علينا أن نعترف باحتضار المنظومة السياسية قبل التربوية التعليمية


مليكة طيطان
الحوار المتمدن - العدد: 3870 - 2012 / 10 / 4 - 23:53
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي     

في البدء لنتأمل هذا الهذر المروع للمال العام من أجل تنفيذ خارطة طريق مغشوشة يدعون بأنها ستنقد المنظومة التعليمية التربوية من التلاشي والاندحار ، ما يفوق 30 مليار سنتيما من ميزانية الدولة لا يمكن القفز عليها وركنها في خانة الملغى،الحكاية تتعلق بالمال العام وفي ظرفية اجتماعية قابلة للاحتقان ، هي نتيجة لعضات متتالية من سوء التصور والتنظير وأيضا التنفيذ ، هي حكاية تكليف تكنوقراط ليس له في عير السياسة ولا نفير أول علم إنساني قريب جدا ولاصق بالإنسان هو علم التربية والتعليم ، بمجرد ما طرح في سوق المنظومة التعليمية التربوية الحل السحري الجاهز المسمى البرنامج الاستعجالي وفي أوج متعة أهل البيت امتدت لكي تتلى على رئيس الدولة وملك البلاد الورقة الشاملة الجامعة للتصورات المنهجية وعمليات التنفيذ ، نستحضر أيضا ما سبق الحل السحري من شطحات تنظيرية على كثرتها وعبثيتها العقل يلفظها بدء مما تمخض عما يسمى بالدراسة التقويمية الفوقية للمجلس الأعلى للتعليم، بمعنى أن الاستعجال والسباق مع الزمن هو الحل ، هذا التنظير في حد ذاته يفصح على عَمَى لون الزمن ، أقف هنا لكي أشير إلى أنه سبق لي أن أبنت المخطط إياه ومنذ البدء في مقال ( المخطط الاستعجالي واقع الحال وتحقيق الحال )خلصت فيه إلى النتيجة التالية :
وكتتويج لوجهة نظري هذه ماذا نعني بالمستقبل وفق شروط مستقيمة للمنظومة التربوية التعليمية كما هو حال سائر المنظومات الأخرى اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية ومادام السوسيو اقتصادي أو سياسي يستدعي ما هو تربوي ؟...إنه يعني المجتمع الإنساني في زمن قادم وقد تم تحديد ملامحه على أساس معطيات موجودة حاليا ، بل على أخرى يتوجب سحبها من ثنايا الفعل سواء سياسة أو اقتصادا أو تربية أو تعليما، فأن تبقي عليها هكذا يتحكم فيها عهر التدبير والتسيير وتسكنها هشاشة التنظير والتطبيق فتأثيرها على أول علم إنساني لاصق وقريب جدا من الإنسان هو علم التربية والتعليم سيرخي بظلاله بطبيعة الحال ولاشيء بعد ذلك يتحقق وأن الأمر مجرد واقع حال سقيم وأن تحقيق المحال بأفكار يصفونها بأنها مشاريع تبني أوهاما في مخيلتهم سرعان ما يصدقون بأنه بالإمكان تحقيقها .
وكنتيجة فالمخطط الاستعجالي وفق ما تفتقت عليه جماعة التربية والتعليمية الماسكة لزمام التنظير و في صورته المغربية ليعدو كونه استعدادا للقادم من الانحطاط.
إن ما أصاب المنظومة التعليمية من فشل دريع ليس بالأمر الجديد النتيجة حتمية بطبيعة الحال ، الأمر يتعلق بمرض أصيل متجذر مزمن نقولها جهرا، أمر مدبر له من أجل إيقاف أي تطور غير متحكم فيه ، هو نتيجة تتداخل فيها شروط عدة من أجل كبح الدينامية الاجتماعية ، ألا يكون التعليم سببا في خلق كائنات إنسانية واعية قادرة على التدبر والفهم والتخطيط للمواجهة بمعنى إنسان قادر على إيجاد مخرج للمعضلات ، بالمختصر خلق كائن قارورة تملأ بمفاهيم مغلوطة من أجل تكريس نفس الواقع ، عبر مراحل ما يسمى بالإصلاح ، نقف على حقيقة من يتدبر الأمر وهم ينطلقون من نفس المرجعية ، نفس التصور ، هو إرث تاريخي يستند على أسس عقدية وولائية لما هو قائم ،هنا أستحضر التحكم في كبح جماح التحليق في عالم الفكر وتجديد الفكر بحذف مادة الفلسفة في السبعينات مقابل التركيز على التربية العقدية ، انقلبت المعايير رأسا على عقب وكنتيجة هاهي الجامعات والمعاهد العليا بما فيها المميزة مرتعا لتفريخ الظلام وكنتيجة تغتال المؤسسات الراعية لإشاعة ثقافة التنوير مثلا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي أصبح مجرد ذكرى .

