العهد والحكومة ينتهكان الدستور
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 12:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان نواب الجنوب اللبناني في مرحلة الوصاية، لدى عودتهم إلى بيروت، يعرجون على الرميلة شمال صيدا ليقدموا تقريرهم الإسبوعي إلى العقيد مسؤول جهاز المخابرات السورية. نواب المناطق الأخرى لم يعدموا وسيلة لإيصال الرسائل. تقاليد جديدة أرساها النظام السوري طبق من خلالها آليات مبتكرة لتغيير هوية النظام اللبناني.
القرار الأول إلغاء البرلمان. قبل عودة النواب من الطائف وقبل أن تعبر الوثيقة التي اتفقوا عليها الحدود الدولية، جاء الأمر برفع عدد النواب من 108 إلى 128. من اللحظة الأولى، لم يعد البرلمان سيد نفسه.
القرار الثاني إلغاء الديمقراطية. رئيس الجمهورية لا ينتخبه نواب الأمة بل يصادقون على من يتم تنصيبه بالتعيين من خارج الحدود. القرار الثالث إلغاء مبدأ الفصل بين السلطات ودخول مصطلح الترويكا كهيئة مستحدثة لا تملك صلاحية القرار وعليها أن تنفذ فحسب. منذ ذلك الوقت صار للبنان ثلاثة رؤساء، وأضيفت بدعة الترويكا، من خارج الدستور، إلى مؤسسات الدولة.
قيل عن الترويكا أنها صيغة للتعاون بين السلطات، والحقيقة أنها بدعة وفيروس قاتل من أعراضه تحويل السلطة القضائية إلى جهاز من أجهزة الدولة، وإلغاء ركن أساس تبنى عليه دولة القانون والمؤسسات، نعني به الكفاءة وتكافؤ الفرص، وحلول المحاصصة محله والزبائنية، وتعميم الفساد ليصير بنيوياً وجزءاً من تكوين الدولة. بهذا اكتملت عدة القضاء على النظام البرلماني الديمقراطي في لبنان.
بدأ عهد الوصاية يوم أعطي نظام الأسد، الأب ثم الإبن ومن بعدهما وبغيابهما وبديلاً منهما، الثنائي الشيعي، وكالة حصرية بإدارة تفليسة الحرب الأهلية، مستخدماً طرقاً من الإرهاب معروفة وأخرى مبتكرة، من بينها تعليق الدستور تمثلاً بأنظمة الصمود والتصدي وبشعارها، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
انتهى عهد الوصاية نظرياً بانتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة على أن تكون المهمة الأولى إنقاذ البلاد من جحيم قاوم الشعب اللبناني الوقوع فيه إلى أن قرر العهد البائد فتح باب جهنم. الثنائي، وريث عهد الوصاية، كان بارعاً في توزيع الأدوار، فكان يتمايز طرفاه إذا لزم الأمر أو يتوحدان في كيان، واجهته نبيه بري وخلفيته حزب الله، يمثل الطائفة الشيعية في استقبال الوفود والتفاوض معهم على ترسيم الحدود وعلى النفط والغاز، من خارج الصلاحيات التي يمنحها له الدستور، ويمثلها في إطار "التعاون" بين السلطات.
من سوء حظ العهد والحكومة أن صوت المعركة كان لا يزال عالياً، ولذلك فرضت الظروف صيغة من التعاون معهما يمثل نبيه بري فيها سلطة الثنائي الشيعي باسم الطائفة لا السلطة التشريعية. وبهذا يكون التنسيق بين الرؤساء بمثابة استعادة لبدعة الترويكا وتكريس لنهج المحاصصة الذي يستثمر فيه نبيه بري دور "الأخ الأكبر" ليقايض به شراكة غير دستورية مع السلطة التنفيذية.
وضع الإنقاذ على السكة الدستورية يتطلب الخلاص من إرث الوصاية وعلى وجه الخصوص من الترويكا والمحاصصة.