أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - حين يتحول الحب إلى صمت














المزيد.....

حين يتحول الحب إلى صمت


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 02:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هناك لحظات يختفي فيها الحب بين الجدران، ويصبح الصمت لغة اليوم.
ابتسامات كانت تصنع دفء البيت تتحول إلى غياب، ونظرات كانت تلتقي كل صباح تتحول إلى جدران صامتة من لوم وغياب تفاهم.
في البداية، لا يعرف أحد متى بدأ كل شيء. ربما كانت كلمات صغيرة، لم يسمعها أحد، أو لم يلتفت لها أحد. ربما كانت توقعات لم تُفهم، أحلام لم تُشارك. وربما كان كل ذلك نتيجة تراكمات صغيرة، لحظات من الغضب أو الإحباط، لم تُحل، ولم يُناقش، حتى صارت بارودًا صامتًا يتهيأ للانفجار. وهكذا يتحول الحب إلى صراع، ثم الصراع إلى حرب، بلا إعلان، بلا قرار، بلا جسر.
الأطفال هم أول المتضررين، وهم آخر من يفهم.
يرون البركان يتفجر بين والديهم، ويحسّون بحرارته قبل أن يعرفوا السبب. تتشظى هويتهم الصغيرة، وتتسع الشقوق في أرواحهم قبل أن يعرفوا كيف يُرممونها. يمثلون أدوارًا في مسرحية بلا نص، يتعلمون الغياب قبل أن يعرفوا معنى الحضور، ويكبرون بأجساد قوية وأرواح معلّقة بين الاتهامات واللوم والصمت.
أبحاث علمية، مثل دراسات جون بولبي حول الارتباط العاطفي للأطفال، تؤكد أن الأطفال الذين يعيشون صراعات متكررة بين الوالدين يعانون على المدى الطويل من ضعف الأمان النفسي وصعوبة بناء علاقات صحية، ويكتسبون خوفًا مبكرًا من الالتزام العاطفي. دراسة أخرى في علم النفس العائلي تشير إلى أن الأطفال في بيئات منزلية مضطربة يميلون إلى تطوير سلوكيات انسحابية أو عدوانية، تعبيرًا عن صراعهم الداخلي بين الحب للوالدين والخوف من خسارتهم.
أما البالغون، فهم أيضًا ضحايا الحرب التي صنعوها بأنفسهم، أو على الأقل ضحايا سوء الفهم، الطموحات المتعارضة، والخلافات الصغيرة التي تراكمت في صمت. يصبح الحب مرهقًا، الالتزام عبئًا، والصمت لغة الحوار الوحيدة.
الفلاسفة مثل سيمون دي بوفوار يرون أن النزاعات الزوجية تعكس صراع الحرية الفردية مع الالتزام، بينما تقول هاننا أرندت إن فهم العلاقات الإنسانية هو اختبار دائم لقدرة الإنسان على الموازنة بين الرغبة في الحياة الذاتية ومسؤولية الآخر.
من منظور فلسفي آخر، يمكننا قراءة الطلاق كرحلة تكشف عن هشاشة فهم الإنسان للالتزام والحب، وعن الصعوبات التي يواجهها في التوفيق بين رغباته الشخصية ومسؤولياته تجاه الآخر.
أما الدين، فهو يقدّس الرباط الزوجي، لكنه يحذر من الألم الناتج عن الفشل في إدارة الخلافات.
القرآن يوجه بالرحمة واللطف في الطلاق، ويؤكد على حماية الأطفال:
"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (النساء: 19)
الإهمال في اتباع هذه المبادئ يحوّل البيت من مأوى إلى ساحة صراع، ويجعل الأطفال ضحايا حروب لم يختاروها. كما أن بعض الأحاديث النبوية تحث على التودد واللين في المعاملة بين الزوجين، وتحذر من أن يتحول الخلاف إلى كراهية أو ظلم:
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (حديث صحيح).
دراسات اجتماعية حديثة تشير إلى أن الطلاق أكثر شيوعًا في المجتمعات التي تواجه ضغوطًا اقتصادية واجتماعية، أو حيث يفتقد الزوجان مهارات التواصل وحل النزاعات، وأن الصراع المستمر بين الزوجين له آثار طويلة على الأطفال، على العلاقة الزوجية نفسها، وعلى قدرة الفرد على بناء علاقات مستقبلية صحية.
والسؤال الذي يثقل القلب: لماذا يتحول الحب إلى حرب؟ لماذا تتحول دفء العائلة إلى بركان؟
قد تكون الأسباب مزيجًا من عوامل: اختلاف القيم والرؤى، صراع الشخصيات، تراكم الإحباطات الصغيرة، أو غياب أدوات التواصل الفعّال. لكن وراء كل ذلك يكمن السؤال الفلسفي الأكبر: كيف يمكن للإنسان أن يعيش الحب مع الآخر بدون أن يخنقه الصمت أو يسقطه اللوم؟
الطلاق ليس مجرد انفصال، بل مرآة للإنسانية، اختبار للوعي الذاتي، وصراع بين القلب والعقل، بين الحب والخوف، بين الرحمة واللوم، بين الحرية والمسؤولية.
ربما لا يوجد حل كامل، وربما كل ما يمكن فعله هو أن نلاحظ، نفهم، نحاول حماية أطفالنا من الحرب التي صنعناها، ونخفف الألم قبل أن يتحول صمتهم إلى صرخة لا يسمعها أحد.
الطلاق إذن، ليس نهاية، بل بداية تأمل. رحلة لفهم الحب، الخيبة، والنمو، رحلة تجعلنا نسأل: هل يمكن للحب أن يعيش خارج الصيغ المألوفة؟ وهل يمكننا أن نحمي من نحب قبل أن يتحول الدفء إلى بركان؟