إن شرط ما قاله الملك في خطابه الأخير بمناسبة إحياء ذكرى 20 غشت هو السماح بالنقد الموضوعي دون حدود حمراء ، على اعتبار أن الفشل الدريع للمنظومة التربوية التعليمية لا يسعف طبعا في تحقيق أي رهان من رهانات التنمية المجتمعية وغيرها ، إنها أزمة بنيوية مركبة يتداخل فيها السياسي والسوسيو اقتصادي ، فعبر مسار ( الإصلاحات )الفوقية تتوالى وصفات تهم البرامج المناهج طرق التدريس ، مناولات تنظيرية وأخرى تنفيذية تخاطب الجميع على أنهم سواسية بمعنى رؤية أحادية لتصور أحادي وفي غيبة من القائمين بعمليات التنفيذ والكلمة الفصل للتكنوقراط ، وكنتيجة إعادة إنتاج نفس التركيبة نفس التوجهات ، لا يطرح البعد الاجتماعي، الخصوصيات على مستوى الجغرافية ( القرية - المدينة - الصحاري - الجبال - الفيافي - الخ) أيضا اللهجات ، لا تستحضر خصوصية المادة الخام أعني التلميذ ، مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة تم وأده أولا سياسيا حتما يرخي بظلاله على التربويات التعليمية ، أبناء الفئات المغبونة اجتماعيا مثلا وهي أكبر شريحة تلج المدرسة تعاني من قصور في كل الواجهات ، سلسلة من الإختلالات في النمو والقصور المعرفي ، عالم التهميش أبناؤه غير متفهمين عدوانيين ، يفتقرون للمنبهات الحسية والأجوبة والمعاني واللغة بالإضافة إلى افتقاره للنظافة والصحة والخبز اليومي وليس بغريب أن يتميز أبناء هذه الفئة بعدم التكيف والاندماج. بصيغة أخرى ومادمنا بصدد ثاني الوقوف أمام المبدأين، المساواة وتكافؤ الفرص عندنا لا ينظر إليها كمسألة قيمة أخلاقية سياسية بالدرجة الأولى وهل هي صيرورة أم شيء طارئ ؟ تزايد التوقعات القادمة من رحاب تحقيق المبدأين انتهت منذ عقود لأن رمزية التعليم كوسيلة للترقي الاجتماعي لم تكن إلا أمرا طارئا سرعان ما خفت ، نتتبع الحصيلة في معارك نضالية ينخرط فيها خريجو الجامعات بما فيهم حملة الشواهد العليا ، بدوره تطويق الأزمة لا يغدو أن يكون مسكن آلام بمعنى أن عطالة الخريجين ضحايا السياسة عموما وليس المنظومة التعليمية فحسب يتزايدون بشكل سرطاني والحبل يلتف على رقبة من يدعي ربط المنظومة بسوق الشغل. وعلى الرغم من ذلك نسجل باستغراب التحدي المجسد في أن الطلب الاجتماعي الأسري على التعليم لم يتوقف .
برنامج للجميع بطرق تلقينية عبثية لأنها تقوم بدور معاودة إنتاج علاقات النفوذ، وللإشارة لا مكان للنظرية الكلاسيكية بالنسبة للمنظومة التربوية التعليمية المغربية مهما تعددت الإصلاحات السحرية بما فيها المستوردة والتي تؤمن بصقل القدرات العقلية من خلال العلم المجرد (الرياضيات - الفيزياء -الخ )أيضا نقل الثقافة الموروثة عن الماضي من جيل إلى آخر ( المعلومات المتراكمة )فإذا كانت النظريات الكلاسيكية تفصل في معاودة الإنتاج ثقافيا بشكل مستقيم ودون إفراط أو تضليل ، مثلا تدريس تاريخ حقيقي غير مزيف وللشعوب بدل الأفراد ، واعتبار التعددية اللغوية واحترام الغيرية والحذر من هدر الوعاء الزمني في تربية العقيدة على حساب ما يصقل القدرات العقلية فهذا هو المنشود ، لكن النسخة المغربية تعيد نفس الإنتاج الاجتماعي والسياسي ، بمعنى تتجاهل التأثير الخاص الناتج عن العلاقات الرمزية القادمة من أحشاء العلم إلى معاودة إنتاج علاقات نفوذ لا غير .
