أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد بسام العمري - الثورة البيولوجية وعلم البلوچينوم: من الشفرة الوراثية إلى اليوجينا السياسية ورؤية الإسلام للعلم















المزيد.....

الثورة البيولوجية وعلم البلوچينوم: من الشفرة الوراثية إلى اليوجينا السياسية ورؤية الإسلام للعلم


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 02:53
المحور: الطب , والعلوم
    


شهد العالم خلال العقود الأخيرة ثورة علمية غير مسبوقة تمثّلت في بروز الثورة البيولوجية، وهي سلسلة تطورات عميقة غيّرت فهم الإنسان للحياة نفسها، من بنية الجزيئات الحيوية إلى القدرة على تعديلها وصنع حياة جديدة. يشكّل عِلمُ الجينوم (Genomics) والهندسة الوراثية (Genetic Engineering) القلب النابض لهذه الثورة، بما يشمله من تقنيات تحليل المعلومة الوراثية، وتعديلها، ونقلها، وحتى إعادة كتابتها.
لقد أعاد اكتشاف الشفرة الوراثية (Genetic Code) في ستينيات القرن الماضي، وفك خريطة الجينوم البشري في 2003، رسم الحدود بين العلم والفلسفة والأخلاق والقانون. وعلى الرغم من أن التطبيقات البيولوجية الحديثة وعدت بإنقاذ البشرية من أمراض مستعصية، إلا أنها أثارت في الوقت نفسه قضايا أخلاقية حساسة، مثل الاستنساخ، وتصميم الأجنة، وعودة مفهوم اليوجينا (Eugenics)، سواء في صورته العلمية أو السياسية.
وتحاول هذه الدراسة تقديم رؤية شاملة لهذه التحولات الكبرى، مع الإحالة إلى المراجع العلمية الحديثة، وبيان أثرها، ومناقشة موقع الإسلام من هذه التطورات.
الجينوم — مفهومه وبنية المعرفة الوراثية الحديثة
يشير مصطلح الجينوم إلى “المجموعة الكاملة من الجينات والمعلومات الوراثية في الكائن الحي” (Watson 2003). ويتكوّن الجينوم البشري من نحو 3.2 مليار زوج قاعدي، موزعة على 23 زوجًا من الكروموسومات، وهو بذلك يمثّل المخزن المركزي لكل الصفات الوراثية — الظاهرية وغير الظاهرية — التي تحدد بنية الإنسان ووظائفه.
وقد أدى تطور تقنيات التسلسل الوراثي (DNA Sequencing)، خصوصًا بعد ثورة الجيل الجديد (Next-Generation Sequencing)، إلى خفض التكلفة من ثلاثة مليارات دولار في 2003 إلى أقل من 500 دولار اليوم (National Human Genome Research Institute 2022).

الهندسة الوراثية — من التعديل إلى إعادة الكتابة
تمثل الهندسة الوراثية نقلة نوعية في القدرة على إدخال تغييرات دقيقة في المادة الوراثية لكائن حي.
وتُعد تقنية CRISPR-Cas9 أشهر أدوات التعديل الجيني اليوم، إذ تسمح بقصّ واستبدال أجزاء محددة من الحمض النووي بدقة عالية (Doudna & Charpentier 2014).
أهم التطبيقات:
العلاج الجيني للأمراض الوراثية مثل الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي.
هندسة النباتات لمقاومة الجفاف والآفات.
تطوير اللقاحات بما في ذلك لقاحات mRNA.
تحسين الإنتاج الحيواني عبر رفع كفاءة النمو والمناعة.
ومع ذلك، فقد أثارت هذه التقنيات أسئلة جوهرية حول المسؤولية الأخلاقية والحدود العلمية، خاصة بعد إعلان العالم الصيني هي جيانكوي ولادة أول أطفال معدَّلين وراثيًا سنة 2018 — وهو إعلان أدانه المجتمع العلمي الدولي (Greely 2018).
اكتشاف الشفرة الوراثية — لحظة انفجار معرفي
يرجع اكتشاف بنية الحمض النووي المزدوج (DNA) إلى دراسة واتسون وكريك سنة 1953، وهو الاكتشاف الذي فتح الباب أمام فهم آلية انتقال الصفات الوراثية (Watson & Crick 1953).
أما الشفرة الوراثية نفسها — أي طريقة ترجمة ثلاثة نكليوتيدات (Codon) إلى حمض أميني — فقد تم تحديدها بين 1961 و1966 على يد نيرنبرغ وكورانا، مما مهد الطريق لولادة البيولوجيا الجزيئية الحديثة.
ويُعد فك الجينوم البشري سنة 2003 أهم إنجاز علمي في القرن الحادي والعشرين، لأنه وضع بين يدي الإنسان خريطة حياته المكتوبة في أصغر الخلايا.

