أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام محمد جميل مروة - إخراج قيد عائلي .. و زيح أحمر غائر















المزيد.....

إخراج قيد عائلي .. و زيح أحمر غائر


عصام محمد جميل مروة

الحوار المتمدن-العدد: 7832 - 2023 / 12 / 21 - 17:30
المحور: سيرة ذاتية
    


نعبر سوياً ذاكرتي وأنا على الأمكنة التي كانت مسار جريان على الأقدام عندما كُنا نذهب معاً بحثاً عن آمال وأفق بعيدة نحو مستقبل نريدهُ كفيلاً لتحقيق ما نصبوا إليه . والدي يستعدُ صباح كل يوم بعد إرتشافهِ قهوته السادة ، مع اعداد من اللفافات للسجائر المحلية من صناعة المؤسسة المرخصة لبيع التبغ الرسمي من صنف باب أدنى الإنتاج "" نوع ثاني "" ،
فما كان يقوم به يومياً في بعض الصباحات إذا ما تيسر شيئاً أشبهُ بالبطاريات المشحونة والمغلية عشرات المرات لشحن وتشغيل الراديو وهو كناية عن صِلة وصل بينه وبين كل حديث ومُستحدث لِما يدور خارج السكن في منطقة فقيرة تحت خط الفقر المُدقع محاصرة بالأسمنت والأسوار المحيطة ، حي السلم الذي اصبح ملاذاً آمناً يشبه كل ما يعترينا ويعنينا ، إبتداءً "" بالغرفة - والنصف "" التي كانت تجمعنا وتضمنا .
عشرة أنفار ، فكانت أصوات وضوضاء الأحياء الشعبية كفيلة في ضجيجها المعتاد للذين يذهبون الى المدارس والى الأسواق المكتظة حِراكاً ،
بإتجاهات كثيرة وخيار الموقف الوحيد في بداية الحي للسيارات التي كانت تحفة الناظر لِما عليها من تخلف واضح في الشكل والمضمون والركاب ، كان رواد السيارات العابرة والحاملة للعمال الباحثين عن مقعد على متن سيارة أجرة . لكي ينتقل الى مناطق أشرح وأفسح وأوسع عاصمة البلاء لفضاء لبنان وبيروت التي لا تنام .
الأجمل أوصافاً على ما هي عليه أيام تلك المرحلة .
الغضب الساطع آت ٍ فيروز تُصدِحُ .. كلمات لها قيمة عن الوجع الجارف والألام البليغة ، والضياع وحتى تطال صرخة العداء ضد الإحتلال الصهيوني الغاشم للمدينة الأعتق القدس الشرقية بكنائسها وجوامعها المتجاورة .
هل يمكننا القول على شفير البكاء والهاوية والسقوط لدراسة أحوالنا منذ رحلة الأنتقال من بلدات وقري الحرمان والتقصير للجمهورية اللبنانية في تجاوزها وتناسيها المُعَمدْ لمناطق الجنوب اللبناني.
وإهمال وترك الذي تم إعتبارهِ ساحة صراع وقتال ومجال عمليات فدائية ضد القمع والإحتلال .
كل تلك الملاحظات كانت تَسود عبر الصمت الصباحي او حين الوثوب والتأهب للمغادرة الى المدرسة و العمل .
عندما كان والدي في مراحل الأسفار والترحال المُتعدد الذي لم يتوقف حتى بعد غربتهِ الأخيرة كان خارج الدار . من الزرارية الى مناطق الفقر المدقع في ضواحي دمشق وأحياؤها التي تختزن تاريخ الأمويين وإطلالات عناق الجامع مع ناقوس الكنيسة . كما كان عند نهاية النصف الأخير من عقد الخمسينيات آثر إلا أن يُرافق والده "" جميل "" الى دولة الكويت الحديثة العهد في بحثها عن حاجة أساتذة للغة العربية والأدب والتعليم البدائي . لكنهُ تعثر ولم يُوَّفق فعاد وحيداً مكسور الخاطر الى لبنان والزرارية بعد حادثة وفاجعة حطمت آماله .
فإلتحف تراب الكويت جثمان والده وبقي هناك ودُفِن في مقابر الأرقام ،والحاكمون للوطن ساهون عن ضياع الأبناء والتيهان في رمال الصحاري المتناثرة .
وصارت مدينة صيدا لاحقاً مقراً وممراً يعبره والدي "" محمد جميل مروة - ابو نزار - 1933 - 21 كانوا الاول - ديسمبر -1993 "" . ايامها كانت صيدا شحيحة الفرص في الإقامة والعمل . وإكتمل جهده في البحث عن إقامة لائقة للعائلات اللبنانية المترابطة الأواصر ضمن المعقول والخروج والعثور على مقر دائم وثابت وآمن للعيش الكريم .
فأتت آلام النكسة حزيران 1967 ، بثقلها على النزوح والتشرد والتغريبة اللبنانية المشتركة الفلسطينية التوأمة .
وصلت محصلة تلك المعانات الى محاكات وملامسة علاقة جديدة مع منهة المطابع التي كانت سائدة وربما حديثة العهد للجيل من الشباب الذين يعرفون فنون القراءة والكتابة ، بلا شهادات بلا إفادات تصدر عن معاهد وجامعات تكلفة الحصول عليها محصوراً فقط لدى ابناء الطبقات الميسورة الحال والغنية .
