أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الجولان خارج الخريطة.. وخارج أولويات السلطة














المزيد.....

الجولان خارج الخريطة.. وخارج أولويات السلطة


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تُمحى أرض من الخريطة، تبدأ أولى مراحل التفريط. وحين تختار السلطة الصمت، يتحول الصمت إلى موقف مكتمل الأركان. فالدول لا تفقد أراضيها دفعة واحدة، وإنما تتنازل عنها بالتقسيط: مرة بالسكوت، مرة بالإهمال، ومرة بإعادة تعريف "الأولويات" تحت ضغط الوقائع والظروف.
والأخطر من ذلك هو الاعتياد على الغياب؛ فالاحتلال العسكري، مهما طال، يبقى حالة صدام تُذكّر بالحق المغتصَب، أما تغييب الأرض عن الخريطة الرسمية فيفتح الباب لمرحلة قاسية: التطبيع مع الخسارة، ومحو الذاكرة الجمعية من الورق ومن الوعي معاً.
في هذا السياق، يثير حذف هضبة الجولان السورية المحتلة من بعض الخرائط الرسمية، أسئلة مصيرية حول طبيعة السلطة الانتقالية الحالية في سوريا، وحدود صلاحياتها في قضايا السيادة التي تتجاوز إطارها المؤقت.

الجولان: جغرافيا تُختَطَف وذاكرة تُمسَح
تُعدّ هضبة الجولان جزءاً أصيلاً من الأرض السورية، محتلة منذ 1967، ومعترف بحق سوريا فيها بقرارات مجلس الأمن (242 و338). تغييبها اليوم يُقرأ كتفريط صامت يبدأ من الخرائط الرسمية وينتهي بمحوها من الذاكرة الوطنية.
هذه الهضبة البازلتية الخصبة الواقعة في الجنوب الغربي من سوريا، تبلغ مساحتها نحو 1,800 كيلومتر مربع، احتلت إسرائيل منها قرابة 1,200 كيلومتر مربع. قبل الاحتلال، كانت تضم أكثر من 160 قرية وبلدة سورية، دُمّر معظمها قسراً، ولم يتبقَّ اليوم سوى خمس قرى مأهولة بأبناء الأرض الأصليين، في مقابل توسع استيطاني ممنهج يهدف إلى فرض واقع دائم بالقوة والزمن.

من الاحتلال العسكري إلى المحو الإداري
إسرائيل لم تكتفِ بالاحتلال العسكري، بل أعلنت ضمّ الجولان عام 1981، في خطوة رفضها المجتمع الدولي بقرارات واضحة، أبرزها قرار مجلس الأمن رقم 497 الذي عدّه "باطلاً ولاغياً". اليوم، تستفيد إسرائيل من ضعف الموقف السوري الرسمي، ومن صمت سلطة انتقالية تتعامل مع القضية وكأنها عبء مؤجَّل وليست أولوية وطنية.
إخراج الجولان من الخرائط الرسمية يُعدّ تخلّياً سياسياً تدريجياً لصالح الاحتلال، ولا يمكن تفسيره كخطأ تقني. فالخرائط ليست رسوماً تعليمية عابرة، بل وثائق سيادية تُعلن للعالم حدود الوطن الذي تدافع عنه الدولة. وحين تُمحى أرض محتلة من الخريطة، يتراجع الحق القانوني والأخلاقي فيها، ويُمنح الاحتلال خدمة مجانية لم ينجح في انتزاعها عبر الحروب.

حكومة انتقالية بلا شرعية
تكمن الخطورة في هوية الجهة التي تمارس هذا التغييب؛ فالحكومة الانتقالية الحالية لم تنبثق عن انتخابات شعبية، بل تشكّلت كسلطة أمر واقع في 8 كانون الأول 2024، نتيجة صفقة إقليمية–دولية، من دون أي تفويض وطني عام. وهي بذلك تعاني أزمة شرعية بنيوية، إذ يحصر القانون الدولي والأعراف السياسية دورها في إدارة المرحلة لا تقرير مصير البلاد.
صلاحيات هذه السلطة تقتصر على تسيير الشؤون اليومية والتمهيد لانتقال سياسي كامل، ولا تمتد إلى قضايا السيادة المصيرية، كالحدود أو التفاوض على أراضٍ محتلة. فترسيم الحدود وصنع السلام الدائم قرارات سيادية لا تُتخذ إلا بإرادة شعبية حرة، عبر ممثلين شرعيين، لا بقرارات تصدر عن سلطة مؤقتة وُلدت في ظل ظروف استثنائية.

