رسالة إلى من يهمه الأمر في ملف الأطر العليا المعطلة


مليكة طيطان
الحوار المتمدن - العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:29
المحور: حقوق الانسان     

في البدء أذكر أن هذه الرسالة موجهة لكل الأطراف المعنية بالأمر ، الطرف الأول هو الدولة باعتبارها طرف المعادلة الأول في معالجة ملف الأطر العليا المعطلة ، الطرف الثاني هو الجمعيات نفسها التي أخذت على عاتقها مهمة النضال من أجل انتزاع حق دستوري وإنساني لهذه الأطر التي يأكلها الوقت والفاقة والعوز ولا من يستجيب لهذه المطالب ...أنا كمواطنة خبرت دروب النضال بتلاوينه وتجلياته ومنذ أن كان النضال يتم وفق طقوس مختلفة جذريا عن هذه الطقوس التي تلجأ لها بعض الجمعيات والنقابات من أجل انتزاع الحق ...طقوس تنسجم تماما وشعار أنا ومن بعدي الطوفان ...في السابق عندما كنا نركب مطية النضال لم يكن في اعتبارنا مصلحتنا الخاصة والضيقة بقدر ما أن الأمر يتعلق بانتزاع حق مشاع بين كافة المواطنين ، بل من أفواه الأسد انتزعناه ...بل أدينا ضرائب لهذا النضال انتزعت من سنوات عمرنا ...من قوتنا ...من موارد رزقنا ورزق عائلتنا بالطرد والتشريد والنفي والاقصاء

الآن بدءنا نعاين طقوس نضال خاصة جدا الهدف منها هو امتياز التوظيف لفئة واقصاء أخرى وهذا هو الأسلوب المتبع من طرف جمعيات بدورها تمارس الاقصاء في مواجهة البعض لكي تسد منفذ الاستفادة العامة مع العلم أنها ترفع شعار المعالجة الكلية لهذا الملف وكما تقول في إحدى خطبها ( نريد الحل الشامل والمباشر والفوري لملفنا المطلبي وكفى المعطلين شر الاحتجاج ) وفي فقرة ثانية تلح على الادماج الفوري والمباشر في أسلاك الوظيفة العمومية إضافة إلى ضمان المساواة في اجتياز المباريات العمومية أمام الراغبين في اجتيازها ...كلام جميل هذا لكن الواقع شيء آخر يختلف أفقيا وعموديا مع هذه الشعارات مادامت تقنيات النضال تنطلق من مستوى لا ديموقراطي ...من مستوى ضيق الهدف منه هو قضاء مصلحة نزر يسير من جيش الأطر العليا المعطلة ...بماذا يفسر أصحاب المجموعات سد باب الانخراط في وجه الأطر التي لا تسمح لها امكانتها المادية والصحية بالمرابطة أمام البنايات الحكومية والبرلمانية ؟ بل بماذا تفسر هذه الحالة حينما توجه معطل إطار إلى الرباط السنة الماضية لكي ينخرط في إحدى المجموعات لكنها جميعها رفضت بدعوى أن باب الانخراط مسدود وأن الحوار مع الحكومة يشمل فقط ماهو مدرج في اللائحة ؟ ...تفسير واحد قرأته في جنبات هذا السلوك مفاده هو الرؤية الضيقة والانتهازية لكي يكون العدد قليل وبالتالي يتاح لأصحاب القرار والوقت والمزيودة الحكومية تطويقه وبالتالي توظيفهم ...هكذا تمارسون النضال يا أيها الشباب ولا تعتبرون المأساة تخص الوطن في عمقه وأن الحلول يتوجب أن تكون جذرية ولا ترقيعية ...هل النضال في نظركم هو عدد الشهور والأيام التي ترابطون فيها أمام البنايات وواقتحام المقرات ؟ لست في موقع دفاع عن أي كائنات حزبية أو نقابية أوحكومية فقط أود أن أشير إلى أن الضرورة تقتضي تغيير الاتجاه في اتجاه انتزاع الحلول الجذرية وليست المؤقتة ...بالامكان وضع استراتيجية نضال أكثر جودة وايجابية وألا تقتصر على حلول هشة أو مسكنة ...حري بكم أولا البحث عن حضن حقوقي قوي وصلب كالجمعية المغربية لحقوق الانسان ومن هذه الدار توزع بنود الاستراتيجية بدل الكولسة واختلاس لحظات خلوة مع الطرف المعني أي أصحاب الحكومة ومن يدور في فلكها ...هل تعلمون بأن أصحاب الحكومة في تواصل مستمر وفي الخفاء مع زعماء الجمعيات لكي ترتب الأسماء المزعجة فتلبي مطالبها وبالتالي تفرغ الجمعيات من محتواها النضالي مع العلم أن مثل هكذا اعتقاد بليد فالحركية النضالية والمطلبية تنجب بالضرورة عناصر أخرى أكثر شراهة من سابقاتها

