أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - هل سيحتفي السوريون ابتهاجاً بذكرى -التحرير-؟















المزيد.....

هل سيحتفي السوريون ابتهاجاً بذكرى -التحرير-؟


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 12:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع حلول الثامن من كانون الأول 2025، تُكمل هيئة تحرير الشام، المصنّفة "إرهابية"، عامها الأول في حكم دمشق، بعد سقوط سلطة النظام البعثي إثر صفقة إقليمية–دولية داكنة الملامح.
ولسويعات قليلة، تنفّس السوريون الصعداء، ظنّاً منهم أن كابوس نصف قرن من الاستبداد قد انقشع أخيراً. غير أنّ تلك النفحة القصيرة من الأمل سرعان ما انطفأت، إذ سارعت السلطة الجديدة إلى صفْعهم بقرارات وممارسات أعادت البسمة المرتجاة إلى مقصلة الخيبة.
وإذا كان العُرف السياسي يجيز تقييم أي سلطة بعد 100 يوم من تسلّمها زمام الأمور، فنحن أمام عامٍ كامل من “الحكم الشرعي” المزعوم. عامٌ يكفي لطرح سؤال واحد:
ما الذي أنجزته هذه السلطة على مختلف الصعد؟ وهل في حصادها ما يدفع السوريين إلى النزول للشوارع بالزغاريد والهتاف احتفاءً بـ "الخلاص"؟
ولكي تتّضح الصورة بلا أي التباس، لا بدّ من إلقاء نظرة فاحصة على محطات العام الأول وما حمله من ممارسات وقرارات:

أولاً: في الميدان العسكري والأمني

بدأت السلطة عامها الأول بخطوة خطيرة تمثّلت في حلّ الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية بالكامل، وهو ما ترك البلاد في فراغٍ مرعب سرعان ما سارعت "إسرائيل" لاستثماره، بغارات واسعة دمّرت ما تبقّى من القدرات العسكرية؛ الجوية والبرية والبحرية.
وبالتوازي مع هذا الانهيار، شرعت الحكومة بتأسيس قوات أمن وجيش أحادي الطائفة، في تجاهلٍ فجّ لتنوّع المجتمع السوري، ورفّعت ضباطاً معروفين بسجلّهم الإجرامي، وفتحت أبواب التجنيد لجنسيات عربية وأجنبية، لتتحوّل البلاد إلى خليط مسلّح لا رابط يجمعه سوى الولاء للسلطة.

ثانياً: في الإدارة المدنية

وعلى الصعيد الإداري، لم يكن الوضع أفضل حالاً. فقد أرغمت السلطة عشرات الآلاف من الموظفين على إجازات قسرية، وطردت آلافاً آخرين من دون أي مسوّغ قانوني. كما ضيّقت على العمال بنقلهم تعسفياً إلى محافظات بعيدة لإجبارهم على تقديم استقالاتهم، ثم أوقفت رواتب العسكريين المتقاعدين بعد عام 2011، في خطوة تعكس استخفافاً بمعيشة الناس وحقوقهم.
ولم يتوقف الأمر هنا، بل أُبدلت القيادات الإدارية بشيوخ ذوي صلاحيات مطلقة، وحُلّت النقابات جميعها، ليُعاد تشكيلها بالتعيين وفق الانتماء الطائفي لا الكفاءة.

ثالثاً: في الحياة السياسية

لم يختلف المشهد السياسي كثيراً عن باقي الساحات. فقد أوقفت السلطة العمل بالدستور، وحلّت أحزاب الجبهة، وصادرت مقراتها وأملاكها. ولذرّ الرماد في العيون، نظّمت ما سمّي بـ "حوار وطني"، استمر ست ساعات فقط، ودعت إليه ألف مشارك لم ينل الواحد منهم سوى أقل من دقيقة للنطق بكلمة لا وزن لها.. ومن ثم جاءت حكومة انتقالية من لون واحد، بوزيرة يتيمة، تُستحضر للتزيين السياسي لا للتمثيل الحقيقي، في تكريس صارخ لتهميش المرأة.

