عن هول ما جرى أحدثكم ( ورقة ثانية من ذاكرة معتقلة سياسية سابقا )


مليكة طيطان
الحوار المتمدن - العدد: 6405 - 2019 / 11 / 11 - 03:34
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن     

ا ... الآن سأؤجل فصول ملحمة التشفي إلى حين المناسب في ترتيب السرد ...سأكتفي برواية المقطع الأخير الحي السائر المفعول أتناغم معه بمتعة إمكانية الانتشار دون تلجيم ذاكرة مترعة بكوابيس العنابر والسجان لم يأبه لسماعها غرباء الزمان والمكان ...
وعن هول ما جرى أتحدث ذات زمان عن حالة انتقيتها من بين رزمانة المحكيات المبكيات لرفيقة العنبر اليهودية سأرويه بالتفصيل دون استعارة أو مجاز ... ما علق بذاكرتي شيء ما تلك الليلة يؤرق جورجيت الطيبة ذات الحكم وثلاثة عقود في قضية لم أجرؤ يوما عن الاستفسار ما هو الخطب وهذه القامة الهيفاء ؟ رغم أنها تجاوزت نصف قرن بقليل ممرضة كانت واستمرت كذلك في الاعتقال تشاركني نفس العنبر الفسيح النظيف بأسرته وغطاء ليس كما هو حال العنبرين الرئيسيين ( شرع الباشا ودرب عمر ) صورة طبق الأصل لصف مراحيض جامع لفنا رغم تناوب تنظيفه بما يخبئن من شمبوان وصابون ممنوع حيازته ومشط الرأس هي أدوات قلع القادورات و المخلفات...
جورجيت من اخترتني أن أكسر وحدتها كنت مكرهة لكي ألبي رغبتها فمستملحات ونكث وغرائب بنات جامع لفنا والخطرات والحاجة الزعراوية و نعيمة الحوت ونعيمة النظاري عباس ومحجوبة الموتشو وخيرة والشيخة باضا والعابرات على ذمة بعض الأيام أو الأشهر تثير فضولي تكسر زمن حصاري أرتبها دوما في دفتر ذاكرة ما زالت طرية دون حاجة إلى أوراق أو أقلام ممنوعة , قد تعوض بالزيتون الأسود بها نسجل أرقام أوراق اللعب (الكارطا) ... فاستمعوا جيدا وقارنوا يا جيل حقوق الإنسان... ليلة الفجيعة و كوابيس حرارة جسم أنا (ذات) نزلت من سريرها بالهوينى ... دنت مني فأنيني قض مضجعها كما يبدو أذهب الغفوة المعتادة قبل الخلد إلى النوم... أشاحت الغطاء على وجهي بعدها خلعت ملابسي الفوقية ... لم أنتبه إلى عينيها وقد اغرورقا دموعا تصيح بصوت ملائكي طالبة النجدة في نفس الآن مددت يدايا الاثنين من الأصابع إلى الترقوة والكتفين ... ركضت إلى السياج الحديدي المغلق بمفتاح السجان فنزولا عند نصيحة الطبيب لا يغلق الباب الحديدي فقط السياج ما دام الأمر يتعلق بالأزمة التنفسية تعاني منها جورجيت منذ سنوات ومع الاعتقال صرخت بصوتها المنساب بإيقاع حميمي ولكنة عشيرتها بطبيعة الحال ... بسرعة وقفت أمام السياج حارستا المداومة فالوقت لم يحن بعد لفتحه دون إذن من رئيس المعقل بمعية المدير ...
تشهق العزيزة وتشير إلى تقرحات عميقة حدثت فجأة بالغة تفيض بالعفن قسمت عضديا الاثنين إلى عدة ثنايا ... أما الأصابع فلم يعد بينها مسافات و الأظافر فعلى أهبة الرحيل ...
رجعت صديقتي شريكة العنبر جورجيت حيث سريري تحسست وجهي والحركة أمومية التفتت إلى السياج تخاطب السجانتين المداومتين برعب همست بما يفيد وانطلاقا من خبرتها : أخاف أن يتعلق الأمر بأعراض وخيمة ربما تدمير أعضاء داخلية قد يكون الكبد أو الطحال ... انسحبت السجانتان في انتظار انبلاج الصبح واستئناف العمل والإدارة ستكون على استعداد... جلست جورجيت القرفصاء أمامي تحصي حشرجاتي وأنين آلامي ...تمسح دموعي ترش ما تتوفر عليه من مطهر أحمر بني غامق ... تمسح بلطف ما ينساب من التقرحات ...ولأول مرة أرى ابتسامة جورجيت فكما العادة لم يسبق أن لاحظ الجميع أنها تبتسم أو حتى الكلام فقط تؤدي مهمتها الإنسانية بتلك الصرامة الايجابية ... كأن لسان حالها من الضروري بناء مسافة لكي لا تذهب بشخصية تحرص على ألا تفقدها عند إطلاق سراحها وبالتالي لا تشكل لها أي معيق عند الاندماج مع أفراد ديانتها وحتى ما تبقى من معارف ينتمون إلى طبقتها ثلاثون سنة مدة اقتنصت ابتسامة وأذهبت بريق ملامح حقيقية ليهود مغاربة يقتسمون و بعض المسلمين تفاصيل كثيرة من حيث لون البشرة والشعر وسر سواد العينين والحاجبين الكثيفين ... ناولتني كأسا من ماء معدني بسكر... لا أخفيكم سرا شعرت بما يشبه الراحة أذهبت إلى حد ما وجعي... انزوت إلى مكانها المعتاد عند الصلاة ... تناولت كتابها المقدس ( التوراة ) رفعته إلى شفتيها بتلك الحركة المعتادة بدأت تتلو بحركة ذات الأمام وذات الخلف ... بين الفينة والأخرى ترفع أكفها وتنظر حيث أنا بدا لي أنها ذكرت اسمي أو خيل إلي ,,, أرجعت سفرها إلى غلافه الأخضر المزركش بأحرف عبرية ووضعته في الدولاب ... خاطبتني غدا أستاذة هكذا تناديني سأطلب من مي عائشة أن تدعو تتشفع الله في صلاتها من أجل شفائك وقبل أن تنقلين إلى المستشفى إن شاء الله .
سا محوني فللسرد بقية .