ومؤكداً والدي كان خالى الجيوب بكل تواضع حتى بعدما فُتِشت جيابه بعد حادثة المصعد الحزينة ..
كان في الستين عندما رحل ، وكنتُ في الثلاثين ، ها أنا بعد ثلاثة عقود أتحول من جمرٍ الى رماد وأخذني العُمر وأصبحتُ في ما بعد الستين ، لكن اليقين / اليقين يرتصفُ على جوانب سحر التذكار .
إن والدي كان جديراً بما كان يقول ويعمل ويُحِبُ ويقرأ ويكتب عن احوالنا الخاصة والعامة التي تنقلنا من حالٍ الى أكثر إغراقاً في التعلق لتيهان "" التغريبة "" وإن كانت في أخر مكان وعنوان ، عندما أبحثُ عن فسحة كلام صامت تجدني واقفاً أمام الضريح الذي يلتحفهُ في جبانة وتُرب القرية التي حَنَّ اليها عندما كان ضائعاً ويافعاً ، وبعدما صار شاباً ومن ثم رجلاً تحمل مسؤولية القدر المحتوم والمستقبل المزعوم في سباق العُمر .
ما زلت يا أبي غاضباً مع كمال التواضع ، في النضوج نحو الفكر والحرية ولدوام أحترام قيمة إنسانية خصائص الإنسان ، أتذكر جيداً في صباح يوماً مع بداية ربيع عام 1976 إثناء الحرب الأهلية ، إلتقت المجموعات التي أتجهت الى جنوب لبنان في مخيم للتدريب على القتال والعمل الفدائي ، فكانت كلماتك تدقُ مسامعي حول صعوبة وخشونة الدرب الطويلة ، التي إخترناها معاً !؟ إنطلاقاً من التباين والفارق ما بين العامل ورب العمل صاحب "" كتل رأس المال والرزم "" ، وما بين الإحتلال وما بين مَنْ يُقاوِمُ .
أستحضر يا أبي في الكتابة عن رحيلُك المُبكر والمُفاجأ ،كل الصحف والجرائد والمجلات ، التي تعرفت عليها قبل بلوغي صخب البحث عن متاعب القراءة .
من خلالك تصفحتُ منذُ البواكير الصحف اللبنانية والعربية ومنها ، النهار ، والنداء ، والسفير ، ولسان الحال ، والبيرق ، وبيروت ، واللواء ، والعمل ، والمحرر ، والاحرار ، ومن المجلات ، الحوادث ،و العربي ، والصياد ، والمستقبل ، والهدف ، وفلسطين الثورة ، والحريّة ،ونضال الشعب ، وصباح الخير ، وصوت العدالة ، والبناء ، والانباء ،والموعد ، والشبكة ،
وكانت أحياناً تصلُ دواوين لشعراء وأدباء من مصر وسوريا . يحكون عن طليعة الكادحين ، والثورة .
عبر منبر مؤسسات الصداقة السّوفياتية اللبنانية الفلسطينية الأخذة الى أبعاد ثقافة المعرفة عن الأخر .
وكانت منشورات الحزب الشيوعي اللبناني في مقدمة المعرفة الجريئة الخارجة في نصوصها عن المألوف في مجتمع متعدد الأبحاث والعلوم والثقافة .
كما كان لك حديث دائم عن ايام إقامتك في دمشق التي تركت لديك أثار عملية سحر الترحال من موقع الى مكان اخر ، فحدثتنا عن سيرَّكَ الدائم في أسواق وساحات وميادين وشوارع دمشق باحثاً عن عمل لكن دون جدوىَّ . مقام السيدة زينب ، الغوطة ، ومقاهي ومجالس ضفتى نهر بردى ، وعن حلويات وكعك الشام اللذيذة البرازق الشعبية الشهيرة .
كم من مرة حكيت لنا عن إنتسابك الى وزارة التصميم العام التي تهتم بإصدارات منشورات عن نشاط الحكومة اللبنانية ، وكنت خادم وعامل وميومي وأجير .في المطبعة الخاصة للوزارة ، وكنت دائماً تعمل اكثر من "" 18 - ساعة يومياً "" في مطابع مهمة .
مطبعة العرفان صيدا بوابة الجنوب ، ومن ثم مطابع بيروت وأخرها مقراً ، كانت مطبعة الهدف ، المتواجدة في الخندق الغميق ،مباشرة ومدخلها مهدداً دائماً ومعرضاً للقنص على الخط الأخضر الفاصل ما بين سواتر ترابية ورملية على محاور و مناطق تقسيم المدينة "" شرقية - غربية "" .
كان دائماً ممتعاً في أحاديثه عن صياغة النحو والصرف للمفردات وللجمل التي نستهلكها في شِجارنا وفي حبنا وفي هجرتنا التي كانت بعيدة الى حَد مَنْ كان يصغى اليه عندما يفتح باب الحوار مع "" الترويقة الصباحية اللبنانية المُنقشة زيتاً و زعتراً وسُماقاً .
وكاسات وأكواب من الشاي الساخن الصباحي الدفئ والهوى و المُلفتُ للأنظار الأنية والحاضرة والمستقبلية،
إخراج قيد عائلي .. وزيح أحمر غائر . دائماً أحملهُ ما بين اوراقي الشخصية المتبقية في جوهرها السديمي .

