هل تطالبوننا باستئناف الحرب الأهلية؟
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 00:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ذات عام من عمر الأزمة، أخذ الصحافي السعودي داود الشريان على "النخب الشيعية اللبنانية اكتفاءها بالتبرؤ من دور حزب الله وإحجامها عن القيام بأي تحرك"، واستغرب كيف يطلب الشيعة من سواهم أن يدافعوا عنهم، وختم بمطالبة الخائفين "من التصفية المادية والمعنوية" بأن يواجهوا حزب الله لأن الخوف لم يعد يحمي الخائفين" (جريدة الحياة، 10-5-2015).
في 12-7-2025 توجه الصحافي السعودي الكبير عبد الرحمن الراشد إلى الحكومة اللبنانية بمقالة في جريدة الشرق الأوسط تحمل لوماً وعتباً وتحذيراً من نفاد صبر المجتمعين العربي والدولي، لأن نتيجة التلكؤ ستكون"خسارة البلاد فرصة لم يتح مثلها منذ نصف قرن"
مقالة الشريان ظهرت في عز سطوة حزب الله على لبنان وتعطيله دور الرئاسة وسيطرته على الدولة ومؤسساتها بما فيها التشريعية والتنفيذية. طالب النجدة من خارج الحدود، في ذلك الحين وفي كل حين، إلى أي دين انتمى، هو الذي لم يتعلم من دروس الحرب الأهلية شيئاً ولا سيما من جريمة استدراج الخارج. لذلك سارعت إلى الرد على المقالة بأخرى عنوانها "مع حزب الله ضد الشريان". وحتى لا يكتفي حزب الله بقراءة العنوان، وحتى لا يفسره على هواه، تابعنا اعتراضنا على نهجه وعلى سياسته بلا كلل ولا ملل.
ما قاله الراشد ظهر في ظروف مختلفة تماماً نتفق معه على توصيفها وتفصيلها تفصيلاً دقيقاً وصحيحاً. ومن المؤكد أن المقالتين تعكسان الحرص السعودي الرسمي على لبنان ودوره العربي، وما الإعلام المكتوب سوى أحد مؤشراته. تفصيل "صغير" غاب عن مقالته منعنا من أن نقول للراشد ما قلناه للشريان.
قبل عشر سنوات كان لبنان، بكل قواه السياسية، يغالب حزب الله لمنعه من دفع لبنان إلى أتون حرب أهلية، باعتباره القوة الوحيدة القادرة على خوضها، وربما الراغبة بذلك. بعد عشر سنوات، وبعد نتائج حربي الطوفان والإسناد وانهيار نظام الممانعة الاستبدادي في سوريا وهزيمة قوى التحرر الوطنية والقومية والإسلامية وتقليص الدور الإيراني، بات على لبنان أن يمنع حزب الله من تحميل الشعب اللبناني نتائج الكارثة التي حلت به، ومن تحويل "الأهالي" إلى درع يتمترس خلفه في وجه قوات الطوارئ الدولية، وضد من يسميهم أعداء الداخل، ويشحن الطائفة الشيعية ضدهم، وهم بالترتيب، منتقدوه من "شيعة السفارات"، رئيس الحكومة بصفته ممثلاً لأهل السنة وامتدادتهم الخليجية بزعامة المملكة العربية السعودية؛ حزب القوات اللبنانية ممثلاً من يسميهم حزب الله "صهاينة الداخل"؛ إضافة إلى أعداء الخارج، إسرائيل "عدو الدين" وأميركا "الشيطان الأكبر" ومن ينضوي تحت لوائهما.
مطالبة الحكومة، في صيغة اللوم أو التنبيه أو التحذير، مثلما ورد في المقالتين أعلاه أو في تصريحات المرجعيات الخارجية أو في مواقف بعض القوى والعديد من الشخصيات اللبنانية، باستخدام العنف ضد حزب الله، تعد تناغماً مع المشروع المذهبي الطائفي الذي ينهل حزب الله من معينه والذي يشكل الممر الإلزامي إلى الحرب الأهلية، العنف المادي بالسلاح الذي ينبغي أن يكون، بحسب خطاب القسم والبيان الوزاري، حصرياً بيد الدولة اللبنانية، أو حتى العنف اللفظي كالقول بنزع السلاح بدل القول مثلاً بتسليمه أو بتقديمه هدية للجيش.
الجانب الأهم الذي يغفله الراغبون بإنقاذ لبنان بالسرعة المطلوبة لا بالسرعة الممكنة هو أن السلاح المطلوب نزعه اليوم أتى كله من الخارج، البندقية الفلسطينية شحنتها المجموعة العربية على عربات اتفاقية القاهرة إلى منطقة العرقوب "فتح لند"؛ الصواريخ الباليستية خزنتها إيران في الأنفاق أو بين الأماكن السكنية في ضاحية بيروت؛ المعابر غير الشرعية التي شرعها النظام السوري بمباركة أميركية أوروبية شكلت الممر الآمن لكل الأسلحة، منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان كقوات ردع إلى ما بعد خروجه في أعقاب اغتيال رفيق الحريري وتنفيذاً لقرار دولي. نعم، الذي أدخل السلاح أولى بإخراجه، ولا تستكثروا على اللبنانيين طلب المساعدة على ذلك لأن توليهم بأنفسهم الأمر ليس ممراً آمناً لإنقاذ لبنان من أزماته المستدامة.
يرتكب العهد وحكومته خطأ فادحاً في الشأن المتعلق بإدارة شؤون الدولة، لأنهما يكرران أخطاء عهود وحكومات سابقة اعتمدت مبدأ المحاصصة ولم تفصل بين السلطات وسمحت لرأس السلطة التشريعية بمقاسمتها جزءاً من صلاحيات السلطة التنفيذية. أما في ما يتعلق بحزب الله وسلاحه فخيارهما هو الأكثر حكمة، لأنهما متمسكان بما تعهدا به حصراً لاستخدام السلاح بسلطة الدولة وأجهزتها الأمنية، جيشاً وقوى أمن وشرطة بلدية.
تعليقاً على مقالة عبد الرحمن الراشد، كتبت على صفحة الصديق إيلي الحاج:
كل السلاح غير الشرعي دخل إلى لبنان بقرارات وحماية خارجية، فلماذا يتنصل الخارج اليوم من مسؤوليته بإخراج هذا السلاح؟ نعم، الانتظار إلى ما شاء الله أفضل من سقوط نقطة دم واحدة من جندي في الجيش اللبناني أو من مضلل في حزب الله. من انتظر ستين عاماً يسهل عليه انتظار أشهر إضافية.