أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - تِيمُورَانَّغْ بَيْنَ فِطْرَةِ بَانْجِي وجَشَعِ جاسنْ















المزيد.....


تِيمُورَانَّغْ بَيْنَ فِطْرَةِ بَانْجِي وجَشَعِ جاسنْ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7332 - 2022 / 8 / 6 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


هل سيأتي حين من الدهر على بلدات مرتفعات الجبال(تيمورانغ)لن تكون شيئا مذكورا.عهدناها أراض تراب أمواه وأفنان ومَرْو وأشجار ذُللت على أهليها قطوفُها دانياتٍ مَرِيئات لا يرون فيها مسغبة ولا ضنكا ولا صرا ولا زمهريرا رغم الإقصاء الطبيعي والبشري المتعمديْن في أكثر الأحوال.لقد ظل الحال هو الحال عبر فترات تاريخية عويصة عاشها الأمازيغي الورايني منتقلا تارة بين الفجاج وسهول لوطا والقمم العاليات وأخرى محاولا ما أمكنه الاستقرار في حِضن ما تبنيه يداه من خيم الشَّعَر وما آعتمدوه من حيطان الأتربة السميكة والحجارة المتراصة الصاعدة إلى أسقف جعلوها من خشب صلب متين مُنَضد.لقد حاولوا ما أمكنهم آستغلال ظروفهم المتاحة من أجل قطع نزيف آلترحال وحماية أنفسهم من غزوات عهود فوضى سِيبا الحروب القبلية في تجمعات عرقية عصبية عائلية عمادها الإكثار من النسل ما أمكن قصد ضمان آستمرار الدم والسلالة وإيجاد قوة ذكورية دفاعية ضد الخصوم وما أكثرهم وعمالة يديوية في ظروف طبيعية وما أقساها لعبَ موت الوباءة فيها دورا خطيرا في الحد من وتيرة التكاثر الطبيعي لفئات عريضة من هذه التجمعات البشرية.لقد آتخذوا، بدافع غريزة البقاء ومكابدة الحياة وفرض الذات من آثار الأمم البائدة، لَبِناتٍ لدورهم، استعملوا حجارتها الزرقاء الداكنة الصلدة رصوا بعضها على بعض في لحمة متينة عجنوا فيها رمال الأودية بالأتربة بخليط آلخشاش.لم يكن الأمر هينا دائما، فقد كان عليهم في أحايين كثيرة قطع مسافات نائية كي يأتوا بشوال أو شوالين في اليوم الواحد مما يناسب بناء المرتفعات.ولم تك النتيجة مضمونة في أغلب الأحيان، فكم مرات خرت أسقفٌ على ساكنيها والأطيانُ المعجنة لم يشتد عود صلابتها بعد؛ غير أنهم آستمروا في وتيرة عيشهم الفطرية السلسة الهادئة يتثاقفون مع الجوار الشبيهين بهم يتعالقون يتواصلون وإياهم عبر التجارة في الأسواق الموزعة عبر كل أيام الأسبوع تقريبا آثنين أهرمومو اِيمَغْرَاوَنْ ثلاثاء زراردا تازرينْ أربعاء خميس سيدي بْراهيم(1)ماعدا جُمُعات جعلوها راحة للأفراد والجماعات يتطهرون فيها يتوضؤون يتطيبون يلبسون أحسن الألبسة يؤمون المساجد يجتمعون فيها يتناقشون يتحاورون في شؤون خاصة أو عامة.إنه يوم آستثنائي آستخلصوه لأنفسهم لعبادتهم لصلة الأرحام لا يجوز فيها السفر أو الخوض في أعمال الضيعات والبيع والشراء.