ربما في كل خلاف، كل صمت، كل بركان عائلي، هناك دعوة للوعي، للتوقف، للحوار، للحب الواعي. الطلاق ليس مجرد حدث، بل فرصة للنظر في أعماقنا، لفهم علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين، ولحماية المستقبل العاطفي لأولئك الذين نحبهم أكثر من أنفسنا.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غويانا الفرنسية – نهاية الحوض وبداية الرحلة الجديدة
- : فنزويلا – الأنهار المتقاطعة ومرتفعات غويانا
- : الإكوادور – نقطة التقاء خط الاستواء مع الغابة
- بوليفيا – حيث تتصارع الهضاب والمناخات
- كولومبيا – الغابة التي تحرس أسرارها
- البرازيل – قلب الحوض، عندما يصبح الوطن نهراً
- حين يبدأ النهر بالهمس… وتستيقظ الأرض من الماء
- «حين يُصغي القلب إلى حكمة الكون»
- علمني حبك سيدتي أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أح ...
- رحلة النفس الإنسانية بين الصراع والسلام الداخلي: من النفس ال ...
- من نظر إلى الناس بعين العلم مقتهم، ومن نظر إليهم بعين الحقيق ...
- من وهم الظنون إلى يقين الحقائق: نظرة أخلاقية وفكرية
- رحلة الروح نحو النور
- حين يتصوّف الأدب الفرنسي: رحلة من الرمز إلى الكشف
- مراثي الكرسي رقم 7
- أنشودة الضوء – إفريقيا التي لا تموت
- غناء الضوء في الغابة العتيقة
- بحيرة مالاوي: مرآة السماء ومهد الأساطير
- حين يؤذّن النور على ضفاف الميكونغ — المسلمون في فيتنام
- نشيد الماء والذاكرة


المزيد.....




- ما موقف ترامب تجاه وزير الدفاع بعد تقرير -البنتاغون- عن -خطو ...
- عاجل| ترامب: المرحلة الثانية من اتفاق غزة ستبدأ قريبا
- مفاوضات نادرة بين إسرائيل ولبنان لكنها قد لا توقف الحرب
- غزة مباشر.. شهداء بغارات على خان يونس ونتنياهو يتوعد حماس
- محللان: نتنياهو يوظف التصعيد لإفشال اتفاق غزة وتحصين موقعه ا ...
- نواف سلام للجزيرة: على حزب الله تسليم سلاحه ضمن مشروع بناء ا ...
- ولادة مقاومة جديدة في تونس
- قوة إسرائيلية تتوغل بريف القنيطرة وتقيم حاجزا مؤقتا
- -مسار الأحداث- يناقش جدوى المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية ال ...
- أوروبا تعدّل إرشادات لجوء السوريين في دول الاتحاد


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بسام العمري - حين يتحول الحب إلى صمت