أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علوان حسين - تدمر في ذاكرة سجين














المزيد.....

تدمر في ذاكرة سجين


علوان حسين

الحوار المتمدن-العدد: 7401 - 2022 / 10 / 14 - 04:35
المحور: الادب والفن
    


الكتابة إنقاذ أم غرق ؟ أتخيل الكتابة مركبا ً والحياة بحرا ً ماذا لو كان في مهب العاصفة ؟
تخيلت نفسي كاتبا ً لم يكتب بعد . لابد من حكاية والحكاية تستدعي حياة ً وتجارب بتفاصيل محبوكة تدهش قارئها . لكني بلا حكاية والحياة التي رافقتني شريكة عمر ليست حياة . الحياة الحقيقية سلبت مني وطواها النسيان . تركتها هناك تتفسخ بين جدران ٍ أربع في معتقل صحراوي يموت فيه الهواء . أستطيع التحدث عن الجدران مثلا ً , كان لي معها ألفة طويلة تستحق أن تـُذكر َ . باب المهجع الأسود بكل قبحه والشقوق التي فيه واللوحات التي رسمها الهواء المشبع بكثافة وروائح تنفس المقيمين وقد كانت تجريدية .
الهواء نفسه حكاية تستحق أن يوصف فيها , أليس هو الآخر سجينا ً معنا ؟ متاع السجين الذي يؤثث المكان بما فيه جسده والإسمنت تحته وشراقة السقف حكاية أخرى . الصوت وصداه ما يصدر عن كائنات السجن المنطوية على نفسها وما يأتينا من خارج المهجع من أصوات ٍ بما فيها الأصوات التي تصدر عن أفراد الشرطة العسكرية وعناصر البلدية . هذه الأصوات تستحق فصلا ً خاصا ً بها .
بقي لدينا الأصوات النادرة التي قد تأتي من الخارج كهبة ٍ سماوية في مناسبات معينة يجود بها الله علينا نصغي برهافة وشوق , بحواس مفتوحة وآذان تنبت في كل عضو ٍ من أجسامنا إلى صوت طفل يلعب أو حمار ٍ ينهق واحيانا ً سقسقة عصافير جاءت لتموت في السجن . إدارة المعتقل لم تسمح لنا بالطبع بإقتناء الكتب فهي ممنوعة بكل أنواعها . كذلك ورق الكتابة والأقلام حرمنا بذلك من تدوين يوميات السجن كنوع من الإنقاذ من الخوف والملل والشعور باليأس والموت البطيء .
الممنوعات كثيرة في السجن بعضها مضحكة كالعطاس مثلا ً أو حتى الضرطة وأنت في المرحاض تكون سببا ً وجيها ً لعقوبة الجلد كما حدث معي مرة ً . كنت أنا في المرحاض وأثنين من رفاق السجن كانوا في الخارج ينتظرون دورهم . خرجت ضرطة أنا داخل المرحاض لم تصدر مني . سمعها الشرطي كان فوقنا يطل برأسه من الشراقة . صرخ من فوق :
_ مين ولا هاذ يللي ضرط ؟
_ مو انا حضرة الرقيب الأول . قال أحد الواقفين
_ مو أنا حضرة الرقيب الأول . قال الرفيق الآخر
لم يبق غيري أنا الذي في المرحاض ولم أفعلها .
_ انا حضرة الرقيب الأول ..
_ وليش ما طلعت من الأول يا أبن الشرموطة ؟
_ كنت باشطف حضرة الرقيب الأول ..
_ تشطف يا شو أنت ولا ؟
_ أنا كلب حضرة الرقيب الأول ..
_ الكلب أنظف منك ولا حقير وأرقى ..
_ انا صرصار حضرة الرقيب أول ..
_ الصرصار محترم لو قارناه معك ولا وبش .
_ انا يلي بتريدو حضرة الرقيب أول ..
_ أنت ولا شي ولا . أنت حثالة ..
_ أنا حثالة حضرة الرقيب أول ..
_ علم نفسك ولا , من يفتح الباب تطلع على الدولاب ولا منيك ..
_ أمرك حضرة الرقيب أول ..
_ حارس مهجع ولا ..
_ حاضر حضرة الرقيب أول ..
_ هذا معلم تطلعو من يفتح الباب ولا ..
_ حاضر حضرة الرقيب أول ..
النوم في النهار ممنوع . الأحلام في تدمر ممنوعة منعا ً باتا ً . أحلام اليقظة في السر , وقت العلن ممنوعة ! التحدث بصوت ٍ عال ٍ أو مسموع ممنوع . المشي داخل المهجع ممنوع . الغناء أو البكاء كلاهما من الممنوعات . التطلع إلى فوق خصوصا ً نحو الشراقة ممنوع الممنوع .
النوم على الظهر أو البطن ممنوع . نوم النهار ممنوع . ممنوع النوم بلا طماشة . الحركة أثناء النوم ممنوعة . التحدث مع أحد وقت النوم ممنوع . الذهاب إلى الدورة إسم المرحاض ليلا ً ممنوع . الحديث مع الشرطي يكون عبر رئيس المهجع ويتطلب إذن . الكلام مع عنصر البلدية ممنوع كذلك الحديث مع الحرس . الصلاة ممنوعة منعا ً باتا ً . قراءة القرآن ممنوعة قطعا ً . لا شطرنج ولا ورق لعب أو اي نوع من وسائل التسلية كلها تعد ممنوعة بحكم قانون معتقل تدمر . الغناء ممنوع . إطلاق النكات بغرض الضحك أو السخرية ممنوعة . أن تصفن كفيلسوف أو حمار , هذه الصفنة تخضع لمزاج الرقيب فهي ممنوعة عند البعض ومسموح بها عند البعض الآخر . وأنت واقف وقت التفقد مغمض العينين , يداك خلف ظهرك ورأسك إلى الأرض لا تعلم كيف تأتيك الرفسة وأين تكون ؟
الركلة على الخصيتين تتلقاها لا تعلم كيف ؟ الكف ينحفر في وجهك والكرباج على رأسك . كل هذا ومطلوب منك أن لا ترتعش مثلا ً أو يصدر منك رد فعل ٍ ما لا إرادي . في لحظات الخوف ممنوع عليك الخوف .



