أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - مُطْلَقُ آلجنون وكفى















المزيد.....

مُطْلَقُ آلجنون وكفى


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7324 - 2022 / 7 / 29 - 19:21
المحور: الادب والفن
    


في البدْء كان التأمل في الوجود دَيْدَنُ الانسان في الوجود؛ وبينما هو يتأمل خَطرَتْ له خواطر نقشها على الحجر.ثم فكر وقَدّرَ فرسَمَ هواجسَه ومخاوفه وأحلامه على الصخر، على الشجر..ثم تعمَّقَ فِكرُه وآستقر لحظة، فكان الحَرفُ كانتِ الكتابةُ وبدأتِ الأساطيرُ ترسم لواعجَ الانسان وكوابيسَه الهُلاميةَ الغرائبيةَ ثم أتى حِينٌ من الدهر على العقلِ نَظّمَ فيه الأشياءَ في نسق في منطق في منهج ما، فكان المَخَاضُ.. وُلِدَتِ الفلسفةُ لتَكُونَ أمّ العلوم كلها التي سَيولدُ من رحمها الجميعُ..احتوتِ الآداب والحكمةَ وفنون الحساب..و..الانسانُ كان في حِضْنِها يَرْفُلُ يتعلّم يتخاطرُ، ثم تطورتِ الأمورُ مع العصور كحكاية عشق أزلية لعائلة كانت مُوَحّدَةً مجموعةَ الشمل، وبدأ أعضاؤها ينتشرون في بقاع الأرْضين باحِثين عن هُويات جديدة فارقة مُميزة، لذلك وإنْ استقلتْ مَعارفُ الانسان عن الفلسفة الأم فإننا نجدُ رائحةَ إكسير حَليب هذه الأم في أنساغ وأمشاج وحَنَايَا كل فن وعلم وأدب.
النص الفلسفي نص نسقي، العقل والفكر والجدل والمنطق مرتكزات أساسية فيه بينما الأدب نسقه في لغته الخاصة، هُويتُه في صُوَره الشعرية في عواطف الانفعال في انزياحاته عن لغة التواصل العادي، في"خلقه"عوالمَ مُوازية قد تدنو أو تبعد عن عالم الواقع الأحادي..عوالم الأدب لا تكون بالضرورة واقعيةً، بل إن اللاواقع في كثير من الأحيان يحضر في رحاب الشعر والنثر بشكل لافت..الأدب يخرق الواقع لا يُعيد إنتاجه..الأدب قد يعبر عن وقائع عادية، لكن بلغة وطريقة غير عادية كما آلأحلامُ تُرَكِّبُ شِيمْيائيَّتُها بين جَناحيْ طائر وهيكل سيارة بشكل لا يُوجدُ في الحياة العادية(سيارة تطير)..إنه تركيب جديد يَخلقُ شكلا جديدا لا نَراهُ إلا في عالم شفافية الأحلام..من هنا تتشكل عجائبية الحلم التي نتوق إليها جميعا ونرنو الى أفيائها الريانة الحادبة متفائلين متناغمين مع أجوائها الفيحاء حتى في أحلك الأحلام كابوسيةً..الحلم إعادة توازن للكيان المنهار فينا ليل نهار..والأدب بالخيال الذي يشكل هويته واللغة الشعرية التي تصيغُ صُورَهُ يعمدُ ويقصدُ النتيجةَ نفسَها....
إن النشاط الفلسفي بفعاليته الفردية والجماعية يعتمد أساسا على السؤال المَنهجي في نوع من التنظيم النسقي كطرح الأطروحة ونقيضها ثم التركيب بطريقة تُبْعِدُ آلعواطفَ عن مجالات آشتغاله، أما نشاط الأدب فالعاطفة هي مُبْتَدؤُه ومُنتهاه..إنها عوالمه ومجالاته بها يعيش بها يرقى بها يسمو بها سيموت بها يعانق الخلود...لكل اذن فضاءاته الخاصة، ومساحة"اللعب"متروكة لكل منهما يَرْتَعَان فيها يلهوان يمرحان، ولهما في خصوصيتهما حرية التصرف وآلاِختيار دون ندم على هذا الاختيار.قد يتعالقان يمتزجان يختلطان، لا مُحاجَّةَ في ذلك، لا آلتباس، فكلاهما إنتاجُ عَقْلٍ وقلب وعاطفة، إنتاج كينونة كائن مركب يُسَمّى:إنسانا...
