الثنائي: فات عهد المماطلة
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 18:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين حل الثنائي محل نظام الوصاية بعد اغتيال رفيق الحريري، استخدم آليات جديدة لإدارة الأزمة، أولها حق الفيتو المعبّر عنه مرة بمحاصرة السرايا ومراراً بالقمصان السود والثلث المعطل، وثانيها تأويلات لا يعترف بها حتى الراسخون في العلم الدستوري من بينها الميثاقية، وثالثها فن الضغط بالمماطلة والتسويف والتأجيل للحصول على أعلى نسبة من المكاسب السياسية.
أول عينة من هذا الفن ظهرت حين ماطلوا في تشكيل الحكومة أشهراً، وثانيها محاولتهم الحؤول دون المطالبة بمحكمة دولية. البداية من القصر الجمهوري، إذ لم يجد سيده يومذاك متسعاً من الوقت لترؤس جلسة الحكومة، ربما لأن المواعيد المقترحة عليه كانت تتعارض مع دوامه الرياضي في السباحة أو مع قيلولته. رداً على المماطلة استخدم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة حقه الدستوري فدعا مجلس الوزراء إلى السرايا وعقد جلسة اتُّخذ فيها قرارٌ بمطالبة مجلس الأمن بتشكيل محكمة دولية خاصة بلبنان.
كل الاجتهادات الفقهية والقانونية لم تثن الثنائي عن ليّ عنق الدستور، إذ فشل الثنائي في تعطيل نصاب الثلثين، حين لم يكن كافياً تخلف ممثليه بالمحاصصة عن الحضور، ولا قبلت استقالتهم، فانتقل إلى خط الهجوم الثاني، بدءاً من اتهام الحكومة بانتهاك مبدأ الميثاقية المستند إلى تأويل مغلوط للعبارة الواردة في مقدمة الدستور" لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك"، وصولاً إلى تحويل الفقرة «ي» من مقدمة الدستور سيدة الأحكام في كل استحقاق، في التكليف كما في التأليف، كما في وضع قانون انتخاب كما في انتخاب رئيس الجمهورية، وشحنت مصطلحات الدستور بمدلولات جديدة قد تكون مشتقة أو منحوتة من كتاب "الجفر" أو من كتاب "علامات الظهور".
تعزيزاً لهجومه أقدم الثنائي على محاصرة القصر الحكومي وأجرى رئيس المجلس النيابي مقابلة متلفزة مع كل المحطات اللبنانية العاملة مجتمعة، حاوره فيها رئيسا تحرير أهم صحيفتين في لبنان، غسان التويني من جريدة النهار وطلال سلمان من جريدة السفير، ولم نسمع منه فيها سوى فكرة واحدة تحمل عتباً على رئيس الحكومة بالاستعجال. هم الثنائي الوحيد هو التأجيل.
نجحت استراتيجية التأجيل في تعطيل الانتخابات الرئاسية، ولم يفرج عنها إلا في مؤتمر الدوحة الذي انعقد في أعقاب احتلال مدينة بيروت من قبل ميليشيات حزب الله وأسفر عن تشريع الثلث المعطل. ونجحت خلال ولاية الرئيس ميشال سليمان وكذلك عند نهايتها، في تعطيل مؤتمرات الحوار المنعقدة في القصر الجمهوري لمناقشة الستراتيجية الدفاعية، ثم في إرجاء الاستحقاق الرئاسي ما لم تكن مهمة المجلس النيابي الإذعان لإرادة حزب الله بانتخاب ميشال عون، الذي اعتمد المنهج ذاته وظل يماطل في توقيع مرسوم التشكيلات القضائية ست سنوات متواصلة، حتى كادت تنهار السلطة القضائية وتنهار معها كل مقومات الوطن.
بعد رحيل عهد الجحيم ظل الثنائي يرجئ الاستحقاق الرئاسي لأكثر من عامين، إلى أن أجبرته نتائج حرب الإسناد على الإذعان لمنطق الدستور. حتى بعد انتخاب الرئيس حاول حزب الله إرجاء موعده في استشارات التكليف وفاجأتهم لهجة لم يعتادوا على سماعها: لقد فات عهد المماطلة. صار منطقهم خلواً من أي منطق. مع الدستور وينتهكونه، مع القرارات ولا يطبقها الثنائي، مع الحكومة وضد بيانها، مع خطاب القسم وضد حصرية السلاح في يد الدولة.
إجماع لبناني على إدانة هذا اللامنطق. الأفضل اذعان قبل فوات الأوان، لأنه لا حل إلا بالدولة.