و مذ فتحنا أعيننا على هذه الربوع الفيحاء، ألفنا الأمور تسير على النهج نفسه حيث لم يستطع التدخل الأجنبي البراني تغيير الشيء الكثير في نمط عيش السكان رغم نمط سربيس التجنيد والرحلة والرحيل الذي آنتشر بينهم في آفاق عالمية وصلت فضاءات الألب والطوليان ولاندوشين وبلاد لفرنسيس والألمان، إذ ظل الورايني وراينيَ الدم والطبيعة والسلوك والغريزة دون أن تُبدله المعطيات الخارجية تبديلا كبيرا، فهو هُوَ مُوحَنْدْ فاطْمَا تَشْفا لَحْسَنْ كَنْزَا بوكرينْ عْمَرْ مِيمونْ تامِيمونْتْ تابَنْهَديتْ صْفِيا يُورْ أيُّورْ إيتْري تيتْريتْ رقيا قدورْ قَرْطيطْ رَحُّو تَاحَدُّوتْ حَدًّومْ وُوشَّنْ طَرْطُورْ أزَنْدُورْ زَعْنُونْ تَاغْدَا تايْدَا آزيلِي آليلي تْبُوبْشرْتْ عَيَّادْ تُوزَّالْتْ أَزْدادْ تالفاقيرتْ تلايتماسْ حَمُّو زروالْ أزِيزا وغيرها من المسميات لأبناء التراب من فلاحين رعاة فقهاء حَفظة آيات وسور ومتون تحمل أسماءهم لقب الطبيعة بألوان الفطرة أبَرْشانْ أزيزَا أزُوكاغْ أمَلالْ أَوْرَاغْ(2)..بنبرات لسان الأعالي يصدح يشدو يصيح لم تُزعزعه المتغيرات رغم بدلات العسكر كُسَا(جمع كسوة)كاكي الصيف تْرِيِيي الشتاء وطرابيش إينيفُورْمْ الجديد والقديم قبل الاستقلال وبعده...بَيْدَ أن الأمور بدأت تتسارع وتيرة تأثيرها السلبي على المنطقة وقاطنيها مع الهجرة السكانية الجماعية الكبيرة من القمم إلى تجمعات منحدرات آلسفوح في محاولةٍ للتخفيف من حدة الإقصاء والانخراط في مجالات تكتلية بالجوار، فطفقتْ بلداتٌ أطلق عليها جزافا نعوت"مدن"تنتعش حركاتها آلرعناء بشكل هجين تختلط فيها الأسواق بالحوانيت التجارية ببيع الجملة بالتقسيط بالرعي بالبناء العشوائي المرقع القائم على الاقتراض والتريتات بالمقاهي بالوظيفة العمومية والخصوصية بالرعي بالزراعة بالفلاحة المعاشية بالفيرمات الشاسعة تُقل شاريوهاتُ جرّاراتِها مُياوماتٍ آراملَ مجندين ماتوا بالصحراء، بالباعة المتجولين بأصحاب معاش لانتريت بالآيبين الذاهبين والعابرين بالمنجورة المحفورة بالطرق المزفتة والمتربة المحجرة بالحديد من كل نوع بالحيوانات في كل مكان في فوضى لا هي مدن لا هي أرياف كلوحات سريالية مركبة تركيبا يُشوه الطبيعة الأصل للقبيلة التي شرعت بطرق معوجة منحرفة في التحول من فطرة الجبال إلى هجانة أنماط عيش متداخلة لا أساس لها لا جذور لا ماضي لا حاضر لا مستقبل..الخطورة تكمن في ما سيولد من أجيال تفتح عيونها على هذا الصنف من المعيش اليومي تخاله حقيقة هويتها في غياب الدَّوْر الذي كانت تقوم به الجدات أيما إتقان، مع آنحسار الحماية التي كانت تتكفل بها أحضان الأسر العريقة في رحلات عطل الصيف أين كان الصغار يَجدون الأصول على حالها لا تزال، لكن مع تقدم الزمن وكثرة وفيات المتقدمين والشيوخ، ازداد نزيف اللسان واللغة والتراث والحضارة حتى أمستِ الأجيال المتعاقبة تستهجن تفكير آيت وراين الموروث أبا عن جد ترى فيه تخلفا سمجا لا جدوى منه، بل هو معرّة وسبة ووضاعة في منظورها الجديد..