صمت الحكومة.. ثمن البقاء في سدة الحكم
صمت الحكومة الانتقالية عن حذف الجولان من الخريطة خيارٌ محسوب لإدامة بقائها، صمتٌ تعاقدي تُدفع كلفته أرضاً محتلة. تتحول الجغرافيا إلى ثمن سياسي، والموقف الوطني إلى مقايضة: دعم مالي وسياسي يثبّت سلطة مؤقتة، ويحوّل الجولان إلى ورقة تفاوض في أيدي أطراف إقليمية ودولية.
وحين تمتنع السلطة عن رسم حدود الوطن، فهي تعلن بوضوح أن بقاءها أَولى من الأرض. تُقرأ هذه الإشارة في تل أبيب كضوءٍ أخضر لتوسيع الاستيطان، وفي العواصم الداعمة كتبرير لاستمرار الرعاية، بينما تُسوَّق للسوريين تحت عنوان "الواقعية السياسية"، في حين أنها تفريطٌ منظّم يُنزل الوطن من مرتبة الثابت إلى مستوى السلعة.
الخطر الأعمق يتجاوز ضياع الأرض، إذ يوجّه رسالة قاتلة مفادها أن الحدود تُمحى حين تتعارض مع مصلحة السلطة، وأن الاحتلال يُعاد تقديمه كملف مؤجَّل لا كجريمة مستمرة. هنا، يصبح الصمت خطاباً موجهاً للخارج يعلن الاستعداد لدفع ثمن البقاء، ويضع أرضاً محتلة في خانة المقابل. إنها صفقة تكشف سلطة تقدّم ذاتها على الوطن، وتمنح بقاءها أولوية تتقدّم على الأرض التي يفترض أنها تحكمها.

ما هو المفقود في المعادلة؟ مسؤولية تاريخية متراكمة
ينبغي ألّا يحجب النقد الموجه للسلطة الانتقالية عن مساءلة النظام السوري السابق، الذي فشل طوال عقود في استعادة الجولان، وأدخل البلاد في حروب داخلية أنهكتها وجعلتها أكثر عُرضة للتنازل عن سيادتها. القضية هنا وطنية تتجاوز تبدّل السلطات والخلافات السياسية، وتؤكد أن الدفاع عن الأرض التزام تاريخي لا يسقط بالتقادم، ولا يُعفى منه حاكم سابق ولا سلطة قائمة.

الجولان: أرض وذاكرة لا تُباع
الجولان ليس أرضاً متنازع عليها، بل أرضٌ سورية محتلة بنص القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وأي سلطة انتقالية تتعامل معها كملف قابل للمساومة، أو تسمح بتغييبها عن الخريطة، إنما تتجاوز حدودها وتعتدي على حق شعب لم يُستشَر ولم يمنحها شرعية التصرّف باسمه.
ستبقى هذه الأرض سورية، لأن الحق لا يُمحى، والذاكرة لا تُختزل، ولأن الخرائط الحقيقية لا يرسمها صمت السلطات، بل إرادة الشعوب.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بقعةٌ عند القلب
- مرتزقة أنقرة تحت مجهر العقوبات البريطانية
- وترٌ مختومٌ بالشمع الأحمر
- حين يختفي -قيصر- وتبقى الألغام الداخلية
- أزمة اقتصادية خانقة.. والحل: خنق الموسيقى أيضاً
- هل سيحتفي السوريون ابتهاجاً بذكرى -التحرير-؟
- سوريا بين زعامات دينية وفراغ سياسي.. إلى أين يتجه البلد؟
- هل غيّر القرار 2799 الصفة القانونية للقرار 2254؟
- ماذا يعني الإغلاق الحكومي في أمريكا؟
- لن ندفع، فماذا أنتم فاعلون؟
- بين بني أمية وبني -سوريا الأبية-
- فنزويلا في مرمى الأطماع الأمريكية
- هموم إلى الأمام
- يتمنّعن وهنّ.. نافرات
- لا ملوك بعد اليوم: أمريكا تنتفض ضد النزعة الاستبدادية
- كيف يصنع الغرب الوحش ثم يعلن الحرب عليه؟
- سوريا بين الفقر والفوضى.. لماذا لا بد من حل سياسي عاجل؟
- لماذا لا ينتسب الشباب إلى الأحزاب؟
- معضلة الرأي والرأي الآخر في الأنظمة الاستبدادية
- حين تُخلع الأقنعة وتتكلم الغرائز.. كيف نُلغي الطائفية؟


المزيد.....




- ترامب يهدد بمقاضاة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ...
- بعد أكثر من عقد.. استئناف البحث عن الطائرة الماليزية المفقود ...
- السدود المائية، كيف تعمل وما هي فوائدها؟
- إطلاق الألعاب النارية ليلة رأس السنة.. ما المسموح والممنوع؟ ...
- كأس أمم أفريقيا في المغرب: رقص المنتخبات الأفريقية يحظى بإعج ...
- تركيا: -قناة إسطنبول-.. مشروع -جنوني- عملاق مثير للجدل والق ...
- إيران: طلاب الجامعات يلتحقون بالاحتجاجات ...والسلطات تعلن اس ...
- مباراة مرتقبة بين تونس وتنزانيا لافتكاك تأشيرة التأهل
- حرية الإعلام في 2025: عام التراجع القياسي
- نصّ بيان دولة الإمارات بشأن الأحداث الجارية في اليمن


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الجولان خارج الخريطة.. وخارج أولويات السلطة