أما الطرف الثاني المعني بالأمر فهو الحكومة ، كمواطنة لا أدري كيف تفكر هذه الكائنة وهل أصلا تتوفر على أفكار تبسطها على أرض الواقع ؟ من جهة تتداخل الأمور ولا يدري المتتبع من يملك زمام تدبير هذه الملفات ؟ ...اللحظة قرأت في إحدى الأسبوعيات مستملحة مفادها أن وزيرة الأسرة قالت بالحرف ...واهم ومخطىء من يعتقد بأن الدستور يضمن ايجاد العمل في أسلاك الوظيفة العمومية ؟؟ لنتفق مع هذه المتعة التي فاهت بها هذه الوزيرة التي ضمن لها الدستور الاستوزار مقابل التساؤل التالي : من يتحمل مسؤولية الخطأ الجسيم ؟ هل الدولة أم الأفراد ؟ ...أي دولة ولو في جزيرة الوقواق تعتبر العلم والعرفان ديدن تحركها خصصت له اعتمادات هي الأولى في ما يتبقى في شكارتها بعد النهب والخطف والتملص ...لسان حالها ينطلق من العلم والتعليم وما بينهما ، أطفالنا يتابرون ويجتهدون، الدولة نفسها تقسم المعارف والعرفان إلى فروع شتى من علمية وأدبية وتقنية وفلاحية وشرعية وحقوقية الخ .. وكتتويج لهذه المسيرة تفاجؤك الدولة بمقولة نشاز مفادها إنها ليست بحاجة إلى هكذا معارف وعلوم وتخصصات فسوق الشغل صاحب الكلمة الفصل يعني دكتور في الفيزياء لا يساوي جناح بعوضة في المغرب فيا وطنا تستهزىء بوقاحتك الأجيال ...بصفاقة لم نعهدها في سالف أزمنة الشر يطل صاحب أو صاحبة القرار لكي تعبر بما تجود به حقينة الانتهاز ...عن أي ارتباط بالوطن نتحدث وهم بارعون في لي عنان الحقيقة ...يا أيها الناس ابحثوا ونقبوا عن النتوءات التي تقف في وجه الانطلاقة الحقيقية لدولة الحداثة والانسان ...بكل تأكيد تجدونها تحوم بين كراسيكم فالمغرب متعدد الأطراف من طنجة إلى الكويرة ومن وجدة إلى أكدير وما بينهم من متاهات بل وصنفوها ضمن مجاهل افريقيا وليس المغرب الرباط والدار البيضاء ...وبما أن الشيء بالشيء يذكر تحضرني الحكاية التالية التي حفزت بي أن أرقن هذا الاستطراد كما أن الحكاية في حد ذاتها أعتبرها منطلقا يتوجب الأخذ به من أجل أن يغير اتجاه النضال عند هذه الفئة من المواطنين الباحثين عن رحاب عيش بسيط أي جمعيات المعطلين الأطر بالمغرب تقول الحكاية