الاستنساخ — بين العلم والجدل
بدأت تجارب الاستنساخ الحديثة مع النعجة دوللي سنة 1996، والتي أثبتت أن الخلية الجسدية يمكن أن تُعاد برمجتها لإنتاج كائن كامل (Wilmut et al. 1997).
الآثار الإيجابية للاستنساخ:
تطوير الحيوانات لإنتاج أدوية (Pharming).
الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض.
إنتاج خلايا جذعية لعلاج الأمراض العصبية.
الآثار السلبية والمخاطر:
قصر العمر المتوقّع للكائنات المستنسخة.
تشوهات جينية محتملة.
الانزلاق نحو استنساخ بشري لأغراض تجارية أو طبقية.
ومع ذلك، فإن الاستنساخ العلاجي (Therapeutic Cloning) ما يزال يُعد وعدًا طبيًا كبيرًا.

اليوجينا (Eugenics) — المعنى الكلاسيكي والتطورات الحديثة
تشير اليوجينا إلى فكرة تحسين النسل البشري عبر اختيار الصفات المرغوبة وإقصاء الصفات غير المرغوبة (Kevles 1985).
وقد ارتبط المصطلح تاريخيًا بممارسات عنصرية خلال القرن العشرين، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، ثم مع النازية.
اليوجينا اليوم:
عاد المفهوم إلى الواجهة عبر:
اختبارات الأجنة قبل الزرع (PGD).
تصميم الأطفال (Designer Babies).
الاختيار الوراثي بناءً على الطول أو الذكاء أو الصحة العامة.
ويرى بعض الباحثين أن تقنيات التحرير الجيني قد تؤدي إلى “يوجينا ناعمة” تتسلل عبر الخيارات الطبية والاقتصادية دون إعلان أيديولوجي صريح (Agar 2004).

اليوجينا السياسية — حين يتدخل القرار السياسي في الجينات
تمثل اليوجينا السياسية الاتجاه الذي تحاول فيه بعض الدول توجيه المجتمع وراثيًا عبر سياسات الإنجاب أو دعم تقنيات معينة على حساب أخرى.
وتتراوح هذه السياسات بين:
فرض اختبارات وراثية في بعض الوظائف.
منع زواج حاملي أمراض وراثية معينة.
دعم الإنجاب للطبقات المطلوبة اقتصاديًا.
ويحذر علماء الأخلاق من أن هذه الممارسات قد تُعيد إنتاج التمييز الطبقي أو العرقي داخل المجتمعات الحديثة (Sparrow 2012).

الإسلام والثورة البيولوجية — رؤية علمية وأخلاقية
لا ينظر الإسلام نظرة عدائية إلى العلم، بل يضع ضوابط أخلاقية تحفظ كرامة الإنسان وهويته، في إطار مقاصد الشريعة الخمسة: حفظ النفس، العقل، الدين، النسل، والمال.
موقف الإسلام من الهندسة الوراثية:
العلاج الجيني مباح إذا كان يهدف لرفع الضرر ومنع المرض.
منع التلاعب بالهوية الوراثية أو اختلاط الأنساب.
رفض الاستنساخ البشري الكامل باعتباره يمس كرامة الإنسان وفطرته.
السماح بالتعديل الجيني للنبات والحيوان بضوابط الضرر.
وقد أكدت مجمعات الفقه الإسلامية أن التقدم البيولوجي ليس مرفوضًا في ذاته، بل يُضبط بقاعدة “درء المفاسد وجلب المصالح”.
وبذلك يقدم الإسلام نموذجًا أخلاقيًا متوازنًا، يجمع بين قيمة الإنسان وقدسية الحياة من جهة، وضرورة مواكبة التطور العلمي من جهة أخرى.


