الطريق إلى الدولة
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 11:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خطاب القسم والبيان الوزاري ليسا كافيين، إذ كان ينبغي أن يصدر عن رئيس البرلمان نص ثالث يتناغم معهما لتعبيد الطريق إلى الدولة. طبيعة الدور الذي كان يلعبه الرئيس بري على امتداد الثلاثين عاماً جعلت صدور هذا النص مستحيلاً وحولت البرلمان من عامل مساعد إلى عائق.
عقد رئيسي الجمهورية والحكومة، وهما من خارج المنظومة، لم يكتمل، لأن رئيس السلطة التشريعية ليس فحسب أحد أعمدة المنظومة بل يكاد يكون الثابت الدائم فيها. من خلاله استمر نهج الوصاية الذي حصر همه بأمرين، الأول إلغاء الآليات الديمقراطية والانتخابات واستبدالها بالتعيين، رؤساء ونواباً ووزراء، والثاني تدمير مؤسسات الدولة كلها بدءاً بالرئاسات الثلاث التي تم استبدالها بواحدة وحيدة أطلق عليها إسم الترويكا.
ما كان يفرض على اللبنانيين فرضاً في ظل النظام الأمني صار، بعد رحيل الجيش السوري، يفرض بتنسيق الأدوار بين القمصان السود وثلث وزاري معطِّل وبرلمان ممدد أو في إجازة. تكرس هذا النهج واستمر في أعقاب اغتيال رفيق الحريري بعد أن فشل الحصار الذي أطبقه الثنائي وحلفاؤه من الممانعين في الاستيلاء على القصر الحكومي.
التقاليد الموروثة من أيام الوصاية جعلت رئيس البرلمان يستمرئ أيام الشغور الطويلة فيحل خلالها محل رئيس الجمهورية ويشارك رؤساء الحكومة بتشكيل حكوماتهم ووزراء الخارجية باستقبال الوفود وإجراء المفاوضات مفوضاً من شريكه في الثنائي بتوقيع الاتفاقات وبالموافقة على القرارات الدولية، فارضاً بذلك آليات للمحاصصة ظلت فاعلة حتى بعد القسم الرئاسي والبيان الوزاري.
أول الطريق إلى الدولة إلغاء الترويكا، التزاماً بالدستور الذي ينص على الفصل بين السلطات وعلى التعاون المثمر بينها، بحيث يتفرغ رئيس البرلمان لدوره على رأس السلطة التشريعية ويتخلى عن امتيازات حصل عليها مستقوياً بانتمائه إلى حلف الممانعة وبأخوّته اللدودة مع حزب الله، متذرعاً بالمقاومة وسلاحها، ممسكاً بمسؤولياته المركبة، إضافة إلى رئاسة البرلمان، رئيساً لحركة أمل، ومديراً سياسياً وإدارياً لجبهة الممانعة وصاحب الدعوة الدائمة لطاولة حوار الطرشان، ووسيطاً منحازاً بين سلطة هو المقرر الرئيسي فيها ومعارضة تتستر وراء بدعة الميثاقية والشرعية والدستورية وترفعها شعارات غب الطلب، للحصول على مكاسب وحصص أكبر في السلطتين السياسية والقضائية أو في أجهزة الدولة الإدارية والعسكرية والأمنية.
قد يكون إلغاء الترويكا عاملاً مساعداً على تفكيك هذا الدور المركب بما يعزز دور رئاسة البرلمان كطرف محايد وحكم نزيه بين فرقاء النزاع، بدل الحلول شريكاً يعمل بالأصالة أو وكيلاً بالتكليف كأخ أكبر داخل ثنائي مذهبي يتوزعان فيه الأدوار، "بالسيف ما بتغلا دما، وللضيف منقلّو هلا" (الأغنية) ويوزعان الغنم والغرم في "قسمة ضيزى"، بموجبها يرفع حزب الله شارة النصر بين الأنقاض، وعلى الرئيس بري أن يؤمن له خط الانسحاب من الهزيمة وعلى الحكومة تعويض الخسائر، وعلى اللبنانيين دفع الأثمان.
إلغاء الترويكا هو المدخل لتفرغ البرلمان لمهامه التشريعية فيعكف على تطبيق الدستور بدل تكديس مشاريع القوانين والبنود المؤجلة من دورة إلى أخرى ورميها في آخر كل ولاية نيابية في وجه المطالبين بالإصلاح.