أميركا وحزب الله والجيش


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ليس بحثاً عن بديل لثلاثية حزب الله "الذهبية"، جيش وشعب ومقاومة، أو ثلاثية خصومه "الفضية"، جيش وشعب ودولة، بل إعادة اعتبار لثلاثية ماسية تبنى عليها الأوطان ونتعلمها في دروس التربية المدنية وفي كليات الحقوق.
الوطن، تعريفاً، هو شعب وأرض وسيادة هي سيادة القانون يجسدها وجود الدولة بدستورها ومؤسساتها وأجهزتها الإدارية والأمنية والعسكرية. الجيش ليس سوى واحد من تلك الأجهزة.
لم ننتبه، نحن اللبنانيين، إلى أن تظاهراتنا ضده في صيدا بعد اتفاقية القاهرة أو دفاعاً عنه في الأشرفية، كانت تعبيراً عن ثلاثية من تنك صدئ، جهلٍ معمم لمعنى الوطن، وإساءةٍ بالسوية على الضفتين للجيش، و إعدادِ العدة يميناً ويساراً لتدمير الدولة. تربى جيلنا في حينه على انقسام بين مؤيد لزج الجيش في حرب أهلية يتم الإعداد لها ومعارض لدور داخلي يناط به بذريعة كونه منذوراً للدفاع عن الحدود لا عن أهل السلطة.
نترك البحث عن الأخطاء في عهدة قراءة الماضي بعين النقد الذاتي الذي لم يجرؤ على ولوجه سوى قلة من القادة، فيما استمر تجار السياسة ورعاعها، مسؤولين وإعلاميين ومؤرخين ومتطفلين وزاروبيين وجيوشاً إلكترونية، يرتعون في التعصب الطائفي والحزبي والزقاقي أو في العمالة للخارج والاستزلام للمحاصصين.
أميركا، سيدة العالم الحر، تتعامل مع الجيش وكأنه ركن لا جهاز، لكنها تفعل ذلك، لا عن جهل بل عن سابق تصور وتصميم، داعية إلى زجه في معركة نزع سلاح حزب الله، تحت طائلة إلغاء الزيارة المقررة لقائده. هي تدعونا إذن إلى الانخراط مجدداً في الحرب الأهلية؟
نحن اللبنانيين شبعنا حروباً أهلية، 1958، 1975، بين مسيحيين ومسلمين، أو دروز وشيعة في معارك"العلمين"، أو مسيحيين ومسيحيين في الإلغاء والتحرير، أو شيعة وشيعة بين أمل وحزب الله، أو مسيحيين ودروز في حرب الجبل، أو القمصان السود ويوم حزب الله المجيد وحصار السرايا، أو بين عين الرمانة والشياح وفي الطيونة وكوع الكحالة، وخلال سنواتها الطويلة تلك، سلسلة من السيارات المفخخة والاغتيالات والأيام السوداء في الدامور وتل الزعتر وتل عباس والقاع وغيرها مما لا يحصى ولا يعد ولم يبق محصوراً داخل حدود لبنان بل تم تصديره إلى الجمهوريات الوراثية.
تعلمنا من حروبنا الأهلية أن الذي حال دون اندثار وطن إسمه لبنان وزواله هو الدولة العميقة لا الجيش. هو صمود الحكومة في وجه حصار أطبقه حزب الله عليها طيلة عامين، أثبتت خلالهما أن تحصنها بالدستور، حتى في ظل غياب الجيش، أقوى من سلاح الميليشيات الناري. شعار الجيش هو الحل شعار خاطئ لأنه لا حل إلا بالدولة.
تعلمنا من تجارب الأشقاء أن الإدارة السياسة السليمة هي الضمانة لا الجيوش، وأن عدم تجاوز الجيوش دورها التنفيذي التزاماً بالقرار السياسي هو الضمانة لوحدة الجيوش والدول والأوطان. جيوش الانقلابات والحرب الأهلية داخل الجيش السوداني نفسه ماثلة أمامنا.
أما السلاح غير الشرعي الذي عمره من عمر منظومات الكفاح المسلح والتحرر الوطني، أي نحو قرن من الزمن فليست الحروب الأهلية سبيلاً صالحاً لنزعه أو حصره أو تسليمه، وليس لبنان وحده معنياً بطي صفحته. من ساهم بإدخاله إلى لبنان معني هو الآخر، عدواً كان أو صديقاً، قريباً أو بعيداً. أوليست الولايات المتحدة الأميركية مسؤولة عن مباركة الوصاية السورية ، أي عن زحمة دخول الأسلحة على أنواعها وعن تصنيعها أيضاً في لبنان؟