أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - بحيرة مالاوي: مرآة السماء ومهد الأساطير














المزيد.....

بحيرة مالاوي: مرآة السماء ومهد الأساطير


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 04:47
المحور: السياحة والرحلات
    


في قلب القارة السمراء، حيث تتعانق الرياح القادمة من الشرق مع أنفاس المحيط،
تتربّع بحيرة مالاوي كجوهرةٍ أبديةٍ في تاج إفريقيا.
يقول أهلها: “من يشرب من مائها يعود إلى نفسه.”
فهي ليست بحيرةً فحسب، بل ذاكرةُ الأرض حين كانت بريئة،
حين كان الماء يتكلم والريح تُصغي.
حين تقترب منها، يبهرك السكون أولًا...
ذلك السكون الذي يسبق كلّ موسيقى،
والذي يخبئ في داخله ملايين الأصوات الصغيرة:
حفيف أوراق النخيل، صرير أجنحةٍ فوق الماء،
وضحكٍ خافتٍ لطفلٍ يركض حافيًا على الرمال الذهبية.
تتمدّد البحيرة على امتداد الأفق كبحرٍ حالمٍ لا يرى نفسه إلا في السماء،
فيسميها البعض “مرآة الغيوم”،
إذ تنعكس فوقها وجوهُ السحب، وتمشي الشمس عليها كعروسٍ تمشط شعرها من ذهب.
وفي الليل، حين تهبط النجوم كحباتٍ من الياقوت،
تتحوّل المياه إلى قنديلٍ سماويّ،
وتبدو القوارب الصغيرة كأحلامٍ تسبح في المدى.
تتسلل النسائم الرطبة من الغابات المجاورة،
تحمل رائحة الطين بعد المطر،
ورائحة الزهور البرّية التي لا اسم لها،
كأنها خُلقت للأنفاس لا للمعاجم.
وفي عمق البحيرة، تعيش أسماك السيكلد — أكثر من ألف نوعٍ منها،
لكلّ لونٍ حكايته، ولكلّ حركةٍ معنى.
تسبح حول الصخور المرجانية وكأنها رسائل من الله
كتبت بلغةٍ لا تُقرأ إلا بالقلب.
على الضفاف،
تنتشر قرى الصيّادين كخلايا نحلٍ بشرية،
بيوتٌ من القشّ والطين، تتنفس مع الفجر وتنام مع المساء.
النساء يخرجن في الصباح بملابس زاهية الألوان،
كأنهنّ أزهارٌ نبتت من الأرض مباشرة،
يحملن الجرار على رؤوسهنّ بخفةٍ مهيبةٍ تشبه الطقوس.
أما الرجال، فينطلقون بقواربهم المرسومة بالألوان الرمزية،
يحملون الشباك التي تروي عن الصبر أكثر مما تصطاد.
وفي الليل،
حين يعودون بالغنائم، تتعالى الأغاني كدعاءٍ جماعيّ،
تصحبها الطبول والإيقاعات التي تُعيد إلى الجسد ذاكرته الأولى:
ذاكرة الرقص، وامتنان الكائن للوجود.
القرى كلها تتحوّل إلى مهرجانٍ صغيرٍ للنور،
تتماوج فيه الأضواء كأنها نجومٌ سقطت لتسكن قرب الماء.
بعيدًا عن القرى، تمتد الغابات حول البحيرة كوشاحٍ من الأسرار.
فيها الأفيال التي تمشي في طوابير الصبر،
والظباء التي تقفز بخفةٍ بين الظلال،
والقرود التي تضحك كالأطفال،
والأسود التي تزأر لا لتخيف، بل لتذكّر بأن العظمة يمكن أن تكون هادئة.
تغمر الأرض موسيقى لا يسمعها إلا من يصغي بروحه،
حيث يختلط خرير الماء بنبض الأرض ودقّات قلبك أنت.
أما الطيور — يا لها من معجزةٍ متحركة!
الوروار بألوانه النارية،
أبو منجل الأسود بجناحيه اللامعين كالفجر،
والطاووس الإفريقي الذي يفتح ريشه كلّما اقترب المطر،
كأنه يستقبل السماء في طقسٍ من الفرح.
وفي ساعات الشروق،
ترى أسرابًا كاملةً تعبر البحيرة في لوحةٍ سماويةٍ تذكّرك
بأن الحرية لا تحتاج جناحين فقط، بل إيمانًا بالاتجاه.
هنا، الزمن لا يمشي — بل يطفو.
الدقيقة ليست مقياسًا، بل نغمة.
والحياة لا تُقاس بعدد الأيام، بل بعدد اللحظات التي تُدهشك.
يجلس المسافر عند الضفة،
تحت شجرةٍ ضخمةٍ عمرها مئات السنين،
تسمع جذورها حكاياتٍ عن أرواحٍ سكنت المكان ثم رحلت،
لكنها لم تغادر تمامًا — بل صارت جزءًا من النسيم والماء.
حين تضع يدك على الأرض،
تشعر بنبضٍ خفيفٍ كأنها تتحدث إليك،
تقول:
"هنا تتنفس الحياة بلا خوف، فابقَ قليلًا، وانسَ ما كان."
يغلق المسافر عينيه،
فيتلاشى ضجيج المدن، تقلّ الأسماء،
وتبقى فقط الأرض والماء والسماء —
ثالوث الخلود الذي لا يشيخ.
يُدرك حينها أن الجمال لا يُرى،
بل يُسكب فيك حتى تفقد حدودك.
وحين تشرق الشمس مجددًا،
تُصبح البحيرة مرآةً كبرى للعالم وللروح معًا،
ويفهم أن الجنة ليست وعدًا في البعيد،
بل مكانٌ يشبه هذه اللحظة،
حين ينسى الإنسان نفسه في حضن الطبيعة،
ويصير مجرّد نبضةٍ في قلب الخلود.
حين يغيب آخر خيطٍ من الشمس خلف الغابة،
تتبدّل البحيرة إلى حلمٍ أزرق،
تغفو فيه الأسماك، وتهمس الأمواج بأسرارٍ لا يعرفها إلا من أرهقته المدن.
يبدو الأفق كستارةٍ بين عالمين:
عالمٍ انتهى منذ قليل، وآخرَ على وشك الميلاد.
هناك، في البعيد،
تتعالى طبول القرى — ليست طقوسًا هذه المرة،
بل نداءً خافتًا للمسافرين الذين يتهيبون العبور.
صوتها يشبه وعدًا من الأرض ذاتها،
وكلُّ دقّةٍ منها تقول:
تقدّم... ما زال للجمال فصلٌ آخر ينتظرك.
الليل ينزل ببطءٍ كوشاحٍ من المخمل،
والنجوم تُوقد مشاعلها في سماءٍ كُحليةٍ تفيض بالأسرار.
ترى ظلالَ الصيادين العائدين على صفحة الماء،
وأنفاسهم تختلط ببخار الليل كأنها أرواحٌ تسافر في الضوء.
تجلس أنت في صمتٍ مطمئن،
كأنك تعرف أن الغد ليس زمنًا جديدًا،
بل امتدادٌ للحلم نفسه،
حلمُ الماء، والروح، والطريق الذي لم يُكتشف بعد.
وفي تلك اللحظة، حين يكتمل السكون كدعاء،
تشعر أن الأرض تهمس لك:
"اتبع الطبول... فهناك خلف الأشجار قرىٌ من الصبر والفرح،
تخبئ لك سرّ الإنسان حين عاش منسجمًا مع الندى."
فتغلق عينيك...
وترحل دون أن تتحرك،
في انتظار الفجر التالي —
حيث تبدأ الرحلة من جديد،
وحيث ستقودك الطبول إلى الحكاية القادمة:
"قرى الصبر: بين رائحة الذرة وصوت الطبول."



