هل التفاوض لعب على اللغة؟


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 14:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

رئيس المجلس النيابي لا يعترف إلا بتفاوض تقني. يقول "المطلوب وقف النار وتثبيته وإعادة الأسرى ووقف الانتهاكات والخروقات الإسرائيليّة نهائيّاً والانسحاب من كلّ الأراضي اللبنانيّة المحتلّة وليس أيّ شيء آخر. سوى ذلك يصطفلو".
هذا ليس تقنياً. هي مطالب على المندوب اللبناني أن يضعها على الطاولة وعليه أن يتوقع الاستماع بعدها إلى لائحة مطالب مقابلة يتلوها عليه الطرف الآخر. جلسة أولى لجس النبض تكون مخصصة لوضع الإطار العام، يحدد فيها المفاوض نقاط القوة ونقاط الضعف عند خصمه، ثم يحاولان وضع الأولويات، ويحددان موعداً لجلسة قادمة.
"سوى ذلك يصطفلو"، هذه ليست مفاوضات يا دولة الرئيس. إنها إملاءات. الذي يكتفي بتلاوتها لا يعدو كونه ساعي بريد لأنه لا يلعب دوره كمفاوض، والذي يوافق عليها، من الجانبين، من غير نقاش، يسمى مذعناً لا مفاوضاً.
في التفاوض يفترض أن يعرف كل طرف ما في جعبة الآخر قبل الجلوس إلى الطاولة. ما تطلبه إسرائيل ليس سراً. وليس سراً أيضاً ما يريده الوفد اللبناني. هي تريد أن تترجم انتصارها الساحق باتفاق يضمن الأمن والأمان على حدودها الشمالية وتطالب بتطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي وقعتم عليه يا دولة الرئيس باسم الثنائي.
المفاوض اللبناني سيحمل معه ما في خطاب القسم الجمهوري والبيان الحكومي من تأكيد على سيادة الدولة، ولا سيما البديهيات التي تحقق السيادة على الحدود، "وقف النار وتثبيته وإعادة الأسرى ووقف الانتهاكات والخروقات الإسرائيليّة نهائيّاً والانسحاب من كلّ الأراضي اللبنانيّة المحتلّة".
الوفد اللبناني لا ولن يشكو من قلة معرفة أو من جهل بما يريده المفاوض الآخر، بل سيكون محرجاً حين تكون سيادة الدولة اللبنانية داخل حدودها مطلباً إسرائيلياً في المفاوضات، ذلك أن السيادة، في كل دساتير الدول، هي سيادة القانون وحصرية السلاح بيد الدولة. لذلك من المستحسن سحب عبارة "يصطفلو" من المحضر ومن التداول، التزاماً بأحكام الدستور الذي ينص على أن القرارات بشأن التفاوض منوطة برئيس الجمهورية، وفي ويعترض المعترضون أو تبرم الاتفاقات داخل المؤسسات لا خارجها.
الوفد اللبناني يشكو من أمر آخر. إنه يذهب إلى المفاوضات وظهره مكشوف. لا يعرف بالضبط ما إذا كان الثنائي مع المفاوضات أم ضدها. الثنائي ذاته الذي أنتهت آخر مفاوضاته بفضيحة الترسيم البحري يتعامل معها اليوم كلعبة لغوية. معها إذا كانت تقنية وإلّا. ألا يعرف دولته أن في حرف الاستثناء (إلا) شحنة من التهديد لا تليق بلغة المفاوضين ولا بالسجالات بين رجال الدولة؟
اللعب على اللغة تجاوز هذه المرة دلالة المفردات إلى دفع تأويل الكلام حد التعارض بين السلطات، فيما ينص الدستور على الفصل بينها لكن على تعاونها. إذ لا يجوز، باسم اللياقة الدستورية أن ينفي تصريح رئاسي تصريحاً آخر، ولا أن يذهب رئيس الوفد اللبناني غير مزود بإجماع، دعماً لموقفه وقبل ذلك حفاظاً على وحدة المؤسسات والدولة.
ما لا يليق بالسيادة والدستور والوحدة الوطنية هو أن يحتاج المفاوض اللبناني إلى التفاوض مع الثنائي قبل الذهاب إلى الناقورة.