#علوان_حسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جامع الفراشات
- بلاد من حجر
- طفل البحر
- صمت وليل
- ليلة الدخلة
- موت قطة متشردة
- من يكترث ؟
- شاعر تقتله كلماته
- تظاهرة
- الوردة والعصفور
- تلك هي المعجزة
- لماذا صمت الجميع ؟
- غريب في مدينة أليفة 10
- غريب في مدينة أليفة 9
- غريب في مدينة أليفة 8
- غريب في مدينة أليفة 7
- غريب في مدينة أليفة 6
- غريب في مدينة أليفة 5
- غريب في مدينة أليفة 4 صياغة جديدة للقصة نفسها
- غريب في مدينة أليفة 4


المزيد.....




- شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
- مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين
- اتحاد الأدباء يحتفي بشوقي كريم حسن ويروي رحلته من السرد إلى ...
- الناصرية تحتفي بتوثيق الأطوار الغنائية وتستذكر 50 فناناً أسه ...
- زهران بن محمود ممداني.. من صفعة ترامب بفوز -فخر الهند- والنا ...
- من غزة إلى عيتا الشعب.. حين يتحول الألم إلى مسرح
- الممثلة التركية فهريّة أفجين تتألّق بتصميمين عربيين في أبوظب ...
- تعاون جديد بين دمشق وأنقرة عنوانه -اللغة التركية-
- -ليلة السكاكين- للكاتب والمخرج عروة المقداد: تغذية الأسطورة ...
- بابا كريستوفر والعم سام


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علوان حسين - تدمر في ذاكرة سجين