المسكوت عنه في الغارة على الدوحة
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ردود الفعل على عملية الاغتيال الفاشلة ضد قيادات حماس في الدوحة كثيرة ومتنوعة. هي تتراوح بين الإدانة الصريحة والتوريات واللغة المجازية والمناشدات والخلاصات الخجولة التي تقترب من البوح وتتوقف هناك. عينات من هذه كلها نراها مجموعة على صفحات جريدة الشرق الأوسط. سأعرض على طريقة الكولاج مقاطع منها لأبين مسارها التصاعدي ووقوفها على باب المسكوت عنه.
يتحدث مأمون فندي عن ضرورة التحصين الاحترازي تفادياً لتكرار مثل هذه العمليات فيقترح "مراقبة دولية وإقليمية... وضمانات أمنية للأشخاص والبنية التحتية، تشمل مشاركة مراقبين دوليين أو قوات محايدة أثناء الاجتماعات الحساسة وتفعيل شبكة عقوبات سريعة وفعالة تشمل إجراءات مالية ودبلوماسية ضد أي طرف يخرق هذه الحماية، بما يجعل الاعتداء مكلفاً للغاية"
عبد الرحمن شلقم تحدث عن بول بوت وجنون الإبادة في كمبوديا، كذلك فعل فاضل السلطاني في كتابته عن نشوة التدمير عند هتلر، والمقصود في المقالتين المعبريتين لا هذا ولا ذاك، بل نتنياهو بالذات المتفوق عليهما بجنون الإبادة ونشوة التدمير في غزة.
خالد البري اختار عنوان "التوازن الستراتيجي" ليقول إن "مصائر القادة الشجعان، وأحياناً مصائر الدول، بعد إقدامهم على خيار صحيح وجريء، تقلقك. إن لم تخش على نفسك، ستقلق على استقرار البلد، فتقول في نفسك، ماذا تكسب البلد إن حققت توازناً استراتيجياً حولها وفقدت توازنها الداخلي؟ ". يحيلك الكلام عن مصائر القادة الشجعان والخيارات الجريئة إلى اختراق غلاف غزة وحرب الطوفان، من غير أن يسمي الكاتب الأشياء بأسمائها.
عبد الرحمن الراشد رفع من درجة الوضوح في قوله "المنظمات المسلحة من حماس الإخوانية والجبهة الشعبية اليسارية والجبهة الديمقراطية الماركسية وجبهة التحرير العربية البعثية وأبو العباس وأبو نضال وكارلوس والجيش الأحمر الياباني والألوية الحمراء، لم تحقق شيئاً. فضلاً عن أنظمة سادت وبادت وعاشت على وعود المواجهات العسكرية مثل صدام والأسد والقذافي ولم تحرر شبراً واحداً من فلسطين" وطالب بولوج باب الحلول السياسية.
طارق الحميد رفع الوضوح درجة أخرى حين تحدث عن "جنون نتنياهو" عازياً سبب تفوقه على خصومه في المنطقة "لا إلى قوته فحسب بل إلى رعونة الخصوم، حماس وحزب الله ومن خلفهما إيران والأسد والحوثي". ويخلص إلى اقتراحات حلول تدور كلها حول الدولة وتثبيت أركانها في فلسطين(حل الدولتين) وفي لبنان وسوريا واليمن... والسعي لعدم عودة الميليشيات تحت أي مبرر، وبأي مكان.
هذا كله بعض ما نشر في جريدة واحدة. وإذا قرأناه كله واطلعنا على المنشور حول الموضوع ذاته في جرائد أخرى عربية وأجنبية وفي منصات إلكترونية محلية وعالمية، يبقى المسكوت عنه واحداً وهو الجواب على سؤال النهضوي اللبناني شكيب إرسلان: لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟ أعتقد جازماً أنه لو أمكن للعرب، حكاماً وأحزاباً ومثقفين، أن يتوصلوا إلى الجواب الصحيح قبل حربي الطوفان والإسناد، بل قبل النكبة وقبل النكسة، لما كانت حلت بهم كل هذه الهزائم قديمها وحديثها.
الجواب الخاطئ على سؤال الحرية هو الأصل، ومنه تحدرت كل الإجابات الخاطئة. بدل ولوج باب الديمقراطية اخترنا إقامة دولة الاستبداد وفضلناها على دولة القانون والمؤسسات، وبدل أن نستثمر في العلم رحنا نرهب عدونا بما استطعنا إعداده "من قوة ومن رباط الخيل" وأن نستعين عليه بالملائكة، كما رحنا، بحسب الشاعر محمد الماغوط، نبدد مياه نهر بردى الدمشقي "على الغرغرة وغسل الموتى".
الجواب الصحيح على سؤال شكيب إرسلان هو الحرية والعلم وضمانتهما الدولة والوحدة الوطنية. أما ميليشيات التحرر الوطني اليسارية منها والقومية والإسلامية فهي، بالتعريف، نقيض الدولة والمرادف للحروب الأهلية. الاستعمار الوحيد المتبقي بعد مرحلة الاستقلال هو الاستعمار الصهيوني في فلسطين، وعلى المتحمسين أن يصطفوا خلف الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. من يتسبب بشرذمة وحدته الوطنية يخدم المشروع الصهيوني، بل يلتقي معه على طريق التطرف وأسلوب الإبادة ونشوة التدمير والقتل. لا شيء يبرر لنتنياهو كل هذا العنف الهستيري الهمجي. لكن، في المقابل، لا شيء يبرر لحماس توفير الذرائع لوحشيةٍ فالتةٍ من عقالها تنهي حياة مئات الفلسطينيين يومياً بالقنابل أو بالجوع أو تحت الأنقاض وبقايا الأبراج المدمرة.
على حماس وحزب الله وكل الميليشيات في كل مكان من العالم أن تتوقف عن تعريض شعوبها للشرذمة وأوطانها للتفكك، وأن تتمثل بالقرار الشجاع الذي اتخذه عبدالله أوجلان بتسليم السلاح للدولة، وأن تستبدل مفردات الحروب الأهلية أو بين الدول بلغة التنافس على العلم والتقدم، وأن تعمم ثقافة الحياة بديلاً من مصطلحات الموت والفناء والدمار والإبادة، وأن تناضل، كل في بلدها، من داخل الوحدة الوطنية، من أجل السلام في العالم، وخصوصاً لتضميد الجرح الفلسطيني النازف الذي لا يرتسم في الأفق حلاً له إلا من خلال الدولة. من غير أن يعني ذلك تعميم شريعة الغاب واستسلام الضعيف للقوي، بل أن يعمل كل شعب، من موقع وحدته الوطنية حول دولته ليحتل مكانه اللائق بين الشعوب والدول.
لا حل إلا بالدولة، هو شعار صالح، لا لفلسطين وحدها بل لكل البلدان التي لم تسلك بعد طريقها إلى دولة القانون والمؤسسات والعدالة والديمقراطية. ولأن الدولة لا تقوم بوجود ميليشيات، فإن حل الميليشيات المسلحة وغير المسلحة، في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال وغيرها من بلدان الحروب الأهلية، مطلب وطني وحاجة داخلية قبل أن يدرج بنداً في اتفاقات دولية.