وسام في غير أوانه


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 16:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تعليق الوسام على صدر قائد الجيش لم يكن في أوانه يا فخامة الرئيس. لا انتقاصاً من دور الجيش وقيادته التي رئستها لسنوات وأرسيت خلالها في المؤسسة ما اشتاقت إليه من التقاليد بعد قائدها التاريخي فؤاد شهاب. ولا تدخلاً في شأن أنت أدرى فيه من أي لبناني آخر مهما علت مسؤوليته في الدولة. اللبنانيون يقدرون دورك في حمايته وتحصينه، ويقدرون تضحياته ودوره في حماية السلم الأهلي. ولا اعتراضاً على تعليق الأوسمة على صدر من تشاء، لأن رئيس البلاد هو وحده صاحب القرار في هذا الشأن.
المسألة تتعلق بالدولة. هي ومعها الدستور لهما الأولوية في الخط الأحمر. ألم يكن من الأفضل مثلاً أن يمنح الوسام بعد اللقاء برئيس الحكومة، حتى لا تتأكد شكوك المشككين بالعلاقة بين الرؤساء، وهي ينبغي أن تبنى، بحسب الدستور، على أساس التعاون بين سلطات لا تتعدى أي منها على صلاحيات الأخرى، وحتى لا تذهب مخيلة الصحافيين أي مذهب، وحتى لا تبذل مساعٍ في غير محلها ووساطات لتقريب وجهات النظر المتقاربة أصلاً في حرصها على الدستور، فيما تكفي العودة إلى "الكتاب" لمعالجة أي تباين في تقدير المواقف؟
الدولة هي التي تصون وحدة الشعب والأرض وتحمي السيادة، أي الركن الثالث في بناء الأوطان. أما الجيش فهو جهاز من أجهزتها، ينفذ أوامر السلطة السياسية، وإذا ما تجاوز حدود هذه المسؤولية فالخشية عليه كل الخشية أن يقع في أفخاخ سبق أن وقعت فيها جيوش الانقلابات في الجمهوريات الوراثية، أو تتحول حينها ثلاثية الشعب والأرض والسيادة إلى ثلاثية الشعب والأرض والجيش وهي تنويع على تلك التي انتهك فيها حزب الله الدستور وخالف فيها بديهيات تأسيس الأوطان.
سيادة الدولة ليست سوى سيادة القانون، وهي تتحقق بواسطة أجهزة وسلطات. أجهزة عسكرية وأمنية على رأسها الجيش، وسلطات إدارية ومالية ودبلوماسية ولا سيما القضائية. الجيش جزء من الكل الذي تجسده الدولة. بالأولوية، هي الخط الأحمر، لا أي جهاز من أجهزتها ولا أية سلطة غير سلطتها. أنت خير العارفين أنها حين تعسفت في استخدامها وهددت وحدة الشعب والأرض، كنت أنت من حمى الجيش والوطن، بالحكمة والروية، من الانزلاق إلى الفتنة.
بعد خطاب القسم والبيان الوزاري لا خوف على البلاد من حرب أهلية. وما من عاقل أو مجنون لبناني يمكن أن يسوّل له عقله مجرد التفكير بزج الجيش في أتونها. حتى حزب الله لا يفوته الإعراب عن حرصه صباح مساء على السلم الأهلي. لكن أزمته العميقة الناجمة عن حساباته الخاطئة وخسائره الفادحة قد تفقده أحياناً صواب القرار. ربما كان يحتاج إلى مزيد من الوقت لكي يحذو حذو من اتخذوا القرار الشجاع بوقف الاحتفال بذكرى الشهداء، وربما يحتاج إلى مساعدة ليداوي جراحه الحية، لكن ذلك لا يحول دون تطبيق القانون على عناصره التي تخل بالأمن وتعرض السلم الأهلي للخطر بالتهديد والوعيد أو بلغة الليزر أو بعبارات القدح والذم الزقاقية النابية.
عندما استمع الشاعر عباس بيضون إلى صديقه الفيلسوف مهدي عامل يلقي شعراً علق قائلاً له بتحبب، هذه قصيدة كان يمكن تفاديها. أما الوسام، إن لم يكن لائقاً أو ممكناً تفاديه، احتراماً لرغبة الرئيس وتقديراً لدور المؤسسة وقيادتها، فقد كان من المنطقي تأجيله، إلى أن يحين الظرف المناسب، ربما حتى تتحقق حصرية السلاح ويعود حزب الله إلى دوره السياسي، وحتى ينهي البرلمان الحالي بلطجته على الدستور ويعود إليه رشدُه المصادَر منذ أيام الوصاية، أو حتى ينتخب الشعب برلماناً جديداً يكون سيد نفسه حقاً ومؤتمناً على التشريع وعلى احترام الدستور.