نهاية الحروب والسلاح للصدأ


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 10:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لطالما طرح السؤال المغلوط عن علاقة "الشيعة" بالدولة ووجوب إصلاحها، فهل تشكل المتغيرات التي نجمت عن الحرب فرصة للقيام بخطوات عملية لإصلاح هذه العلاقة؟
يتفرع عن هذا السؤال أسئلة أخرى من بينها، هل يتعلق التباس العلاقة مع الدولة بالطائفة الشيعية وحدها؟ وما هي هذه الخطوات المختلفة التي تسمح بإصلاح هذه العلاقة دون الاصطدام الذي يحذر منه البعض؟ وكيف يمكن للدولة استعادة سلطتها في مناطق هيمنة الثنائي لتصبح العلاقة مباشرة بينها وبين مواطنيها؟
السؤال عن علاقة "الشيعة" بالدولة نابع من اعتقاد مؤرخين وسياسيين يفكرون تفكيراً طائفياً ويتعاملون مع الدولة باعتبارها دولة طائفية، فيبنى على هذا الاعتقاد استنتاجات محكومة بأن تكون هي الأخرى مغلوطة أيضاً. نظرياً الدولة تبني علاقتها مباشرة بالمواطن، أما في لبنان فقد وقف ممثلو الطوائف وسيطاً في هذه العلاقة ثم تولى الأمر زعماء استنبتوا من الطوائف أحزاباً، وحولوا النائب في البرلمان من ممثل للأمة إلى ممثل للطائفة ثم إلى ممثل لزعيم الطائفة أو الحزب.
كان من نتائج ذلك قتل النطفة الديمقراطية في مهدها وإعادة النظام اللبناني إلى مرحلته الاستبدادية، وأفضل تعبير عن ذلك في العصر الحديث، نظام الحزب الواحد الذي جسدته "المارونية السياسية"، ومن بعدها على التوالي كل من "الحركة الوطنية اللبنانية" ثم "الشيعية السياسية"، بمشروع سياسي ما لبث أن تغلب على مشروع الدولة.
تولت الأحزاب القومية واليسارية وتنظيمات الإسلام السياسي مواجهة المارونية السياسية منذ اتفاقية القاهرة وقدمت مشروعاً للإصلاح السياسي يقضي بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني الذي"يحكم ولا يحاسب" ونقلها إلى رئيس الحكومة السني الذي"يحاسب ولا يحكم"، بحسب تعبير الحركة الوطنية اللبنانية. أدت المواجهة إلى اندلاع حرب أهلية عام 1975 أطلق شرارتها الوجود الفلسطيني المسلح.
توقفت الحرب الأهلية، في ظل تراجع نفوذ الأحزاب القومية واليسارية، فلم يبق في الميدان سوى الثنائي الشيعي، مدعوماً من نظامي الاستبداد الإقليمي في سوريا وإيران، ومطالباً بحقوق مماثلة للحقوق التي حظيت بها أحزاب الطوائف الأخرى، فظهر مشروع الشيعية السياسية، وهو المشروع الذي يمثل مصالح الحزبين لا مصالح الطائفة، متذرعاً بالحاجة إلى السلاح الحربي لمواجهة الصهيونية، وإلى سلاح طائفي لمنافسة المارونية السياسية على التحكم بأجهزة الدولة ومؤسساتها.
علاقة الدولة ب"الشيعة" ليست سيئة إذن إلا لأن الثنائي الذي يحتكر تمثيل الطائفة يحمل مشروعاً سياسياً نقيضاً لمشروع الدولة. وبالتالي فإن تصويب العلاقة يقتضي تخلي الثنائي وكل الآخرين عن كل ما يتعارض مع قيام الدولة، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص، دولة السيادة والمساواة والحريات الديمقراطية.
أما موضوع حصرية السلاح فعلاجه لا يستدعي الخوف من الصدام، لأن تجربة الحرب الأهلية علمت اللبنانيين درساً مفيداً، فلا السلطة السياسية في وارد استخدام القوة ولا حزب الله راغب ولا هو قادر على خوض مثل هذه المغامرة. ولذلك فإن على الدولة أن تترك أمر تنفيذ الاتفاقات والقرارات الدولية إلى من وقّع عليها، أي إلى الثنائي وإسرائيل والأمم المتحدة، فضلاً عن الولايات المتحدة التي لعبت دور الوسيط، ذلك أن الحكومة اللبنانية الحالية هي الوحيدة غير المعنية بأي توقيع، وعليها أن تتفرغ لتثبيت سلطتها، أولاً بمنع ظهور السلاح الحربي واستخدامه على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية، وبذلك يتحول السلاح في المخازن إلى خرضة ويأكله الصدأ، وثانياً بمعالجة أمر السلاح غير الحربي الذي قد يكون أكثر فتكاً من السلاح الحربي، ونعني به الطائفية التي ليست مرض النظام بل مرض أهل النظام. وثالثاً باستكمال عملية الإصلاح السياسي والإداري والمالي والاقتصادي الهادفة إلى استعادة الدولة من الميليشيات التي اغتصبتها.