أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - **الزمن بوصفه قدرًا: قراءة في مأساة الوعي والاغتراب في «أهل الكهف»**














المزيد.....

**الزمن بوصفه قدرًا: قراءة في مأساة الوعي والاغتراب في «أهل الكهف»**


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


فيما يلي إعادة صياغة للموضوع كاملًا مع حذف أسماء الكتّاب والنقّاد، مع الحفاظ على العمق الفكري والنبرة النقدية والأسلوب الأكاديمي:

---

تُعد مسرحية «أهل الكهف» من أبرز العلامات الفارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث، إذ تمثل التجربة الأولى في تأسيس ما عُرف لاحقًا بـ«المسرح الذهني»؛ ذلك النوع من المسرح الذي لا يتجه إلى الخشبة بقدر ما يخاطب الفكر والضمير الإنساني. استلهم النص مادته من القصة القرآنية الشهيرة عن الفتية الذين آمنوا بربهم ففرّوا من بطش قومهم إلى الكهف، غير أن المعالجة الدرامية تجاوزت الحكاية الدينية نحو بناء فلسفي يتأمل مأساة الإنسان في علاقته بالزمن والحياة والموت. فالقضية لم تعد صراعًا بين الإيمان والكفر، بل تحوّلت إلى صراع وجودي بين الإنسان والوقت، بين الرغبة في الاستمرار واستحالة العودة إلى الماضي.

تقوم المسرحية على فكرة جوهرية مفادها أن الزمن ليس مجرد إطار محايد للأحداث، بل قوة قاهرة تُعيد تشكيل الوعي وتبدّل معنى الوجود ذاته. فحين يستيقظ الفتية بعد نومٍ طويل ليجدوا أن العالم الذي عرفوه قد اندثر، يصبحون رموزًا للإنسان الذي يصحو فجأة ليكتشف أن الزمن قد تجاوزه وأن الحياة مضت من دونه. ومن خلال الشخصيات الرئيسية، تتشكل صورة مأساوية للوفاء والحب والعقيدة حين تصطدم جميعها بجدار التحول التاريخي، فتغدو القيم عاجزة عن الصمود أمام سطوة الزمن.

ليست تجربة «أهل الكهف» مجرد استعادة لأسطورة دينية، بل هي تأمل عميق في فلسفة الزمن وسؤال مفتوح عن جدوى الحياة في عالم يتغير بلا توقف. وبهذا المعنى، يتجاوز النص حدود المسرح العربي التقليدي ليغدو تجربة فكرية وفنية تضع الإنسان في مواجهة غربته الوجودية حين يصبح غريبًا في زمنٍ لم يعُد يعرفه.

وقد قُدمت حول المسرحية دراسة نقدية تنتمي إلى المدرسة الوصفية التحليلية، تميل إلى تقديم صورة إجمالية عن النص أكثر من تفكيك بنياته الداخلية. تنطلق هذه القراءة من فرضية ترى في المسرحية مزجًا بين التراث الديني والتراجيديا الإغريقية، وهو طرح صحيح من حيث المبدأ، غير أنه يظل عامًا ما لم يُدعَّم بتحليل دلالي يبيّن آليات هذا المزج وأبعاده الفلسفية والفنية. فالمأساة الإغريقية لم تُستحضر بوصفها قالبًا شكليًا، بل بوصفها روحًا درامية تُجسّد مأساة الإنسان في مواجهة قدره، مع الحفاظ على الإطار القرآني كمرجعية قيمية وفكرية. وهذا التداخل الدقيق بين المرجعيتين كان يستدعي معالجة أعمق مما قدمته القراءة.

تتسم الدراسة بنزعة تقريرية تجعلها أقرب إلى العرض الأكاديمي منها إلى النقد التأويلي، إذ تكتفي بوصف الصراع بين الإنسان والزمن دون تفكيك مظاهره أو تتبّع تجلياته في البنية الدرامية واللغة الحوارية. كما تغفل الإشكالية المركزية التي جعلت من الزمن بطلًا دراميًا خفيًا يلتهم الشخصيات ويقلب منظومة القيم. ويغيب عنها كذلك تأصيل العمل تاريخيًا وربطه بمرحلة التحول الفكري التي شهدها المسرح العربي حين انتقل من الواقعية الاجتماعية إلى المسرح الذهني، وهو التحول الذي منح النص مكانته الخاصة.

