خورشيد الحسين
كاتب وباحث سياسي
(Khorshied Nahi Alhussien)
الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 20:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليست هذه المقالة موجهة إلى واشنطن، ولا إلى تل أبيب، فهؤلاء يعرفون تمامًا ما يفعلون. هذه المقالة موجهة إلى العرب، وتحديدًا أنظمتهم، كي يدركوا ـ إن بقي شيء يُدرَك ـ أنهم ليسوا شركاء في القرار، بل ممرات له، ومسهّلين له، ومبرّرين له، ثم فائضين عن الحاجة حين تُقسَّم الغنائم.
أولًا: قرار مجلس الأمن.. أداة إدارة لا نقطة بداية
للوهلة الأولى، يبدو قرار مجلس الأمن الأخير وكأنه اختراق: وقف إطلاق نار، تبادل أسرى، وإعادة إعمار. لكن القراءة المتأنية تكشف أن القرار لا يُقرأ بوصفه «تحولًا دوليًا»، بل كـ إطار ضبط للصراع بما يخدم إدارة أمريكية للأزمة لا حلّها.
* من صاغ النص؟ واشنطن هي الكاتب والمنتج؛ لذا فالقرار هو امتداد للسياسة الأمريكية لا قيدٌ عليها.
* نزع السياسة: عبر بنود "وقف النار المشروط" و"نزع السلاح"، يهدف القرار إلى تحويل غزة من قضية تحرر وطني إلى ملف أمني–إداري. المقاومة هنا تصبح "مشكلة أمنية"، والاحتلال يصبح "طرفًا مفاوضًا".
* الامتناع الروسي-الصيني: لم يكن صدفة، بل رفضًا لمنح "صك شرعية" للمقاربة الأمريكية التي تُقنّن موازين القوة القائمة ولا تسعى لتغييرها.
ثانيًا: تسريبات المماطلة.. هل هي ضغط أم تبرئة ذمة؟
التسريبات التي تضج بها الصحافة ضد نتنياهو لا تعني صدامًا، بل إدارة خلاف داخل التحالف الواحد. توقيت تصوير نتنياهو كـ«معرقل» يهدف لفصل شخصي بين إسرائيل كمشروع وبين حكومتها، لتبرير فشل الخطة مسبقًا. والواقع أن الشرط الإسرائيلي بنزع السلاح قبل الانسحاب هو نسف جوهري لأي أفق سياسي، ما يجعلنا نجزم: حتى لو التزم نتنياهو، فإن الخطة لن تمر لأن جوهرها "تصفوي" بامتياز.
ثالثًا: العجز العملي.. لماذا لا تستطيع واشنطن ما تدّعي؟
هنا يكمن لبّ المأساة؛ الفضيحة ليست في عجز واشنطن عن الضغط على إسرائيل، بل في الوهم العربي المزمن بأن هذا الضغط ممكن أصلاً. واشنطن مكبلة بـ:
* الداخل الأمريكي: حسابات الكونغرس، الانتخابات، ونفوذ اللوبي والتحالف الإنجيلي.
* الحاجة الاستراتيجية: إسرائيل ليست تابعًا، بل "أداة متقدمة" ضد إيران، وضد التمدد الروسي والصيني في المنطقة.
في ميزان هذه المعادلة، إسرائيل شريك يبتزّ راعيه أحيانًا، وأمريكا تحتاج إسرائيل أكثر مما تحتاج إسرائيل إرضاء أمريكا.
إعادة تدوير الهيمنة
ما نعيشه ليس حراكًا نحو السلام، بل هو: إدارة فشل + تحميل مسؤولية + إعادة تدوير للهيمنة. لا قرار مجلس الأمن كسر إسرائيل، ولا تسريبات واشنطن تعني انقلابًا على نتنياهو، ولا ضغط أمريكي سيتحوّل إلى كلفة حقيقية.
لقد صُممت هذه المعادلة ليكون العرب فيها "هوامش وظيفية": يُستدعون عند الحاجة لتسويق الأوهام، ويُهمَّشون عند الحسم، بينما غزة هي الساحة التي يُطلب فيها من الضحية أن تصمت، ومن الوسيط أن يبرر.
سؤال:
إذا كانت واشنطن عاجزة عن فرض وقف نار حقيقي على حليفها، فكيف ستفرض “سلامًا” على شعب يُطلب منه أن يُسلّم سلاحه وروحه وهو لا يزال يلفظ أنفاسه تحت الأنقاض.
#خورشيد_الحسين (هاشتاغ)
Khorshied_Nahi_Alhussien#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