وها هي أعراس بلدات أهرمومو تاهلا والجوار_كمثال لمناسبات الفرح_تغرق في المستورد من كل الأعراق والملل والنِّحَل، وها هي المآتم والجنازات_كمثال لمناسبات القرح_تسيخ في المآدب من مآكل ومشارب من كل صنف ولون، وها هي أوقات آيت وراين قد خلتْ وآنفضَّ شغلُها ورحنا نجتمع في مقاهي نغطس في أدخنة الأفيون نلعب القمار بفلوس الصغار نتابع ملهوفين والصرع يفتك بعقولنا مشاريع مقاولات خارجية أونتروبريز تُحَرَّكُ دواليبُها من بعيد عبر الساتل تحت غطاء الرياضة وما شابه في غفلة عارمة شاملة عما يُحاك لمناطق الشعاب من خطط ترمي آستغلالها الثروات الطبيعية أبشع آستغلال بشعارات آستثمارات تنموية بشرية مزعومة، راح الغزو البراني لِ(تِيمُورَانَّغْ/أراضينا)يستحث خطاه زاحفا يتلصص سرا جهارا منذ زمن، وهاهي مشاريعهم تأتي من وقت لوقت ببعض المؤشرات غير السارة، فالغابات يُسْتَنْزَفُ أرْزُ بويبلانها وسنديان براريها وأمواهُ بُحيرات سفوحها الفيحاء في باب لوطا من خيرات رُحِّلَ آيتْ مْشُودْ(3)فُرِّقُوا وُزِّعُوا في الانحاء بعد عقود قضوها في العيش الكريم في جنة خالوها تدوم، وبلدة(كوان)أضحتْ قاب قوسين أو أدنى من أعين المستثمرين وأشباههم بآسم السياحة والثقافة وآنتشال الساكنة من عزلتها، تروح قوافلهم هادرة واطئة البلد وما حَوَى تمسح المكان بخرائط طوبوغرافية يَرومون عزل محمية للحيوان عن الإنسان خدمة للتنوع البيئي _كذلك زعموا!؟_مع إدماج الأهالي في الطبيعة المحيطة بهم كأنهم لما حلوا وجدوهم منفصلين عنها. والمضحك والمثير للاشمئزاز والشفقة والقرف، أن تجد شباب بلداتنا الهجينة أو القادمين من الأصقاع البعيدة يصعدون ربواتهم المنسيةينتشرون في شكل ثنائيات كوبل أفلام هندية أو زرافات يتسترون في الغابات يكرعون ما يكرعون من كحول وحشيش ثم يلقون نفايات علب الصفيح وقرورات الزجاج في طبيعة فطرية تلوثها أيد عابثة بلا وعي أو بإحساس بارد فقد الصلة بالأصول والجذور والعروق التي كانت حامية أصيلة ذات يوم تنبض بالدماء الطافحة...
في رواية(الصخب والعنف)لويليام فوكنر، وَصْفٌ مكثف لتَحول شبيه بما قلناه تعيشه بلدة من بلدات الجنوب الامريكي نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين.تَحولٌ بموجبه تم الانتقال من الطبيعة إلى المَكننة، من النمط الفلاحي الزراعي إلى التجاري الصناعي، من التقليد الذي دأب على عيشه الأهالي لمدد من العقود ورثوا طريقة تداولها عن أسلافهم الذين آستوطنوا الارض عمروها على حساب سكانها الاصليين_وتلك حكاية أخرى_ ..هذا التحول لم يمر دون هزات آرتدادية آنعكس أثرها السلبي على جل الشخوص في الرواية مما جعلنا في نهاية المطاف أمام عالم ينهار مقابل عالم آخر نقيض له تماما يقوم على أنقاض سابقه غير مبال بكسر وتيرة التاريخ وبَترها وقطع أوصال العروق التي تربط الحياة بنظيرتها الحياة..