نعم أزمة مركب فعلت فيها الأطر التعليمية ، غاب الزمن الذهبي للمدرس النموذج وطفا على السطح من اتخذ من التعليم حرفة عيش ولوجه المهنة تحت طائلة إيجاد منفذ يقيهم شر العطالة يغيب عندها امتلاك التصور التربوي الواضح وأتحمل مسؤوليتي في هذا الحكم ، بصريح العبارة غير ملتزمة غير مبدئية في حين من المفروض أن ينصب الاهتمام على تكوين ( أنتجلسيا ) ملتزمة مؤمنة بالقضية التعليمية بقيمة الإنسان ومن خلالهما الانتماء إلى منطق الوطن هذا إذا ما تكلمنا بلغة الوطنية ، هناك استثناءات لكنها نادرة جدا فمن يتحمل مسؤولية إشاعة ثقافة انتزاع الحق وحده مجردا مع العلم أن الكلمة مقرفة في ظل تردي وتقهقر المنظومة ويكون المدرس طرفا محوريا في المعادلة ، أقول ثقافة الحق والضرب عرض الحائط بثقافة الواجب ، في هذه النقطة بالذات وأكيد في سياق أسئلة موالية في وجهة نظري هذه لابد من إبداء حمولة ما يسجل لمؤسسات تنخرط بصيغة أو بأخرى في بلورة هذا الانحطاط والأمر بصراحة يتعلق بالأحزاب والنقابات وتلك الكائنات النابتة كالفطر المسماة جمعيات باسم الشراكة تحصد مال الدعم الذي لا يجد الدفء إلا في جيوب أرباب هذه المقاولات المندرجة تحت لواء ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني ، أيضا انعدام التكوين المستمر باسم الشطحات الإصلاحية ومن خلالها المسماة تكوينية وما تستدعيه من هدر للمال العام نتساءل عن الخيط الناظم يصل القمة بالقاعدة من الانطلاقة إلى الوصول تكون كل الجهود والميزانيات المخصصة قد تبخرت ولا نتيجة ملموسة تحققت وكما هي العادة لاشيء يتمم دورته الطبيعية .
أيضا لا يمكن القفز على ظروف العمل وما يخترقها من صعوبات على مستوى البنيات التحتية في القرية والمدينة ، أقف هنا لكي أشير إلى استقالة من يهمه الأمر في توفير مؤسسات تعليمية جديدة أثناء كل خطوة تعميرية لمركبات وأحياء سكنية جديدة ، المفاجأة يتم السطو على الفضاء المخصص لأبناء الشعب لكي ينفرد أصحاب الشكارة مقاولو التعليم الخاص بهذه الصفقة ، أطرح الاستفسار على الوزارة الوصية وعلى المجالس المنتخبة من تسبب في ظاهرة الاكتظاظ إذن ؟
نعرج على البادية ونستحضر الوضعية المزرية للبنايات المدرسية أختزل الوصف في التالي : التواصل الإجتماعي ( الفيس بوك ) يروج هذه الأيام صورا كاريكاتورية لحالات ما يشبه المدرسة تعبر الصور على ما آل إليه فضاء التعليم وما يخترقه من علم وعرفان تظهر البناية المتآكلة التي صارت إسطبلا لقيلولة دواب وكلاب الدواوير وخردة لا تحمل من التجهيز إلا الاسم وليس بغريب أن يكتب تعليق يتهكم بالتالي : في إطار انفتاح المؤسسة على العالم الخارجي ، أعتقد الرسالة وصلت .
