أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - حين تُخلع الأقنعة وتتكلم الغرائز.. كيف نُلغي الطائفية؟














المزيد.....

حين تُخلع الأقنعة وتتكلم الغرائز.. كيف نُلغي الطائفية؟


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 09:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كل أزمة تهزّ أركان المجتمع تكشف طبقاتٍ دفينة من السلوك البشري، بعضها يظل مختبئاً طويلاً خلف أقنعة زائفة حتى تأتي اللحظة التي تزيح عنها الغطاء.
ما صدمني في ظلّ الأزمة السورية، لا سيما بعد سقوط النظام البائد وتولّي هيئة تحرير الشام زمام الحكم، أن أصدقاءً كنت أظنهم عابرين للطوائف والإثنيات، فجأةً اشرأبّت فيهم نوازع التعصّب الديني والطائفي، وأعلنوا بلا مواربة هويتهم التي طالما غلّفوها بأقنعة وردية برّاقة. بدا لي وكأنّ الزيف قد انهار دفعةً واحدة، تاركاً وجوهاً تتحدّث بلسان الغرائز الأولى، فاقعاً لا يعرف الحياء.
هنا يتبادر السؤال الجوهري:
هل الطائفية يمكن أن تكون متجذّرة في الإنسان، بحيث تنتقل عبر الجينات، فيصبح أسيراً لها دون حولٍ منه ولا قوة؟
علم الوراثة لا يدعم فكرة انتقال الطائفية كصفة جينية، إذ لا يوجد "جين طائفي" كما لا يوجد "جين عنصري" أو "جين متعصب". ما يوجد هو عقل مهيّأ للتعلّم، يمكن أن يزرع فيه السلام كما يمكن أن يزرع فيه العداء..
ما يُورث فعلاً هو الثقافة، واللغة، والسرديات الجماعية، والرموز التي تُغرس في الطفل منذ نعومة أظفاره. الطائفية، بهذا المعنى، ليست بيولوجية، لكنها قد تكون "مُبرمجة نفسياً" عبر التنشئة، حتى تبدو وكأنها جزء من الهوية التي لا فكاك منها.
الطائفية، بكل أشكالها، ليست ظاهرة بيولوجية خالصة، بل هي بناء اجتماعي وثقافي يتغذّى من بيئة سياسية واقتصادية ودينية محددة. لا يوجد حتى الآن أيّ دليل علمي موثّق يثبت أنّ التعصّب الطائفي أو الديني ينتقل وراثياً عبر الجينات، على غرار انتقال لون العينين أو فصيلة الدم.
ما يوجد، بالمقابل، هو آليات توريث اجتماعي تتشابه مع الوراثة الجينية في القوة والعمق، لكنها نفسية وثقافية الطابع.
فالطفل يولد صفحة بيضاء، لكنّه يتشرّب منذ سنواته الأولى لغة البيت، وأنماط التفكير، والأحكام المسبقة، وحدود "نحن" و"هم". هذه المعطيات تترسّخ مع مرور الزمن، حتى تبدو كما لو كانت جزءاً من طبيعته الفطرية.
كما أنه في الأزمات الكبرى، يتراجع العقل النقدي أمام غرائز البقاء، فيستدعي الفرد مخزون الانتماء الضيق طلباً للأمان، وهنا تخرج الطائفية من سباتها لتصبح أداة حماية، حتى عند من كانوا يزعمون الحياد أو الانفتاح.
إذن، الطائفية ليست قدراً بيولوجياً، بل خيارٌ ثقافي تفرضه بيئة مختلّة، ويمكن مقاومته بالتربية النقدية، والعدالة الاجتماعية، وتجفيف منابع الخوف.
الطائفية ليست لعنةً تسري في الدم، بل ظلّ طويل لصوتٍ قديم يتغذّى من الجهل والخوف، وحين نكسر دائرة الوراثة الاجتماعية بالتعليم والوعي، عندها فقط نستعيد إنسانيتنا الأولى؛ تلك التي لم تُدوَّن في أي سجل طائفي، ولم تُقيّد باسم أي مذهب، بل وُلدت لتقول: نحن بشر قبل أن نكون هويات ضيقة.
ويبقى السؤال الأهم: كيف نُلغي الطائفية؟
إلغاء الطائفية لا يتم بقرار سياسي أو خطاب عاطفي، فهي شبكة معقدة من العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد تعيد تشكيل الوعي الجمعي وتجفف منابع الانقسام، تقوم على المحاور التالية:
معالجة جذرية تبدأ بإصلاح التعليم، عبر إنتاج مناهج تنقض الفكر الإقصائي وتزرع قيم المواطنة، لا من خلال شعارات جوفاء، بل عبر سرديات إنسانية مشتركة، وإدماج فلسفة النقد وحوار الاختلاف منذ المراحل الأولى في المدارس.
ويتطلب الأمر بناء دولة المواطنة التي تجعل العدالة الاجتماعية قاعدة لا ترفاً، لأن المواطن حين يثق بالقانون لا يبحث عن حماية طائفته، إلى جانب توزيع عادل للثروة والفرص وكسر نظام المحاصصة الذي يرسخ الولاء الضيق.
وفي الوقت نفسه، يجب تحرير الخطاب الديني والإعلامي من التحريض، بتنقية المنابر من خطاب الكراهية وتحويل الدين إلى قوة أخلاقية توحّد لا تفرق، مع فرض ميثاق شرف إعلامي يجرّم التحريض الطائفي ويقوّض صناعة الكراهية التي تزدهر في الأزمات.
ولا يقلّ أهمية عن ذلك، تعزيز المجتمع المدني بدعم مبادرات الحوار بين الطوائف في فضاء نقدي يواجه الموروثات السامة، وتشجيع الفنون والآداب التي تحتفي بالتنوع وتعيد تعريف الهوية على أساس إنساني جامع.
وأخيراً، لا بد من تجفيف منابع الخوف التي تغذي العصبيات، فحين يشعر الإنسان بالأمان في ظل دولة عادلة ومجتمع متماسك، تسقط الحاجة إلى أسوار الطائفة وتذوب الحواجز المصطنعة التي صنعتها قرون من الشك والاضطهاد.
إذن، الطائفية ليست وحشاً وراثياً يسكن دماءنا، بل طيفٌ صنعته عصور من الجهل والخوف، لن ينكسر بالشعارات، بل بثورة وعي تُعيدنا إلى حقيقتنا الأولى: بشرٌ قبل أن نكون هوياتٍ ضيقة، كرامتنا في تنوعنا، وحريتنا في أن نختار الانتماء الأوسع... الإنسانية.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين كانت الشاشة تبكي معنا
- خطة ترامب لغزة ومأزق حماس: بين مطرقة الرفض وسندان القبول
- التاريخ يعيد نفسه.. من الأسد إلى الشرع
- الطبيب الذي أحالني إلى الذكاء الاصطناعي
- من القبيلة إلى الدولة.. تحوّلات مفهوم الوطن عبر الزمن
- من وعود بلفور إلى وعود الأمم.. نكبة تاريخية مستمرة
- من الجهاد إلى البروتوكول.. حين يرتدي السيف ربطة عنق
- اللوحة التي لا تُفهم.. سرّ نجاة الفنان التشكيلي
- مناف طلاس وإحياء القرار 2254.. بداية واقعية أم وهم جديد؟
- بين أفول النجم الأمريكي وبزوغ التعددية: هل ودّعنا القطب الوا ...
- مجلس الأمن... ومجلس العار العربي
- حرية التعبير... بفضل قلة العناصر الأمنية
- مجزرة جديدة؟ لا بأس، لدينا بيان جاهز!
- دور الاستبداد في تشويه أخلاق العباد
- نداء إلى مَن لم تتزوج بعد
- جعلوني انفصالياً!
- تأملات في خطوة المجلس التأسيسي لوسط وغرب سوريا
- الوجه الخفي لبريطانيا في الأزمة السورية
- الصديق اختيار.. والرفيق التزام
- التطبيع الزاحف وسلام العار


المزيد.....




- السعودية تعرض لأول مرة عملات إسلامية نادرة.. بينها أول دينار ...
- كنيسة المخلص اللوثرية.. ثاني كنيسة بروتستانتية تبنى في القدس ...
- مجلس التعاون الخليجي يدين اقتحام مسؤولين ومستوطنين إسرائيليي ...
- هجوم على كنيس في مانشستر.. الشرطة تكشف ولاء المهاجم لتنظيم ا ...
- بعد غياب عشر سنوات باسم يوسف يشعل مواقع التواصل بعد ظهوره في ...
- عشرات المستعمرين يقتحمون بلدة كفل حارس في سلفيت
- السعودية تدين اقتحام المستعمرين باحات المسجد الأقصى
- السعودية تدين اقتحام مستوطنين المسجد الأقصى وتطالب بمحاسبة إ ...
- الأردن.. أحكام بالسجن على 9 متهمين في قضية صواريخ وطائرات مس ...
- بتهم إرهابية - أحكام بسجن أفراد خلية مرتبطة بالإخوان في الأر ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - حين تُخلع الأقنعة وتتكلم الغرائز.. كيف نُلغي الطائفية؟