تتكرر في الدراسة أحكام عامة، مثل القول بغلبة الفلسفة على الدراما أو صعوبة تمثيل النص على الخشبة، من دون الاستناد إلى أمثلة نصية أو تحليل بنيوي يوضح الأسباب الجمالية والفكرية لهذه الأحكام. كما لا تتناول بنية الحوار وإيقاع اللغة ودلالات الصمت والزمن، وهي عناصر جوهرية في تشكيل المسرحية الذهنية. وبهذا يجنح النقد إلى التلخيص أكثر من الدخول في حوار عميق مع النص وإشكالياته الوجودية.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار ما في هذه القراءة من محاولات جادة لإبراز خصوصية العمل وثرائه الرمزي. فقد أصابت في الإشارة إلى صعوبة تجسيده مسرحيًا، وهو استنتاج يتقاطع مع آراء نقدية راسخة، كما لفتت الانتباه إلى الشخصيات المضافة بوصفها مفاتيح رمزية لقراءة العلاقة بين الماضي والحاضر، وبين الوعي الإنساني والزمن في لحظة الانفصال التاريخي. كذلك تنبّهت إلى البعد الديني الوجودي الذي يجعل المسرحية تتجاوز حدود الأسطورة إلى مساءلة الكينونة البشرية ذاتها.

تكشف هذه القراءة، على الرغم من طابعها المدرسي، أهمية العودة إلى «أهل الكهف» بعد ما يقارب قرنًا من صدورها، لا بوصفها عملًا تأسيسيًا للمسرح الذهني العربي فحسب، بل باعتبارها تجربة فلسفية سبقت عصرها وطرحت أسئلة الزمن والوجود والهوية قبل أن يشيع هذا الخطاب في الأدب العربي الحديث. وتكمن قيمتها اليوم في بعدها التوثيقي والتربوي، إذ تعيد وصل القارئ المعاصر بجذور المسرح العربي الفلسفي، لكنها في الوقت نفسه تكشف محدودية المنهج الوصفي أمام نصوص تتطلب مقاربات تأويلية أعمق تستند إلى التحليل السيميائي والظاهراتي والوجودي.

وعليه، يمكن القول إن هذا النقد يمثل مرحلة من تطور الخطاب النقدي العربي، سعى فيها إلى الموازنة بين الفكرة والمشهد، وبين النص الديني والفكر الإنساني، وبين التراث والحداثة. غير أنه، على ما فيه من وعي واحترام للنص، يظل أقرب إلى الإضاءة التمهيدية منه إلى الكشف المعرفي العميق، إذ يوضح ملامح المسرحية دون النفاذ إلى جوهرها الفلسفي. وبعد هذا الزمن الطويل، تبقى هذه القراءة وثيقة نقدية مهمة لفهم تحولات الذائقة النقدية العربية، وشاهدًا على المسافة التي قطعها النقد من الوصف إلى التأويل في مقاربة النصوص الكبرى.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «حين يتحرّك السكون»
- النيجر: قلب الصحراء الذي يمشي بين ضوءين
- – ليبيا: الأرض التي تمتدّ من زرقة المتوسط إلى قلب الصحراء ال ...
- مالي: المملكة التي مشت فوق الذهب، ونامت على ضفاف النيجر، وظل ...
- موريتانيا: بلاد البيضان والمحيط والرمل الذي يتكلّم
- الجزائر: أنغام الماضي، إبداعات الحاضر، ونكهات الحياة
- الجزائر: الطبيعة الصامتة، الصحراء الذهبية، وواحات الحياة
- الجزائر: أنفاس الإبداع وروح الجمال
- الجزائر: وجه البحر، ذاكرة الجبال، وأنفاس المدن التي لا تنام
- – الجزائر: القلب العميق للصحراء الكبرى
- الطلاق كدرس… الرحلة نحو الوعي والحكمة
- بعد الانفصال… أثر الطلاق على قلب الإنسان ومستقبله
- العائلة والمجتمع بين الانفصال والوحدة
- الأطفال بين شظايا الحب
- حين يتحول الحب إلى صمت
- غويانا الفرنسية – نهاية الحوض وبداية الرحلة الجديدة
- : فنزويلا – الأنهار المتقاطعة ومرتفعات غويانا
- : الإكوادور – نقطة التقاء خط الاستواء مع الغابة
- بوليفيا – حيث تتصارع الهضاب والمناخات
- كولومبيا – الغابة التي تحرس أسرارها


المزيد.....




- بعد التوبة.. حاكم ولاية تينيسي يصدر عفوًا عن نجم موسيقى الري ...
- أفغانستان تودع ثالث سينما تاريخية بعد إزالتها من قبل طالبان. ...
- الممثلة الأممية: عدم الثقة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة ي ...
- نقطةُ ضوءٍ من التماعات بدر شاكر السيَّاب
- ماذا قال تركي آل الشيخ عن فيلم -الست-؟
- مدينة مالمو تستضيف الفنان السوداني محمد برجاس كـَ ”فنان مُحت ...
- مسابقة -يوروفيجن- تواجه الانهيار بسبب مشاركة إسرائيل
- في يومها العالمي: اللغة العربية بين التطوير وخطر التراجع
- الموسيقى تقلل توتر حديثي الولادة وذويهم في غرف الرعاية المرك ...
- من الجبر إلى التعرفة الجمركية.. تعرف على كلمات عربية استوطنت ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - **الزمن بوصفه قدرًا: قراءة في مأساة الوعي والاغتراب في «أهل الكهف»**