أغوارها عبر التحديق العميق في السحنات والعيون . البصبصة والتحديق في الوجوه هواية قديمة لازمتني منذ طفولتي لم أتخلص منها بعد . أشفق على شابات وشباب بغداد العاطلين عن العمل والأمل في التغيير يتسكعون بلا أحلام في مدينة يمضغ ناسها الكلام كالحشيشة تخدر حواسهم تراهم يدردمون وهم ماشين في الشوارع يناجون أنفسهم كمن تخلى عنه الله وهام في الطرقات وقد تخلى عن كل شيء . بغداد التي غنت لها فيروز وتغنى بها الشعراء عاصمة الأحلام من وحيها عرف العالم قصص ألف ليلة وليلة التي بهرت الأفئدة بعوالمها الخيالية الساحرة . بغداد التي قضيت فيها طفولتي وشطرا من شبابي كانت غريبة وأنا غريب عنها . المرأة التي إستدرجتني وأوقعتني في شباكها ونسجت معي قصة حب عشت معها وسهرت الليالي مليئة بالشعر والعذوبة والأحلام اللذيذة أمني النفس باللقاء معها وتحقيق ما حلمنا به معاً هذه المرأة قد خذلتني ونفذ رمحها عميقاً في قلبي . كنت بحاجة إلى رفقة طيبة مع امرأة لطيفة أشعر معها بأن الحياة جميلة وتستحق أن تعاش فعلاً . كلما رأيت عاشقين يسيران متشابكي الأذرع أشعر بوخز في صدري يضيق بي النفس ويعتصرني الألم . فاتني القطار ربما بعد أن غزا الشيب مفرقي لكن لماذا لم يغز الشيب قلبي الذي ظل شاباً رغم كهولة السنين ؟
أذهب إلى شارع أبي نواس أرى النهر مهجوراً حزينا سوى بعض المشردين ومتعاطين المخدرات والكلاب السائبة . شارع أبي نواس بلا عشاق أو شعراء وغادر ليله القمر .
أغذ السير نحو شارع الرشيد أرتطم بمنظر موكب طويل من السيارات الفارهة بنوافذها المظللة لأحد المسؤولين يخترق الشوارع المتهالكة دون أن يكلف نفسه البحث عن حلول لها . هذا المسؤول الكبير يتنعم برغد العيش تاركاً للناس العاديين الدعاء وبركة اللطم وزيارة العتبات المقدسة .
توجهت صوب شارع الرشيد حيث البنايات القديمة المتهالكة والشناشيل على وشك السقوط لا أثر لدور السينما ولا محلات الأزياء الشهيرة وأختفت منه المكتبات العريقة والمقاهي والبارات الأنيقة ليس سوى عربات الباعة المتجولين والقطط المتشردة وبعض المتسكعين يسيرون بلا هدى في شارع يبتلع المارة ويقذفهم في أزقته الضيقة المظلمة يدخلون ولا يخرجون منها حيث الشمس والهواء النظيف .
تطالعني أعمدة الشارع الرمادية القديمة نفسها وعلى الأرصفة باعة الخردة والأشياء العتيقة ومطاعم المشويات .
اللحم المعروض للذباب والغبار لا يعرف الطاعم مصدره لحم عجل أو لحم حمار صغير ذبح في كراج للسيارات . رأيت على الرصيف امرأة تجاوزت الخمسين من عمرها متبرجة بحمرة فاقعة اللون ترفع عقيرتها بالغناء ومن حولها أجتمع الناس ضاحكين ومصفقين وبعضهم لاعنين لها ينتعونها بالساقطة تسكر في وضح النهار .
في أحد مقاهي شارع الرشيد أقيم حفل غناء صاخب حضره جمع غفير من الرجال والنساء على السواء لمحت بينهم بعض السواح الأجانب في حالة مرح جذلين . لم أستطع المكوث طويلا بسبب الصخب والدخان وأصوات الحاضرين كلها تصدح مع المطرب بالغناء .
أخذتني قدماي كالمسحور إلى شارع المتنبي هنا أجد نفسي منتشية كأنني في بيتي وملاعب طفولتي أسير مرحاً تتجول عيناي في غابة الكتب المعروضة على الرصيف . لكن شارع المتنبي ليس كما عهدته صار شارع الدولمة وهي أكلة شعبية لذيذة يحبها أهل العراق وقد غزت شارع الثقافة بغفلة من الزمن . صارت البسطات على مختلف أنواعها تزاحم الكتب وتأخذ مكانها ولا محط لرجل بين المتنزهين الذين لا علاقة لهم بالثقافة والكتب وفقد الشارع العريق هويته وباعة الكتب صاروا يتحسرون على شارع قضوا فيه جل أعمارهم وهاهو يسرق منهم تحت شمس النهار حتى صاروا غرباء فيه بعد أن أمست الكتب هي الأخرى بضاعة مهجورة .
يشكو لي صديق يبيع الكتب منذ زمن طويل بأنه يمر عليه أيام وأسابيع في بعض الأحيان ولم يبع كتابا واحداً في شارع ضاج ومزدحم بالناس المتفرجين وأقترح أن يسمى بشارع الفرجة وأخذ التصاوير بديلاً عن شارع المتنبي . قلت له مازحاً :
⁃ لمن توجه عتابك ؟
⁃ إلى الله وأمانة بغداد هي المسؤولة عن هذه الفوضى لعدم إحترامها الثقافة والكتاب ..
⁃ يتبع …



#علوان_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل يضاجع شجرة
- تأملات رجل حالم
- نزهة في شارع أبي نؤاس
- طاولة فارغة
- قاص يشار له بالبنان
- البائعة الجميلة
- جريمة في منتزه عام
- المواطن السعيد الحظ
- شجرة الأخبار 2
- نشرة الأخبار
- القليل من صبرها
- شجرة الأخبار
- تنقرض العصافير قريبا
- عارية أمام المرآة
- تدمر في ذاكرة سجين
- جامع الفراشات
- بلاد من حجر
- طفل البحر
- صمت وليل
- ليلة الدخلة


المزيد.....




- “شاهد الحقيقة كامله hd”موعد عرض مسلسل المتوحش الحلقة 32 مترج ...
- -سترة العترة-.. مصادر إعلامية تكشف أسباب إنهاء دور الفنانة ا ...
- قصيدة (مصاصين الدم)الاهداء الى الشعب الفلسطينى .الشاعر مدحت ...
- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علوان حسين - متشرداً في بغداد