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يؤذّن النور على ضفاف الميكونغ — المسلمون في فيتنام
- نشيد الماء والذاكرة
- روح فيتنام — حين يتكلم القلب بلغة المطر
- من طين الحقول إلى مرايا الزجاج — فيتنام بين الهوية والحداثة
- بين ترف التأويل وتيه المعنى: قراءة في نقد لامية عويسات لنصّ ...
- حين تنهض الأرض من رمادها
- حيث تتكلم الأرض بلغة الماء
- ألف عام من الصبر تاريخ فيتنام ومعنى الحرية
- بلاد الماء والنور نزهة فكرية في جغرافية فيتنام
- حين تُنير الآلة طريق القلب — التأمل الروحي والفلسفي في عصر ا ...
- نحو إنسان جديد في زمن الذكاء الاصطناعي — التوازن بين العقل و ...
- المعرفة والوعي بين الإنسان والآلة — حدود الفكر وحدود الروح
- الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصن ...
- الإنسان والآلة — من التنافر إلى التكامل دراسة في البدايات ال ...
- -شظايا الحب في عيون القمر-
- الانتكاسة
- -أنثى تتوضأ بالضوء-
- إلى التي كانت نُورَ النصفِ قرن
- -من رحم الشدائد تولد العظمة-
- حينَ تاهَ العُشّاقُ بينَ الزمانِ والحنين


المزيد.....




- ما هدف إسرائيل من بناء جدار -يتخطى- الخط الأزرق؟
- أندونيسيا أول دولة تعلن مشاركتها في قوة حفظ السلام في غزة
- بريطانيا: الحق في اللجوء الدائم انتهى
- الشباب لا يُقبلون على قطاع الزراعة في أوروبا: أمن القارة في ...
- فرنسا-الجزائر: تهدئة هشة أم خطوة نحو المصالحة؟
- لبنان يشكو إسرائيل في مجلس الأمن بعد -بناء جدار- في الجنوب
- بعد متحف -اللوفر-.. سرقة مجوهرات باهظة الثمن في فرنسا
- -كوب30- في البرازيل ـ مسرة حاشدة من أجل حماية المناخ والعدال ...
- نتنياهو يريد قوة دولية في غزة قادرة على مواجهة حماس بالقوة
- بدر عبد العاطي لصحيفة -لا ريبوبليكا-: مصر ترفض أي تقسيم لغزة ...


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - محمد بسام العمري - بحيرة مالاوي: مرآة السماء ومهد الأساطير