ما سها عن بال الخطاب


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 00:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ثلاثة أمور لم ينتبه لها نبيه بري في خطابه السنوي. الأمر الأول يتعلق بالحوار والثاني بالعقل الشيطاني والثالث بالمحاصصة.
الحوار معزوفة كان يلجأ إليها الثنائي "كلما أزمةٌ أزمتْ"، سمع اللبنانيون أخر نسخة منها في فترة الشغور الرئاسي الأخير الذي تسبب الثنائي به، كما في كل شغور سابق، عن سابق تصور وتصميم. في كل المرات كان رئيس البرلمان اللبناني يلبس لبوس الاعتدال ليعوض بعضاً من التشدد والتطرف من جانب حزب الله، وفي كل المرات لم تكن تخفى على أحد لعبة توزيع أدوار، لكثرة ما تكررت، باتت ممجوجة ومكشوفة إلى حد الابتذال.
كان ينتهي الحوار في نسخه الأولى، إذا ما قيض له أن ينعقد، بقرارات يطلب حزب الله من الموقعين عليها، بعبارات صريحة وواضحة، وبموافقة ضمنية من توأمه وفرح وغبطة من شركائه والأتباع، "بغليها بالماء وشرب محلولها" كما لو أنها وصفة من صلف وعنجهية. كذلك كان يستعان بالمعزوفة للتسويف والمماطلة وكسب الوقت، حتى يقضي حزب الله أمراً كان مفعولاً. في المرة الأخيرة انتبه معارضو الحوار ومنعوا حصوله.
سها عن بال الخطاب هذه المرة أن الحوار هو مطلب الحكومة والرئاسة اللتين لم يخطر في بال أي منهما تنفيذ قرار حصرية السلاح بقوة السلاح، أولاً لأن أحد أسمى المهمات أمامهما هو تخليص البلاد من شرور الحرب الأهلية، وثانياً لأن رئيس الجمهورية هو من سيدير الحوار هذه المرة في داخل مجلس الوزراء، وإذا شاء رئيس المجلس النيابي إدارة حوارٍ مواز فتحت قبة البرلمان وفي كليهما سيكون السؤال موجهاً إلى حزب الله، عن الطريقة التي سيختارها لتمكين السلطة من إنهاء مفاعيل اتفاقية القاهرة والوجود المسلح غير الشرعي، أي الميليشيوي على الأراضي اللبنانية.
كان على الثنائي إذن لا أن يقترح حواراً بل أن يعلن موافقته عليه. أما استراتيجية الأمن الوطني فمكان نقاشها في المؤسسات الدستورية لا خارجها، في مجلس الوزراء تحديداً وهو الذي يقرر إشراك المجلس النيابي في النقاش عند الحاجة.
الأمر الثاني يتعلق بالعقل الشيطاني. صحيح تماماً اعتبار هذا العقل يفوق السلاح الحربي خطورة، وصحيح أيضاً أن بعض اللبنانيين يخاطبون حزب الله كما لو أنهم هم من هزموه في معركة الإسناد، فيستحضرون لغة عفا عليها الزمن من أيام المارونية السياسية الكالحة، لكن الصحيح أيضاً هو أن التهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور هو من القاموس اللغوي الذي يستخدمه خطباء الثنائي المفوهون سياسيين ورجال دين، وهم الذين تفتح لهم المنابر والشاشات ويتبعهم الغاوون من الذباب الإلكتروني.
الأمر الثالث يتعلق بزلة لسان أقل ما يقال فيها أنها انتهاك للدستور. القاصي والداني من اللبنانيين يعرف أن المحاصصة تكاد تكون الثغرة الوحيدة التي رافقت تشكيل الحكومة، وأن وسائل الإعلام كانت تتولى البوح بما يخجل السياسيون من الإفصاح عنه. أما أن ترد عبارة "وزراء الثنائي" في الخطاب فهو مما لا يليق بلغة رئيس المشرعين، إذ من المفترض، حين يتولى الحزبي مسؤولية عامة في الدولة، أن يتصرف بما يمليه عليه القانون والواجب، وأن يتخلى عن مهامه الحزبية خلال وجوده في سدة الحكم. غير أن وزراء المحاصصة ونوابها يتمثلون بالرئيس بري الذي ظل على امتداد عقود، رئيساً للمجلس من غير أن يتخلى عن رئاسة حركة أمل.
المحاصصة والعقل الشيطاني والحوار خارج المؤسسات، كلها عار وانتهاك للدستور والقوانين.