ما يهم في العالم القادم هو الأنا في آنفصالها عن الأنااات الأخر العايشة في زمن آخر أو المتشبتة بزمن يَسيرُ التؤدة على مهل يربط الأسباب بالنتائج يعقلنها بطريقة تتشبت بنمط الحياة المعيش لا تتجاوزه ولا تمارس القطيعة وإياه، الشيء الذي لا يستسيغه طالبو التحول الجذري المقتحمون المتوغلون الماسكون بزمام سلطة المال الذي يلد المال ولا شيء غير المال في محاولة خلق مقاولات صناعية تحويلية تستثمر خيرات الأرض تُحَوِّلها الى منتوجات تدر الربح لصالح رب المشروع صاحب الأونتروبريز وحده على حساب التراب والارض والبشر.لم تعد للسيد(جاسن) ذاكرة.لقد محاها من قلبه.الماضي القريب والبعيد والأبعد في خبر مضحك لا يثير سوى الاشمئزاز والشفقة؛لذا، يجب الإصرار على قتله وتجاوز تبعاته..الوالد رب العائلة الذي يمثل الماضي بقايا كيان مخمور غارق بين لفافات كنانشه العتيقة يَقْعَى كذئب عجوز خرف لا جدوى من عوائه بعد أن فقد قوة جأشه وتساقطت أضراسه وأنيابه تباعا وسَحب منه الابن كل ما كان يتباهى به في حياة الرغد وهناءة أقنان الجنوب قبل أن يغزو جيشُ الشمال أطيانَ القطن ويستولي على خيرات الجنوبيين بآسم التحديث والتجديد.الأم منهكة مريضة دائبة الشكوى والتبرم غير المجدييْن تعيش عزلتها الأخيرة هي الأخرى في آنتظار قدرها المحتوم..وحده(بنجامين) المعروف ب (بانجي)مَن ظل متمسكا بصلابة فطرته التي جُبل عليها يقاوم المسوخ الجديدة في العائلة والجوار بمزيد من الإصرار في التشبت بالطبيعة كما هي في جوهرها، كما كانت من قبل كما عرفها وهو بعد طفل صغير. لقد أراد أن يعيش طفولته التي لا تكبر لا تتحول لا تتغير، فما الضير في ذلك..قد يجيب مجيب..لا ضير..لكن، متى كان هذا النزوع مشاكسة للنمط الجديد في العيش، فإنه يغدو مقاومةً، رفضًا، بل تمردا في وجه خطيْ طريق الصفيح والنار الهادريْن في صخب لا يعرفان الا اتجاها واحدا..الى الامام..دائما وأبدا..والويل كل الويل لمن يقف في قارعة الطريق الجديدة أو يروم تحويل مسار سكة الحديد التي تغزو الجنوب والغرب وكل الاتجاهات سيان مادامت هدفا لمزيد من الربح المادي الذي يتناسل يتضاعف كلما قوي جشع الطامعين.بالنسبة ل(بنجامين بانجي)، الأمر لا علاقة له بأي رفض كيفما كان، لأنه ببساطة لا يعي معنى الرفض، لا يعي معنى المقاومة أو المهادنة.عقله عَجينة عجنتها السليقة لم يَتَسَنَّ لها أن تطهوها التجارب بشتى تلاوين أقدارها.لم تُعركه حياة. بقي على حال عُقيْلِ طفلٍ صغير بالكاد يفقه مجمل التواصلات التي يتواصل بها معه أقاربُه في حدودها الدنيا. بيد أن له رغم كل ذلك إحساس قوي بالأشياء التي يعيشها.لقد ظل ضمن محتوياتها في كينونة طبيعتها الأولى كيف خلقت بقيت عاشت ثم ماتت لتعود من جديد.لا شيء يفسد صفو الإكسير الساري في العروق.. الشجرة شجرة بجذورها وجذوعها وتقاسيم أفنانها وبقلة مروج الأودية بقلة خضراء لينة يانعة مُنداة بقطيرات غبش الصباح.