إن الفلسفةَ تُفكر في وضعية مناهج العلوم، في المنطق الذي تقوم عليه، وفي شروط إنتاج المعارف الانسانية؛ من هنا يمكن أن تشغل الفلسفة نفسها بالأدب عندما تتحدثُ عن الشعر والمسرح والفنون وتضبط بالتوصيف والتنظيم مناهج الأدب كقواعد اللسانيات، وأسس الانتروبولوجيا، ومبادئ علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ؛ مما يَدْخُلُ عادةً في خانة العلوم الإنسانية، فنلفي الفيلسوفَ والأديبَ يتجاوران يَلْتَقِيَانِ في غالب الأحيان، ذلك أن الفيلسوفَ يواجه بالضرورة مُشكلات أدبية كما يواجه الأديبُ بالضرورة عوالمَ فلسفية فيُمارس خواطرَه بشكل أدبي غير نَسقي، ولعلنا نجد أمثلة لفلاسفة أدباء وأدباء فلاسفة كَرَهِينِ المحبسيْن وصاحب الإمتاع والمؤانسة وناظم لخولة أطلال ببرقة تهمد وابن الرومي والنواسي الشاعر الفيلسوف الفقيه الإنسان وعمر الخيام والمتنبي وأرسطو وسوفوكليس وهوميروس وجاحظ البيان وفولتير وبليز باسكال والمتصوفة الشعراء والشعراء الوجوديون والمتصوفة الملحدون والمؤمنون،جوته هيجو،فرونسوا مُورياك سارتر، كامو، باشلار، هيدجر، باروخ سبينوزا، شوبنهاور، فرانز كافكا، غوغول، دوستويفسكي، تولستوي، تشيخوف، "إدغار ألان بُو" هنري بيل ستاندال، وبروست في بحثه عن"مارسيل"في الزمن الضائع، توماس مان ومخبولي الجبل السحري، وذئبُ وهادِ هرمان هيسه، مُنيف، محفوظ في أولاد حارته وخطرات هكذا تكلم زاردشت وآخرون..
إن الانسان بفطرته كائن يطرح الإشكالات وكل إشكال بسؤال وكل سؤال يُوَلِّدُ دهشةً كدهشةِ الميلاد، وكل ميلاد مخاض، وكل مخاض هواجس آلام ومواجع، ولكل وَجَع بلسمٌ، ولكل بلسم ولكل لذة حياة، ولكل حياة موت، ولكل موت ميتافيزيقا ما وراء الغياب، ولكل غياب بحثٌ في ماهية الغيب والمُغَيَّبين، ولكل ماهية مصير، ولكل مصير قَدَرٌ، ولكل قَدَرٍ مَوعد، ولكل موعد مكان ولكل مكان شروط، ولكل شروط عناصر، ولكل عناصر علاقات، ولكل علاقة اختيار ولكل اختيار حرية دون نَدم...و..هكذا دواليكَ مِن متاهات تطرد لا تنتهي الا لتبتدئ من جديد..دون نَدم..
لكل خطاب،اذن،ضوابطه و"قوانينه"وعناصره الدقيقة أو البادية للعيان وميكانيزماته وخصائصُه الداخلية، وما علينا الا العناية بأسس الخطاب الانساني من أجل تشخيص الخطاب الأدبي والتمييز بينه وبين الخطاب الفلسفي بشكل يحاول أنْ يكون موضوعيا...
أما الرُّواءُ وآلدهشة والفَرادة، في رأيي المائل دائما إلى آلمجانين وآلجنون الساكن فينا ليل نهار..الرواء كلهِ، يكمن في زُلال الانزياحات التي تُخْلَقُ في كينونة اللغة في رحم الفكر في حِضن المخيلة في رحابة الواقع بطريقة تُمكن من التحليق بعيدا في الأجواء عن جاذبية البيولوجيا المقيتة والفيزياء الثقيلة، بعيدا عن وطأة الكون المادي اللاصق الغارق في المادة اللازبة القابع في أغلال واقع ساقط مُنهار..إن حَنينَ الانسان الى التحليق والطيران والسباحة في مَلكوت الكون دون حسيب أو رقيب لَهَوَ حُلْمه الأزلي مذ وُجِدت كينونته الاولى في رحم الأمومة، سابحا كان في أمشاج الاحتواء، بل قبل ذلك إذْ هو خلية في بَدَنٍ أو ذرة من الذرات كانت تهيم في فضاءات رحيبة غير محدودة؛ لذا نجد الانسانَ العالمَ والفيلسوفَ المُفكرَ وغيرها من الذوات التي تُكْثِر من آستعمال العقل وتدعو الى التعقل، نجدها في حاجة ماسة كل لحظة من لحظات مُمارسة العقل الدؤوبة الى استراحة محارب يضع العقل فيها أوزار تبعات الضبط والرصانة بحثا عن شفافية ناعمة ورشاقة رائقة تفك قيود العواطف المُكَبَّلَة تزيح الأغلال عن الحنايا لتُعَبر عن مهامهها بمروق وعنف وعنفوان دون وسائط أو وصايا يفرضها عَقْلٌ يملك _للأسف_من الحَصَافَة الشيء الكثير، الى درجة تجعله يفسد مجمل الحياة، فالشعور والاحساس مناطق وجدانية أبدا ليستْ من مَجالاته لا هو يعرف لها سبيلا، لا تتلاءم وغروره المنطقي، حتى أن ابن مُقفعِ فرنسا جون دو لافونتين Jean de La Fontaine طفقَ في تهكماته الساخرة يتفكه من نرجسةِ فلسفةٍ ترنو الى الأعالي بعقل/دماغ مسكين حُكِمَ عليه بسجن مؤبد في أصفاد العقل/الربط..وما العقل في نهاية المطاف الا ذاك الرباط الذي يوثقُ الفكرَ يُقيدُه..يقول"لافونتين":