ثمة دكتور في الفيزياء بإحدى مدن الجنوب على مشارف نهاية العقد الثالث والبدء في الرابع منذ سنوات وهو يطرق باب التشغيل مع العلم أن رب الأسرة أي الأب مخزني يعني ( مردة )متقاعد والإخوة عددهم ثمانية في ما يشبه السكن يستقرون مهددون بإفراغ هذا السكن المخزني لأن الامبراطور الشعبي لهم بالمرصاد من أجل توسيع الامبراطورية المترامية الأطراف ، لكن المبكي في القضية أن يكون قدر هذا الدكتور مختصرا في العناية بجدتيه لأمه وأبيه يقارب عمرهما قرنا من الزمن وتكون الأقدار حائلا وتواجد الدكتور المستمر أمام البرلمان أو مقر حزب الاستقلال أو ما شئنا من منتزهات المقرات الحكومية لكي يمد العون لهاتين العجوزتين فلا معيل أو مكفل بهما واسألوا أصحاب الدولة بطبيعة الحال عن حكاية تكفل العجزة والمعوزين والمعوقين فعندها الخبر اليقين بطبيعة الحال ...أن نصدر أحوالنا الاجتماعية إلى من يهمهم أمر البشرية في هذا الكون شريطة ألا تتدخل رقابة قولوا العام زين أو تلميع وجه المغرب بمساحيق الكذب والبهتان فتلك حكاية أخرى أفصحت عنها أستاذة مسؤولة على قسم أو مديرية بوزارة العدل حضرت الأسبوع المنصرم إلى كوبنهاكن بالدانمارك من أجل إلقاء عرض يتعلق بأوضاع المرأة وأيضا مسألة العنف وفي سياق الحوار طرحت الأستاذة بيان صالح منسقة مركز مساواة للمرأة بالدانمارك تساؤلا عريضا ومفتوحا على المحاضرة بخصوص العنف المتواجد في المغرب بصيغة تجارة المتعة الجنسية التي يقود إليها العنف الاجتماعي والعنف الاقتصادي ، لم تتمالك المحاضرة نفسها أرغدت وأزبدت ونفت أن يكون هناك شيئا يسمى البغاء أو دعارة في المغرب بل عقب ثلاثة رجال كانوا صحبة المحاضرة بأن الدعارة في المغرب لا مجال ، فقط هناك نساء من أجل البحث عن متعتهن ينخرطن في ذلك عن طواعية فاسمعوا يا أولي الألباب فهذا عذر أقبح من زلة وهاهم يتهمون نساءنا بأنهن شبقيات أكثر من اللازم إلى حدود البحث عن الارتواء الجنسي ليس إلا ... أدرجت هذه الحكاية لكي أصل مرحلة أن شرح الواضحات من المفضحات بخصوص المآسي والآفات الاجتماعية حين تكذب وتحتال الدولة سعيا إلى تطويق المظهر لكن تنسى وبكل تأكيد أن حبل الكذب قصير وأن الحقيقة لا محالة ستتجلى وثقوب النظام اتسعت وبكل تأكيد ستبين عن العورات

صديقنا الدكتور ينوب عن الدولة ويضطلع بإحدى مهمات وواجبات الدولة المتمثلة في رعاية المسنين والقضية مسكوت عنها بل يتوجب رفغ الغطاء عن هذه الأطباق ، لكن الدولة عجزت حتى على إحصاء أطرها العليا المعطلة بل وتتدعي بأنها لا حاجة لها بهم وهي مستغنية عنهم وأنه أحمق أو مهبول من يدعي بأن الدستور يضمن الحق في الشغل في الوظيفة العمومية، لم أقل أنا هذا الكلام من فراغ اسألوا وزيرة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية فعندها الخبر اليقين ...نتفق معك أيتها الوزيرة التي أخذت منها عوامل التعرية و بهث لونها الأحمر بطبيعة الحال ونردد معك بأن الدستور لا يضمن هذا الحق ترى ماهو البديل سيدتي ؟؟ ستعقبين أو ربما هذه المرة أحد رفاقك في الحكومة الموقرة سينوب عنك ويدلي بتبرير مفاده أن سوق الشغل ليس في حاجة إلى هؤلاء الخرجين ولو تكون دكتوراه في الرياضيات أو الفيزياء فالاكتفاء الذاتي حصل ووصل حد التخمة ، بل يمكن أن نصل مرحلة تشكيكهم في الشواهد العلمية فيا عجبا لكائنات تتنفس هواء الكذب والبهتان وتلقي بحمولة المشكل في خانة الماضي فهل الدولة كانت سكرانة أو محششة حينما صنفت أدراج التعليم ؟ وهل الخريجون سقطوا من كوكب آخر لكي تتملص الدولة من مسؤوليتها ؟

هذا غيض من فيض الآلام التي تحز أركان إحساس كل إنسان مازال يتوفر على نفس يدعي فيه أنه ينتمي إلى وطن اسمه المغرب بارع في التصدي بكل ما تجود به حيل الجور والتهميش والاقصاء ، أجهر من موقع المتتبعة للملف في شخص الدكتور الذي جعلت منه حالة ميدانية ملموسة وأنتم الجمعيات تتحملون الجزء المهم في هذا الظلم والاقصاء فبكل تأكيد إذا استمر دخولكم عالم الشغل عبر الأبواب الخلفية سيستمر الحال كما هو بل ستتعمق المأساة وتكرار التجربة سيكون أكثر كارثية فرفقا بالنضال لأن الطامة أكبر من أن تحتوى بالترقيع أو التدليس أو الكذب والبهتان بل أكبر من أن تتم وفق معيار أنا ومن بعدي الطوفان