تُظهر التحولات الكبرى في علم الجينوم والهندسة الوراثية أن الثورة البيولوجية ليست مجرد إنجاز علمي، بل إعادة تشكيل عميقة لنظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الحياة. وقد أسهمت هذه الثورة في توفير علاجات جديدة، وتحسين الأمن الغذائي، وفهم الأمراض الوراثية. لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام تحديات أخلاقية وسياسية خطيرة، أبرزها الاستنساخ، وتصميم الأطفال، وتنامي اليوجينا السياسية.
وتبقى الحاجة ملحّة إلى إطار عالمي أخلاقي وقانوني — تشارك فيه الأديان والفلسفات والعلوم — لضمان أن يبقى التقدم العلمي في خدمة الإنسان لا وسيلة للهيمنة عليه.


المراجع :
Agar, Nicholas. Liberal Eugenics: In Defence of Human Enhancement. Oxford University Press, 2004.
Doudna, Jennifer A., and Emmanuelle Charpentier. “The new frontier of genome engineering with CRISPR-Cas9.” Science 346, no. 6213 (2014).
Greely, Henry. “CRISPR’d babies: human germline genome editing in 2018.” Journal of Law and the Biosciences (2018).
Kevles, Daniel J. In the Name of Eugenics: Genetics and the Uses of Human Heredity. Harvard University Press, 1985.
National Human Genome Research Institute. “The Cost of Sequencing a Human Genome.” Report, 2022.
Sparrow, Robert. “A not-so-new eugenics: Harris and Savulescu on human enhancement.” Hastings Center Report (2012).
Watson, James D. DNA: The Secret of Life. Alfred A. Knopf, 2003.
Watson, James D., and Francis Crick. “Molecular structure of nucleic acids: A structure for deoxyribose nucleic acid.” Nature 171 (1953).
Wilmut, Ian, et al. “Viable offspring derived from fetal and adult mammalian cells.” Nature 385 (1997).



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة حانة الأقدار
- الأمة المثلى والأخلاق المفقودة
- رحاة الضياء
- حين تنعكس الشمس على ملامحها
- المقامة الهمذانية في الزمنِ المهزوم
- **الزمن بوصفه قدرًا: قراءة في مأساة الوعي والاغتراب في «أهل ...
- «حين يتحرّك السكون»
- النيجر: قلب الصحراء الذي يمشي بين ضوءين
- – ليبيا: الأرض التي تمتدّ من زرقة المتوسط إلى قلب الصحراء ال ...
- مالي: المملكة التي مشت فوق الذهب، ونامت على ضفاف النيجر، وظل ...
- موريتانيا: بلاد البيضان والمحيط والرمل الذي يتكلّم
- الجزائر: أنغام الماضي، إبداعات الحاضر، ونكهات الحياة
- الجزائر: الطبيعة الصامتة، الصحراء الذهبية، وواحات الحياة
- الجزائر: أنفاس الإبداع وروح الجمال
- الجزائر: وجه البحر، ذاكرة الجبال، وأنفاس المدن التي لا تنام
- – الجزائر: القلب العميق للصحراء الكبرى
- الطلاق كدرس… الرحلة نحو الوعي والحكمة
- بعد الانفصال… أثر الطلاق على قلب الإنسان ومستقبله
- العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة
- الأطفال بين شظايا الحب


المزيد.....




- مقارنة الأطفال بأجيال سابقة.. حقائق علمية أم أوهام اجتماعية؟ ...
- 6 علامات فى الصباح الباكر للنوبة القلبية لا تتجاهلها
- ما هو تصلب القولون وكيف يكون علامة تحذير من السرطان
- للتوصل إلى أسباب الإجهاض المبكر.. علماء يبتكرون بطانة رحم مم ...
- دراسة: بكتيريا الأمعاء قد تساهم فى تفاقم أعراض اضطراب ثنائى ...
- ارتعاش عضلات الجسم.. متى يجب عليك استشارة الطبيب؟
- علامات تدل على حاجتك لارتداء نظارة قراءة وكيف تختار المقاس ا ...
- ابتكار أدمغة مصغرة للكشف عن الخلايا المسئولة عن الإصابة بالت ...
- علماء: البشر يمتلكون ما يصل إلى 33 حاسة وليس 5 فقط
- دراسة: دواء الهربس قد يفاقم التدهور المعرفي لمرضى الزهايمر


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد بسام العمري - الثورة البيولوجية وعلم البلوچينوم: من الشفرة الوراثية إلى اليوجينا السياسية ورؤية الإسلام للعلم