عن أي مدرسة عمومية نتحدث ؟ هنا تبدو الدولة وقد أنهت باجتهاد تعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين وبعدهما المنظمة العالمية للتجارة والقاضية بخوصصة القطاعات الحيوية وفي مقدمتها التعليم والصحة أقول تبدو وقد نفضت يديها تماما ، أصبح المتحكم هو الهاجس النفعي التجاري فقط ، قد يكون صاحب ( الشكارة )عراب خمور ومواخير وأندية قمار - هناك بعض الاستثناءات -من يسير المركبات المدرسية المقاولة أبناؤه قد يحملون حقدا للدراسة والمدرسة والمدرسين نتيجة فشلهم بتدليلهم ولعبهم في عائدات ثروة الباطرونا في مجالات غير نظيفة ، هكذا يجمع العلم والعرفان مع نتانة السوق في سلة واحدة .
على حساب المدرسة العمومية الفاقدة لكرامتها تنتعش الباطرونا المستثمرة في القطاع الخاص ، والكارثة طال تحديها وزير التربية الوطنية والرأي العام مؤخرا بعد إصدار قرار تنفيذ المذكرة 109 ولا أعتقد بأنه سيتجه صوب التنفيذ وقطع الطريق على بعض منعدمي الضمير الجشعين من المدرسين بالعمومي الذين يفرغون طاقاتهم في المقاولات الخاضعة لمنطق فائض القيمة . هنا أقف لكي أستحضر مبادرة الوزير الأول السابق إدريس جطو القاضية باستفادة من استثمر من امتيازات ضريبية ودعم مادي في مقابل الالتزام بتوظيف المعطلين حملة الشهادات والأفق 4 سنوات وانخراط الوزارة بالتكوين المجاني لهم ، لكن (الكومبرادور) لم يف بالتزامه والمصيبة على حساب أبناء الشعب أي استنزاف طاقات مدرسي الدولة والآن التهديد بسنة بيضاء هكذا القراءة النفعية ، لم تف باطرونا التعليم الخاص بالالتزام لأن توظيف أطر خاصة بهم فقط يستدعي الالتزام براتب محترم والترقي والتغطية الصحية وترتيبات التقاعد المريح .
وهكذا بدل أن يكون الخصوصي جزء من أجل حل الأزمة تحول إلى جزء في تعميق الأزمة ومكرسا لها ...ينرخرط بعض المدرسين والمدرسات في تكديس الثروات هذا إذا ما أضفنا حكاية الساعات الإضافية في المنازل إلى فترة متأخرة من الليل استراحة المحارب تكون طبعا عند أبناء الشعب أي المؤسسات العمومية

ما دامت الأزمة مركبة فإشكالية انحطاط وفشل المنظومة التعليمية التربوية في المغرب أختزل الإجابة عليه في طرح التالي :
هل يمكن صياغة نسق تربوي تعليمي ديمقراطي قائم على ركائز المساواة وتكافؤ الفرص والمنظومة السياسية غير ديمقراطية أفقيا عموديا ؟ أصل الانحطاط ومن خلاله الاحتضار قادمة من أحشاء الارتجال في السياسة والاقتصاد ، دائما نستحضر السياسي والاقتصادي فالاجتماعي الذي يستدعي التربوي التعليمي ، في هذا السياق نعرج على الإصلاحات المستوردة والتي انتهت صلاحيتها يتربع على سدتها ما يسمى بالميثاق الوطني للتربية ، لاشيء يتحقق وعلى الإطلاق ولا إنجاز يتمم دورته الطبيعية حتى النهاية .
المنظومة التربوية برمتها مكمن ضعف ، الإصلاحات في حد ذاتها جذر ومنبت الهشاشة ، في سياق إجاباتي على السؤالين الأول والثاني حاولت ما استطعت ملامسة البعض من مكامن الضعف لكن على الرغم من ذلك حري بنا أن ننتبه جيدا فالأزمة ليست بالضرورة أزمة بنيات وبرامج ومناهج وكتب مدرسية فقط بقدر ما هي أزمة موارد بشرية وأكرر أزمة موارد بشرية أزمة تدبير إداري، التواصل بين الأطراف من القمة إلى القاعدة يحضر فيه الجانب الانتهازي النفعي فقط ، على مستوى العلاقات تفككت بشكل ينم على أن الوزير ليس بوزير ونوابه تحت ضغط الشارع النقابي المتعدد الوصلات .