والتلال شقيقات الجبال وأتربة البراري الدكناء قانية في فجاجها وسفوحها ماتزال تخضبها خربشات وُريقات الخريف المتساقطة من أفنان الداليات وضفائر الحور وأعراش العواسج.استغرق في لحظة البداية (بانجي)يمسك بتلابيبها كرضيع يشاغب الفطام مشاغبة خالية من فعل الإرادة من فعل الوعي والإدراك.هي مناورة الطبيعة للطبيعة.إنها أشياء تحدث وكفى دون مرجعية دون خلفية دون إعمال فكر نظري دون وعي مسبق دون تحليل دون برمجة دون تخطيط دون زمن سابق عن اللحظة التي تعاش وتحدث فيها التفاعلات المحسوسة..(بانجي)يتحرك لأنه يتحرك.(بانجي)يشم فيتذكر الحوادث عبر المشموات يصغي فتتداعى مصغيات أخر تعشعش الشغاف لا تبرحها.إنه يحس لأنه يحس..(بانجي)يفعل كيت وكيت من الأفعال لأنه يغعلها مُعراة من زمن خلا من زمن التسويفات من زمن الإرجاء.وحده الإطلاق يحضر بكثافة في لحظة الفعل الآنية.وعندما تُحَس السلوكات بإحساس(بانجي)، فإنها تغدو طبيعة في الطبيعة.(بانجي)شجرة إذ يتسلق الشجرة.(بانجي)يسكن حوصلة العصافير عندما تلقم مناقرَها يداه حبات من حدب لا ينتهي.(بانجي)قطرة في جدول رقراق لما يغطس في اللجج هامته لا يخرجها الا ليعيدها من جديد صارخا صرخته المدوية في وجه وجود أعرج أصم..هااا هووه هيييه..ضاحكا غير عابئ بما يمكن ان يكون او لا يكون..(بانجي)ظل رغم تغير الناس وتشعب حياتهم من حوله صخبا في الصخب، عنفا في عنف الطبيعة التي تنعش نفسها عن طريق تلويناتها المعهودة.(بانجي)جزء من تشكلات مهصورة بكيمياء النشوء الأول، الكينونة الأولى ماء تراب نار هواء وتبدأ الحياة في الحياة...مع(جاسن)الأمر مختلف تماما إلى درجة النقيض المعاكس لكل خلجات شقيقه الذي آستغرقته طفولة البدء الأول لم يتزحزح قيد أنملة عنها.(جاسن)تحرك في الزمن عبر الزمن.انفصل عن الطبيعة. أضحى في إحدى لحظاته الآنية مشروعا يقتل زمنا ليبني زمنا جديدا.يُفني بَناتِ الطبيعة يحول جوهرها عبر التصنيع يمسخها أشياء جامدة معلبة قابلة للاستهلاك والاقتناء والبيع والشراء.لا مجال لعاطفة في عالم المكننة الجديد.لا مجال للسليقة أو الانسانية او الأحاسيس..والمدعوة"طبيعة"تكمن أهميتها في ثمن كائناتها لا غير.لقد أمست منتوجا يُنتج، بالأرقام تُثمَّن الثمار.لا وقت للشعور بمسام الظلال.قيمة الشيء تكمن في ثمنه.لذا، تُـنْحَرُ الأشجار والكائنات بآلات المصانع من أجل مزيد من الأموال التي تنتج الأموال.إنه عندما يغرس فسيلة على أنقاض جذور في الأتربة لاتزال، لا يفعل ذلك على جِبِلَّة هواجس بانجي، بل على طريقة مَنْ يُسَمن العجلان يُحَضرها للنحر من أجل تزويد شركات صناعة اللحوم بمزيد من الدسم وجيوبه الجائعة تلهث لمزيد من النقد. لقد قتل(جاسن)فيما قتل وهو في ذروة مشروعه الصناعي التجاري، أباه أمه ونمط العيش القديم والعواطف كلها التي يمكن أن تذكره بالانسان الساكن فيه ليل نهار.