حوار عقيم مع الشيخ نعيم


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 10:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أردناه على الدوام حواراً مثمراً وجعلتموه عقيماً. كيف لأي حوار أن يثمر إذا كان أحد طرفيه لا يعترف بالرأي الآخر؟ كل أحزابنا في لبنان وفي الأمتين العربية والإسلامية، إلا ما ندر أو ما لم يولد بعد، يشبه بعضها بعضاً في هذا الشأن، ليس من بينها إلا ويقول، أنا أو لا أحد، ولا يعترف بدولة القانون والمؤسسات، إذ إن لكل منها دولته، ولهذا صنفناها كلها، في كتابنا، تحت إسم "أحزاب الله".
كلهم قاوموا، كلهم انتصروا ولم ينهزم أحد. ليرفع إصبعه من أجرى مراجعة صادقة وغادر الادعاء باحتكار المعرفة والقبض على الحقيقة! لكن أصابعهم لا ترفع إلا في وجوهنا أو احتفالاً بنصر مزعوم. الذين استدركوا منهم ووافقوا متأخرين على خيار الدولة، إما أنهم يجهلون الأسس التي تقوم عليها الدولة، وهذه حالة حزب الله، أو أنهم يستخدمون عدة التعصب الطائفي أو الأدوات ذاتها التي تسببت بانهيار الصيغة الديمقراطية في لبنان.
كان الحوار عقيماً في الماضي لأنهم لم يصغوا لا لنصيحة ولا لمناشدة ولا لنقد محب. بعد خطاب نعيم قاسم ظل الحوار عقيماً لأنه يجافي كل أنواع المنطق، الشكلي والرياضي و الجدلي. تكاد لا تصدق أنك تسمع أحد خريجي كلية العلوم يحكي لك عن الملائكة لا عن لافوازييه، وتراه لا يقدم فكرة إلا مقرونة بنقيضها التطبيقي.
يشيد بالجيش ويعزي بشهدائه، فيما تدور الشكوك حول دور ومسؤولية له حصة فيهما، والله أعلم. على الأقل يذكر اللبنانيون كيف اعترض حزب الله على دخول الجيش إلى الجنوب عام 2000 غداة التحرير، وكيف قبل على مضض بدخوله بناء على القرار الأممي الذي حمل رقم 1701 في المرة الأولى في أعقاب حرب تموز 2006، ثم صار بعدها يعترض على قوات اليونيفيل.
يزعم أنه ينتصر لفلسطين فيما كان ينتصر لنهج الانشقاق وتقسيم الدولة المولودة بين رام الله وغزة، وتفكيك الوحدة الوطنية التي بنتها منظمة التحرير لبنة لبنة خلال نضال طويل تحت شعار القرار الوطني المستقل.
يطالب الحكومة أن تلتزم بالاتفاق، مع أنها لم تكن طرفاً في إبرامه، ويتناسى أن من وقّع على الاتفاقات مع العدو الإسرائيلي، على وقف النار وقبله على ترسيم الحدود البحرية، ليست الحكومة الحالية ولا التي سبقتها، وأن صاحب القرار الفعلي في التوقيع هو حزب الله ممثلاً بالأخ الأكبر الذي يحمل الأمانة ويتصرف بها على هواه بما يناسب مصالح الأقربين والمتزلفين والمتسكعين على باب الحاكم.
يعيب على خصومه أنهم لا يريدون المحافظة على لبنان بل "على حالكم وعلى حياتكم" ولا ينتبه إلى أنه يرغي ويزبد من تحت ركام الهزيمة أو من داخل الأنفاق. كأنه بذلك يريد أن يستنسخ تجربة غزة التي يُرمى أهلها في مقتلة يومية من أجل أن يحصل قادة حماس على دور لهم في مرحلة السلم بعد توقف الحرب.
ويعيب على خصومه أيضاً كثرة البيانات، "عشرة كيلو منها،كما قال" من غير أن ينتبه إلى أن البيانات الخجولة لا وزن لها يذكر أزاء خطب تقاس بالأطنان يطلقها المعممون بمناسبة وبغير مناسبة.
في كلامه عن ميثاق العيش المشترك يغفل أن حزب الله متهم، عن خطأ أم عن صواب، بأنه ضرب عرض الحائط بكل المواثيق في أكثر من حدث مزلزل مثل اغتيال رفيق الحريري أو تفجير المرفأ، وأن عليه إثبات البراءة أمام اللبنانيين لا اتهامهم بالعمالة للسفارات فيما هو الطرف الوحيد الذي أدان نفسه عندما تباهى بعلاقة الأبوة مع النظام الإيراني، وأنكر وراثته عن الاتحاد السوفياتي فكرة تصدير الثورة.
حين راح يجول على المؤيدين كان عليه أن يعترف أمام الحزب الشيوعي وأن يعتذر منه لأنه ورث عنه فكرة التحرر الوطني من الاستعمار والصهيونية والإمبريالية التي سماها الشيطان الأكبر، لكنه لم ينتبه إلى أنه ورثها في لحظة أفولها واستخلص الدرس بالمقلوب.
وأخيراً يزعم بأنه "أعان الدولة لتمسك زمام المبادرة"، فيما هو يقدم الدليل تلو الدليل على وضع العصي في دواليب الإصلاح السياسي بوقوفه ضد قرارات الحكومة وهو ممثل فيها بوزيرين، وفي دواليب الإصلاح المالي بإصراره على قنوات التمويل غير الشرعية، وفي دواليب الإصلاح الديني حين يتنكر لوصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
بالرغم من كل ذلك، اللبنانيون هم الذين لم يترددوا ، جيشاً وحكومة وشعباً، في تقديم العون، بالنصح أو باحتضان بيئة الحزب التي أجبرتها الحروب على النزوح أكثر من مرة، أو بمناشدة الحزب أن يهدي انتصار أبطاله المقاومين للشعب وأن يهدي سلاحه للجيش، وأن يتخلى عن تصدير الثورة وعن فكرة التحرر الوطني، وأن يعود إلى حضن الوطن ويشارك في إعادة بناء ما تهدم.
يا حزب الله اللبناني، اللعب على حبل المماطلة لم يعد ذا جدوى. لم يفت الأوان بعد. ولا أحد أحرص على لبنان من اللبنانيين الذين ينتظرون عودتك عزيزاً مكرماً داخل حدود الوطن وتحت سقف القانون.