عصام محمد جميل مروة ..
اوسلو في / 21 - كانون الاول - ديسمبر / 2023 / ..



#عصام_محمد_جميل_مروة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قنابل غبية وأذكياء من حِقدٍ متفوق
- سقوط هيكل صهاينة العهد الموعود
- ضمير عربي إسلامي دولي متخبط
- حقائق و أوهام الحرب
- مناخ … وأفخاخ
- هدنة ما قبل التهور المتناقض
- رضيع وطفل وإمرأة و شيخٌ وكوفية و قضية
- لحظة غضب مُستدامة ضدكم
- الحروب والمواجهة مستمرة في غزة
- نُزهة غزة الصهيونية لن تدوم في فلسطين
- اللاسامية يجب أن تفتضح
- إهتزاز صورة الإنسان بعد مقتلة ومذبحة غزة
- القضاء على القضية الفلسطينية والعذر الأجدد حماس
- هل تُريدُها طويلة الأمد يا مجرم الحرب
- إشهاد يا عالم علينا وعلى غزة
- أكاذيب و أضاليل عن طوفان الموتي في غزة
- كرة دم تتدحرج والحكم بلا صافرة
- النحيب علينا -- ليس على أبناء غزة المحاصرة --
- غزة مرآة زهرة المدائن -- القدس العتيقة -- لن تذوب
- سلاحك محطة تُوَّشحُ بالمجدِ المُرصع


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام محمد جميل مروة - إخراج قيد عائلي .. و زيح أحمر غائر