لقد تخلص من ماضيه وحَوَّل الحاضر الى أفقٍ آتٍ عامرٍ بآلات عَقورة تصنع مزيدا من العملات لا شيء غير العملات.ولما تيقن من تفوقه المفلقِ، لاحظ وجود الأهوك (بانجي)بالجوار يُذكره بنجيع دماء أسْرة(آل كمبسن)ونمط عيشها العتيق، بالمشترك الطبيعي بينهما؛ةلذا كان عليه أن يفعل فعلته الشنيعة قصد القطع الصارم الحاد مع الأصول وما يَمُتُّ إليها من صلات.وبكل بساطة، عمد إلى شقيقه الصغير فآستأصل طبيعتَه..أخصاااااه..!!..وفِعْلُ الإخصاء هنا له دلالته الرمزية.لم يقتل(جاسن) (بانجي)؛ وبل فعل الأدهى والأنكى..لقد أوقف سلالته من الاستمرار..الطبيعة موجودة لكن إحدى سمات فطرتها الأولى آنقرضت بفعل رمزية الإخصاء هذه التي حبست مسار حياة الأبله(بانجي)في نقطة اللاَّ أمام.لقد تم قتله بتجفيف منابع عروقه الحيوية.لا مستقبل له بعد الآن.واللحظة المعيشة كَفَّتْ أن تُعاش.(جاسن)رأى فيه خطورة تهدد آستمرار آستثماراته في ما سيقبل من الازمنة، ففعل ما فعل بعقل وارادة وتخطيط..ففي غمار حمى آقتلاع مكنونات الطبيعة من جذورها وتحويلها الى بضاعة مثمنة بثمن معين في سوق العرض والطلب، ألفى التاجرُ(جاسن)صاحبُ المقاولة الطفلَ(بانجي)طفلا ما يزال لم يتبدل عن طبيعته الأولى.وإذ ظل على تلك الحال لا يتغير من الداخل كان لا بد من تغييره من الخارج عن طريق بتر رمزية الاستمرار في الزمن وعبره.لقد تحكم المال في كل شيء واضعا نقطة العدم لعالم لم يعد قائما، عالم يغرق في وراء الوراء يتلاشى بلا حراك تاركا المجال مرغَما لعالم آخر يصخب ينسلخ من الطبيعة يتحكم في أنساغها يحولها الى رزنامة من المواعيد والأرقام في مشاريع مالية باردة الإحساس تنجز على أرض الواقع ويخطط لإنجازها كل لحظة وحين..أثناء ذلك، استسلم(كوينتان)الأخ الآخر للشقيقين، لفكرة الانسحاب من الساحة من المعركة من المواجهة وقرر هو المثقف حد النخاع صراعا آخر آختاره بدل مواجهة الواقع مستنفذا زمنه القصير المشتت الموروث عن أبيه الذي أهداه تلك الساعة النحس في مصارعة فكرة الزمن على طريقة مقارعة دون كيشوت لطواحين الهواء الوهمية فاسحا المجال ل(جاسن)يفعل فعلته في فطرة(بانجي)والعائلة الصغيرة، حتى اﻷخت لم يأبه أحد لمصيرها الذي جرفه التيار الجديد بعد أن آستسلمت لفتنة الإغواء، فأمست هي الأخرى مومسا بضاعة في سوق نخاسة البائعين المشترين في حياة المال ولا شيء غير المال...ونتيجة لمثل هذا الوضع المتشنج، كان لابد أن يقع ما ليس منه بد..فتحولت العائلة العريقة من أسرة تنتظر الزوال إلى كتل آدمية تحتضر غارقة في فنائها المحتوم، فإذا كان مصير(بانجي)متوقعا بعد وفاة الأبوين حيث زَج به(جاسن)في مشفى الحمقى والمعتوهين،فإن مصير البقية الباقية لم يسلم من تبعات عاصفة التغيير القاتلة التي هلكت الجميع في نهاية المطاف...
