الرئيس بري يتذاكى أم يلعب بالنار؟
محمد علي مقلد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 02:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ا
إذا كان حزب الله يرى نفسه من مواليد ما بعد الحرب الأهلية ويتنصل، استناداً إلى ذلك، من أي دور له أو مسؤولية فيها، فإن حركة أمل لا تملك الحجة ولا الذريعة، لأن انخراطها الكلي واضح ومكشوف منذ أن أوكل إليها حافظ الأسد خوض المعارك المسلحة ضد الحركة الوطنية بعد عام 1978 وضد المخيمات الفلسطينية عام 1985، وبعدها بقليل في "حرب العلمين" داخل أزقة بيروت، ثم في حرب الإخوة بين "الشيعة والمتاولة" في الجنوب والضاحية قبيل اتفاق الطائف، وفي عراضات القمصان السود بعد اغتيال رفيق الحريري وفي مسيرات الموتوسيكلات وبنادق الخردق والاعتداء على ثوار 17 تشرين 2019 في ساحة رياض الصلح وحول مقر البرلمان.
يتصرف نبيه بري بصفته الحصرية كرئيس للبرلمان. وإن تغاضى عن كونه متحدراً من سلالة أمراء الحرب، فإن جميع من يتعاملون معه من القوى المحلية والعربية والدولية يعلمون علم اليقين دوره التنفيذي في زمن الوصاية، ورأوا في تمايزه الشكلي عن حزب الله نوعاً من الضمانة لأنه الطرف غير المسلح في الثنائي ولأنه يمسك بزمام السلطة التشريعية كمؤسسة وحيدة قادرة على الصمود وعلى الحفاظ على الدولة العميقة إذا ما شغرت مؤسسة رئاسة الجمهورية أو تعطلت مؤسسة مجلس الوزراء.
غير أنه سها عن باله أن جميع الذين يرون فيه ضمانة للسلم الأهلي إنما يطلقون عليه هذا اللقب مع علمهم الأكيد أنه صار، بعد زوال زمن الوصاية المشؤوم، هو الذي يشكل الغطاء السياسي لتعطيل المؤسسات وإحداث الشغور في رئاسة الجمهورية وإقفال أبواب المجلس النيابي وتمديد ولايته أكثر من مرة وتجاهل الاستحقاقات الدستورية. حتى بات مسؤولاً عن تنفيذ قرارات حزب الله والحلول محله أو تمثيله في المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وعلى تفاصيل القرار 1701، متظاهراً بلبوس الحرص على الدستور والسلم الأهلي، إلى أن أنعم عليه شريكه المذهبي بلقب الأخ الأكبر.
كذلك سها عن باله، وهذا هو الأخطر، أن الاستقواء بسلاح حزب الله بات من الماضي، لا لأن موضوعه يشكل بنداً من بنود القرارات الدولية، بل لأن صاحب السلاح بالذات بات غير قادر على استخدامه في مواجهة إسرائيل، ولأن السند الخارجي انهار في سوريا ويتخبط في إيران. فلم يعد ممكناً مثلاً إطلاق مزحة جغرافية تقول بنقل نهر الليطاني إلى الحدود، أو مزحة تشريعية مثل "مادة إجرها من الشباك"، لأن السلطة التنفيذية قررت احترام الاستحقاقات الدستورية واستعادة الدولة من مغتصبيها، في ظل احتضان شعبي ودولي واسع لقراراتها.
لقد باتت لعبة التذاكي والشطارة اللبنانية مكشوفة بل مفضوحة، فلم تعد تنطلي على أحد مناورة الغيرة المستجدة على تطبيق اتفاق الطائف بكل حذافيره، من مجلس الشيوخ إلى إلغاء الطائفية السياسية، ولم يعد مستحباً تكرار تأجيل البحث بقانون الانتخاب في كل مرة إلى اللحظات الأخيرة من عمر المجلس، والتذرع بضيق الوقت، بحيث يصبح التمديد خياراً محتوماً، ولا عاد خافياً على أحد أسلوب تكبير الحجر والهروب إلى الأمام والتظاهر بالحرص الزائد، والمقصود واحد، إجهاض المحاولات الرامية إلى تجديد الحياة السياسية في لبنان.
البرلمان مطالب بتعديل بند واحد في قانون الانتخاب يقضي بإعطاء المقيمين خارج الأراضي اللبنانية الحق بالاقتراع لمئة وثمانية وعشرين نائباً، على أن يكون سن قانون عصري للانتخاب نقطة أولى على جدول عمل المجلس المنتخب، قانون لا تستخدم فيه عبارات من زمن الوصاية البائدة، مثل "على السكين يا بطيخ" أو "قصقص ورق ساويهم ناس".