وفي أعقاب مجازر الساحل التي ارتُكبت بين 7 و9 آذار، جاء يوم 10 آذار ليحمل اتفاقاً بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة الانتقالية، بدا وكأنه محاولة مستعجلة لتغطية ما جرى وصرف أنظار السوريين نحو ملفٍ جديد يشغل الرأي العام. وكان مجرّد تنفيذ بنوده الثمانية كفيلاً بتخفيف التوتر واحتواء كثير من الأزمات المتراكمة.
لكن الحكومة الانتقالية لم تنتظر طويلاً؛ فبعد ثلاثة أيام فقط سارعت إلى إصدار إعلان دستوري بملامح أشدّ قسوة واستبداداً من أكثر الأنظمة بطشاً، مُطيحةً بالاتفاق من أساسه. ومنذ تلك اللحظة، مضت في سلسلةٍ لا تنتهي من المماطلة والتنصّل، دون تنفيذ أيٍّ من الالتزامات التي وقّعت عليها.
ومع موت السياسة المدنية، تقدّمت الخطابات الدينية لتحتلّ المساحة التي أُفرغت عمداً، فتصدّر المشهد شيوخٌ من الطوائف كافة، بينما غابت الزعامات السياسية التي كان يُفترض أن تقود المرحلة.

رابعاً: في السلم الأهلي

أما على مستوى السلم الأهلي، فقد كانت الضربات أعمق وأقسى. ارتُكبت مجازر مروّعة يندى لها جبين الإنسانية في الساحل والسويداء، وتواصل التهديد للكرد شمالاً وشرقاً.
وبدلاً من العمل على رأب الصدع، باركت السلطة "الفزعات" العشائرية وشجّعتها على الثأر والقتل، فتعاظمت الشروخ الطائفية وارتفع منسوب الكراهية إلى مستوى لم يعرفه السوريون حتى في أكثر سنوات الحرب ظلاماً.
وانتشرت عمليات الخطف والقتل والابتزاز على خلفيات طائفية، فيما هاجمت مجموعات تابعة للسلطة أحياء العلويين في دمشق ومناطق أخرى، مهددةً سكانها بإخلاء بيوتهم دون أي سند قانوني.
وإمعاناً في العبث بالنسيج الاجتماعي، دفعت السلطة باتجاه أسلمة المجتمع بالإكراه؛ فتدخّلت في اللباس والاختلاط، وداهمت محال بيع المشروبات، وأغرقت الشوارع والمنابر باللافتات الدعوية، وصولاً إلى كتابة عبارات طائفية على جدران الكنائس والمعابد والمزارات في خرق واضح لحرية المعتقد.

وبموازاة ذلك، أُبرمت "تسويات" مشبوهة مع رموز النظام السابق، مقابل إتاوات لم تدخل خزينة الدولة، بل انحدرت مباشرة إلى جيوب المتنفّذين.
أمّا لجان التحقيق في المجازر، فكانت مجرد عروض مسرحية رديئة، لا تُنتج عدالة ولا تُطفئ جرحاً، بل تثير الغثيان وتغرس مزيداً من الإهانة في نفوس ذوي الضحايا.

خامساً: الخدمات والعلاقات الخارجية

لم يكن واقع السوريين المعيشي أفضل حالاً.
فقد قفزت الأسعار إلى مستويات مرعبة، توازياً مع رفع أسعار الكهرباء والاتصالات إلى حدود تفوق قدرة معظم الأسر. وعُدّلت المناهج التعليمية والعطل والأعياد بما يتوافق مع عقيدة هيئة تحرير الشام.
فيما انهار القضاء إلى درك لم تشهده البلاد حتى في أحلك عصورها.
أما خارجياً، فقد قدّمت السلطة خطاباً متزلفاً لكل القوى الدولية، مع استعداد لأي تنازل مقابل البقاء. والتزمت الصمت أمام الغارات الإسرائيلية، معلنة استعدادها لأي تسوية تضمن لها استمرار السيطرة.

سادساً: الاقتصاد

اقتصادياً، تواصل الانهيار العميق، ليس بسبب سوء الإدارة فحسب، بل نتيجة انعدام الأمن وتهالك البنية التحتية بعد خمسة عشر عاماً من النزاع.
وتعطّلت خلال ذلك العديد من المعامل والمنشآت، فيما تدفّقت البضائع والسلع التركية إلى الأسواق السورية على حساب المنتج الوطني الذي فقد القدرة على المنافسة.
وزاد المشهد قتامةً تردّي الواقع الزراعي في ظل غياب الدعم الحكومي وانعدام رعاية وحماية المحاصيل الاستراتيجية.
وأُبرمت عقود بمليارات الدولارات مع شركات وهمية لم يظهر لها أثر، وسط تبجّح متواصل بتحسّن "الواقع المعيشي" في زمن قياسي.