إن المتأمل في مسارنا المعيشي في بلدات تيمورانغ يلاحظ هذه النزوعات تظهر هنا هناك بمظهر أو بآخر، حيث يمكن مع شيء من الأناة آختزال توصيف لتجليات مصائرنا في حياة بلداتنا عن طريق معاينة سمات سلوكية جمعية أو فردية قد نمارسها بوعي منا أو بغير وعي، من شأن ملاحظتها مساعدتنا في آستوعاب ما حدث ويحدث في شكل مؤشرات رامزة دالة..فأين تراه بنجينا ذاك الطفل السليقي الذي كان يسكننا.أين براؤتنا وطبيعتنا الأولى..أين زمن الولادة والحلم المَوْؤودان..زمن شفافية المعيش كي لا أقول شفافية الأحلام.أينهم رعاة الجبال الذين ظلوا على حالتهم الفطرية طيلة حيواتهم..أين المجذوبون المصابون بالفصام آكلو الجمار جوابو الآفاق الهائمون على وجوههم السائحون التائهون ومَن سار على دربهم في ملكوت الكائن الأول أين أين..كلهم رحلوا..أو رُحِّلوا لأنهم شكلوا نغمة النشاز في تغريد الجماعة المتحولون، فوُسِمُوا بالعته أو البله وعوملوا معاملة الإقصاء والعزل في معازل أقبية(تيسِي)وخزين المؤن ألقي بهم بين ركام ما فضل من متاع بعيدا عن أعين الرائين وملاحظة الملاحظين.على هامش الحياة رُموا على شاكلة مجانين(ميشيل فوكو)العصور الوسطى يخبط بعضهم بعضا في سفينتهم الهائمة المتخبطة بين الامواح بلا هُدىً بلا هداية..المعادلة صعبة واضحة يا سادة..مَن رام النجاة، عليه إخصاء الطفل المعتوه المدثر تحت عباءة الرجولة..كي تصبح رجلا في الازمنة المتحولة، عليك أن تتطهر من براثن درن البدايات.."الحجام عار عليك آوليدي بين يديك"(4)..تشدو الأمهات باكيات وهن يلقين فلذاتهن بين افخاذ حجام لا يرحم.انه يقطع يبتر يفصل ما لم يستطع حسمه الفطام.آهْيَا لواشون ايتْ لعقل نْوَنْ/تعقلوا يا صغار..وأن يعقلن الاطفال سلوكاتهم يعني فيما يعنيه ربط نزوعها العاطفي بجدية النضج الذي سن قواعده الكبار ولأجل ذلك شيدت الكتاتيب ولَبِنات المدارس لتحسم في أمر المعقول الذي يجب ان تربى عليه الطفولة بطريقة أمتن وصرامة أكبر من ما تم انجازه مع الفطام والختان، ويترك للفقيه الطالب المشارط كل الصلاحيات لإتمام المهمة في أحسن الظروف..آوَّاااتْ غَرْسَاسْ نَتْشْ آدازيغْ اضرب اذبح سأكمل مهمة السلخ..وكي تمر الأمور بسلام وسلاسة، ما على الطفل إلا أن يعمد الى دفن طفولته ويلبس لبوس الكبار، يُجلسوه وإياهم في اللمات والمجامع والجُمعات وغير الجمعات ينتهج نهجهم يقرأ وإياهم النصوص الملغزة المستعصية على الافهام، إنه مشروع فقيه معلم مربي حافظ لستين حزب كاملة"دالطالب يَسُّوفَغْ سَّلْكَا نَّسْ يَدْوَلْ دالفقيه"..في آنتظار أن يغدو عالما يُشرف البلدة والجوار.يتطلب تحقيق هذه الغاية بذل مجهودات كبرى، ولكل مجتهد نصيب..هذا أكيد..لكن الامر الاكثر تاكيدا هو اننا أثناء هذه المكابدة من أجل ترسيخ العقل والتعقل والمعقول والعقلانية نكون قد دققنا آخر مسمار في نعش الطفل الثاوي فينا ليل نهار تاركين المجال ل(جاسن)وأشباهه يفعلون ما بدا لهم دون ممانعة تذكر من قِبلنا..بعنا أتربتنا ثمارنا أغراسنا وعصافيرنا والفَراشات وظلال أشجار السلف وجلسات ناغيات هادئات في حِضن الأمومة بدَرَاهِمَ معدودات أودعها الجشع المعقلن الأفران والحمامات..