زنادقة في البرلمان
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 12:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
محمد علي مقلد 6-10-2025
ممثلو الأمة من قوى الممانعة في لبنان يناقشون على الشاشات هذه الأيام موضوع قانون الانتخابات النيابية، يشحذون الحجج ويقدحون عقولهم ليمنعوا اللبنانيين المنتشرين في أربع أرجاء الأرض من المشاركة في اختيار ممثليهم في البرلمان.
دائماً، بالاستناد إلى الدستور، سبق لهم أن عدّلوا قانون الانتخاب الذي نص عليه اتفاق الطائف فرفع البرلمان عدد النواب من 108 إلى 128 ونظم الانتخابات في دورتي 1992 و1996 على أساس قانونين متعارضين مع نصوص الدستور.
باسم الدستور أيضاً، قرر مشرعو فترة الوصاية اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية في منطقة من لبنان، والمحافظتين في منطقة ثانية والأقضية في ثالثة، واستمر البرلمان يجري التعديلات على القانون ويرسم حدود الدوائر على مقاس المرشحين، وهم يدندنون أغنية" قصقص ورق ساويهم ناس".
بعد اغتيال رفيق الحريري، عرض وزير الداخلية سليمان فرنجية على أجهزة المخابرات السورية، خرائط تشكيل المجلس النيابي بحسب ما ترسمها بدقة جغرافية الدوائر الانتخابية، قائلاً، هذا القانون يعطينا هذه النتائج وذاك يفضي إلى تلك، والقرار لكم.
بمناسبة انشغال اليابانيين باختيار ممثليهم في المجلس التشريعي توجه أحد نوابنا من ممثلي الممانعة قائلاً للسفير الياباني، الفارق بين الديمقراطيتين بسيط، نحن اللبنانيين، نعرف نتائج الانتخابات في بلادنا قبل إجرائها.
باسم الدستور عادوا إلى قانون الستين الذي أقره أول برلمان في عهد فؤاد شهاب، ورفضوا مشروع القانون الذي أعدته، بتكليف من مجلس الوزراء، لجنة من الحقوقيين برئاسة رجل الدولة فؤاد بطرس، وامتنعوا عن تنفيذ النصوص المتعلقة بالنسبية والدوائر الوسطى ونظام المجلسين.
باسم الدستور أجاز مشرعو الممانعة للمغتربين الاقتراع في دورة 2022. في دورة 2026 يصرون على حرمانهم من من هذا الحق. حجتهم في ذلك أن القانون المقر في دورة 2018 لا يقل قداسة عن الكتب السماوية. فلكيو الممانعة وجغرافيوهم أربكهم البحث عن دائرة سادسة بين القارات، وعندما وجدوها أربكهم الإشراف على إجرائها لأن القارة القطبية الجنوبية، الأنتركتيكا، لا يزيد عدد سكانها عن مئة شخص وليس من المؤكد وجود لبنانيين بينهم.
آلان دونو كتب عن "عصر التفاهة". لست أظن أن الكاتب الكندي استلهم أحد الصحابة الأجلاء الذي سبق أن تحدث عن "زمن الرويبضة" أي "الزمن الذي يسوس فيه العامةَ سفهاءُ العامة"، حسب قوله. المعنى واحد بين السفاهة والتفاهة مع أن المسافة بين المصطلحين تقارب ألفاً وخمساية عام.
هل أكثر سفاهة أو تفاهة من أن ينتهك الدستور باسم الدستور؟ من أن يتوسله المتسمّرون( مسمار) على الكراسي من ورثة عهد الوصاية الذين ربما لم تصلهم بعد الأخبار عن سقوط أصحاب "الأسد إلى الأبد" ولم يقرأوا في "الكتاب"، كتاب فؤاد شهاب، الرئيس الذي أعطى لقداسة النص الدستوري معناها الحقيقي.
الزنديق في الدين هو من يتظاهر بالإيمان بكتاب الله ويضمر إيماناً آخر. في السياسة، الكتاب هو الدستور، وما أكثر الزنادقة.