Je suis oiseau:voyez mes ailes
Je suis souris, vivent les rats
أنا طائر تأملوا هذي أجنحتي
أنا جرذ ولتحيا الجرذان

لقد أورد(رولان بارث)هذيْن البيتيْن للاستدلال على سيزيفية البحث الفلسفي، فالفلسفة إذْ تزْعم لنفسها القدرة على الاحاطة من عَلٍ بكل تفاصيل الحياة، سرعان ما تسقط مَهيضة الجناح لا حول لها لا قوة عاجزة عن الإجابة عن أبسط أسئلة الوجود؛ في الوقت الذي لا يُلْزِمُ الأدب نفسَهُ آدعاء هذا العناء السخيف..
الأدب يستطيع الكثير..على حد تعبير(تزفيطان تودوروف).."يستطيع أن يمد لنا اليد حين نكون في أعماق الاكتئاب، يقودنا نحو الكائنات البشرية الأخرى من حولنا، يجعلنا أفضل فهمًا للعالم ويعيننا على الحياة.ليس ذلك لكونه،تقنية لعلاجات الروح؛ بل يستطيع أيضا، في المسار نفسه، أن يُحًوّلَ كل واحد منا من الداخل.للأدب دور حيوي يلعبه؛ لكنه ليكونَ كذلك، ينبغي أخذه بهذا المعنى الواسع والقوي...)_1_
الأدب، إذن، مثلما الفلسفة، مثلما العلوم الإنسانية، فٍكر ومعرفة للعالم النفسي والاجتماعي الذي نسكنه ويسكننا..إنه ليس مُطلقا ولا منطقيا ولا يسعى الى ذلك؛ انه مجرد تعبير جمالي عن الكون وآلكائنات والذات بلُغة آنزياحية وخيال مجنح ومناورات ماتعة وجنون مُطلق آلجنووون وكفى...

إحالات:
_1_ تزفيطان طودوروف، الأدب في خطر، ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال للنشر، ط1، المغرب، 2007م، ص45.



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُطاردة
- غِياب
- مُولايْ عَبقادرْ جيلالي تَزَكَّا
- شُمُوسٌ سُود
- أُوَار...(قصة)
- ضرورة آلثقافة
- رَجُلٌ يَنَامُ
- حُلْمٌ بَارِد
- عِيدٌ لَا يشبه باقي آلأعياد
- زُرْقَةٌ لَا تُطَاقُ ...
- الجبل السحري المازيغي
- مقام الخوف
- عنبر كورونا
- عطسة
- ثيران في شاطئ ماريم...


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - مُطْلَقُ آلجنون وكفى