وثالثة الأثافي أن المقصلة يضغط على شفرتها آبن البلد يهوي بها على رؤوس العباد المغلوب على أمرهم، أوَ لَمْ يكن(جاسن)أخًا ل(بانجي)و(كونتان)،آبنا لأب وأم ساهم في تهميشهما بطريقة أو أخرى لتصفو له الطريق يفعل فعلته التي تعلمون، أقصد مشروعه الصناعي التجاري العظيم يُحول به البلدة من الطبيعة الى المال الذي بدون رأس في فضاء تنافسي تقاتلي القوي يأكل الضعيف فيه بلا أدنى رحمة أو شفقة.إنها بشائر الشؤم القادمة في بلدات الأعالي تسود المسالك تمهدها لرأسمالية متوحشة التي فعلت ما فعلت في مستعمرات الهنود وبلاد الأفريق وها هي تعاود كرتها اللعينة مرة أخرى في أرض الأمازيغ.. اليوم ابن البلد يعق بلدته يقطف غلالها وحده يضعها في جيب بناطيله التي بلا قلب يحس.يورث سلالته برودة الانتماء الى مجال حيوي يحدد الهوية ويرسم معالمها المميزة، حتى إذا حل الأجنبي البراني غدا يكمل المهمة بإتقان المخربين المبدعين المتقنين لعملية التدمير..ألسنا نرى بصمات مدن ملح التي حذر من ويلاتها مُنيفنا الراحل كهاجوج وماجوج من كل حدب ينسلون في إيفران ومدن الجوار هُجِّرَ أمازيُغها إلى أقاصي الأقاصي بعد أن آستولت المستعمرات السياحية على أُمَّاتِ الأتربة وحجارة المرو وخيرات غراس الأرز وأمواه الجبال.لقد آستولى المال الذي بدون رأس على كل شيء.وها هو يغزو يدنو يقترب من شعابنا بعد أن باض بيضه القميء في ربوع الأطلس المتوسط والكبير والصغير.لقد أمسى أمرا عاديا أن تصادفهم الآن يجولون في مشارفنا يُسَوِّدون الخرائط يضعون الخطط تقلهم طائرات الهليكوبتر وسيارت رباعية الدفع وعينهم على الفجاج والشعاب والسفوح والبطاح وصافنات الجبال..لقد تسنى ذلك بكل سهولة وبمباركة من جهلنا وغفلتنا وتقاعسنا وتركنا شدائد أمورنا يعيث فيها من هب ودب بحسن نيتنا آتجاه الأقارب الأقربين والأجانب الأبعدين، واليوم وغدا على مَنْ الدور الله يحضر السلامة...

_إحالات:
●"بانجي"و"جاسن"شخصيتان رئيستان في رواية(الصخب والعنف)لوليام فولكنر

(1)أسماء بلدات في منطقة(آيت وراين) الأمازيغية بمقدمة الاطلس المتوسط بالمغرب.
(2)أبَرْشانْ:اللون الاسود
أزيزَا:الأخضر
أزُوكاغْ:الأحمر
أمَلالْ:الأبيض
أَوْرَاغْ:الأصفر
(3)باب لوطا/كوان:منطقتان في قبيلة آيت وراين
آيتْ مْشُودْ:نطق أمازيغي لاسم قبيلة عربية، الأصل في نطقها(بَني مكود)
(4)"الحجامْ عار عليك آوليدي بين يديك"..أهزوجة ترددها الامهات أثناء ختان أبنائهن



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثُمّ يَقُولُ آلْعَاثرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ صَوَابَا
- تَتَّوفْتْ/مَمْسُوسَة
- ولاداتٌ في سماوات زرقاء يعج في أكبادها الخواء
- العالم الذي هناك..(بخصوص فيلم:-vivre sa vie-لجون لوك غودار)
- فِي آلْعَاشِرةِ أَوْ يَزِيدُ
- لِطَنْجَةَ غَوْرٌ أحِنُّ إلَيْهِ
- هَا أَنَذَا !!
- بَلْدَاتُ أعْمَاقِ آلْعِنَادِ
- ثُمَّ تَنْسَحِبُ ...
- مُطْلَقُ آلجنون وكفى
- مُطاردة
- غِياب
- مُولايْ عَبقادرْ جيلالي تَزَكَّا
- شُمُوسٌ سُود
- أُوَار...(قصة)
- ضرورة آلثقافة
- رَجُلٌ يَنَامُ
- حُلْمٌ بَارِد
- عِيدٌ لَا يشبه باقي آلأعياد
- زُرْقَةٌ لَا تُطَاقُ ...


المزيد.....




- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - تِيمُورَانَّغْ بَيْنَ فِطْرَةِ بَانْجِي وجَشَعِ جاسنْ