ومن المؤكّد أن تلك الإجراءات والممارسات لم تكن طارئة ولا وليدة الصدفة، بل خطواتٌ مدروسة بعناية، نُفِّذت في إطار أجندة مُحكمة، متّفق عليها مع قوى الطغيان الإقليمية والدولية، بما يضمن استمرار السلطة وخدمة مصالح داعميها، لا مصالح السوريين. وهي سياسات تؤدّي بطبيعتها إلى تعميق إضعاف الدولة السورية وإنهاكها بشكل ممنهج.
وعلى الرغم من امتداد هذا السجل الكارثي، فإن ما ذُكر هنا ليس إلا جزءاً يسيراً من واقع أشدّ قتامة يلتهم ما تبقّى من البلاد.
فأي عقل يمكن أن يُسمّي هذا الخراب "تحريراً"؟ وأي وقاحة تتوقع من السوريين أن يصفّقوا فوق ما أصابهم من أهوالٍ وويلات ويهتفوا لمن يمعن في إذلالهم وتمزيق نسيجهم؟

إن المشهد كله ليس مناسبة للاحتفال، بل صفّارة إنذار أخيرة:
فإمّا أن ينهض السوريون قبل أن تُقفل النافذة الأخيرة للنجاة، أو تُسلَّم البلاد بالكامل إلى الفوضى والتعسف والطغيان الجديد، ليُكتَب في تاريخها أنها سقطت مرّتين: أولى بالاستبداد، وثانية بمن ادّعى الخلاص وهو لا يحمل لها سوى المزيد من الدمار والخراب.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بين زعامات دينية وفراغ سياسي.. إلى أين يتجه البلد؟
- هل غيّر القرار 2799 الصفة القانونية للقرار 2254؟
- ماذا يعني الإغلاق الحكومي في أمريكا؟
- لن ندفع، فماذا أنتم فاعلون؟
- بين بني أمية وبني -سوريا الأبية-
- فنزويلا في مرمى الأطماع الأمريكية
- هموم إلى الأمام
- يتمنّعن وهنّ.. نافرات
- لا ملوك بعد اليوم: أمريكا تنتفض ضد النزعة الاستبدادية
- كيف يصنع الغرب الوحش ثم يعلن الحرب عليه؟
- سوريا بين الفقر والفوضى.. لماذا لا بد من حل سياسي عاجل؟
- لماذا لا ينتسب الشباب إلى الأحزاب؟
- معضلة الرأي والرأي الآخر في الأنظمة الاستبدادية
- حين تُخلع الأقنعة وتتكلم الغرائز.. كيف نُلغي الطائفية؟
- حين كانت الشاشة تبكي معنا
- خطة ترامب لغزة ومأزق حماس: بين مطرقة الرفض وسندان القبول
- التاريخ يعيد نفسه.. من الأسد إلى الشرع
- الطبيب الذي أحالني إلى الذكاء الاصطناعي
- من القبيلة إلى الدولة.. تحوّلات مفهوم الوطن عبر الزمن
- من وعود بلفور إلى وعود الأمم.. نكبة تاريخية مستمرة


المزيد.....




- نتنياهو يتحدث عن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. ويرد على سؤا ...
- أوروبا تواجه تحديات في جعل صوتها مسموعاً للصين - لوموند
- برّاك في جلسة حوارية بمنتدى الدوحة: جميع سياسات الغرب في الش ...
- ميرتس يدعو للسلام عبر حل الدولتين.. ونتنياهو: لن نسمح بقيام ...
- ميرتس: لا اعتراف بدولة فلسطينية قريبا ويجب تنفيذ خطة السلام ...
- مفاوضات ميامي… هل تدفع واشنطن كييف للقبول بشروط موسكو؟
- أوكرانيا: القوات الروسية تشن غارات جوية على مدينة كريمنشوك و ...
- خطرها أكبر من -هواوي-.. لماذا يطالب مجلس الشيوخ بمراقبة وحظر ...
- مرشح المعارضة الأوغندية يتهم الأمن بالاعتداء عليه
- بين سيول وضباب.. طقس غير مستقر يواجه 12 دولة عربية


المزيد.....

- انتخابات برلمان العراق، موقف الطبقات والأحزاب منها وملاحظات ... / مؤيد احمد
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - هل سيحتفي السوريون ابتهاجاً بذكرى -التحرير-؟