أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - الانتكاسة














المزيد.....

الانتكاسة


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 23:33
المحور: قضايا ثقافية
    


إنها الانتكاسة... اللحظة التي ينقلب فيها المبدأ على عقبيه، ويتحول الشعار من صوت مدوٍّ في وجه الرداءة إلى مجرّد لوحة معلّقة على جدار النسيان. الانتكاسة ليست حدثًا عابرًا، إنها انحناءٌ طويل الأمد أمام إغراءات المجاملة، وانصياعٌ صامت لتبرير ما كان يومًا غير مقبول.
حين يكتب الناقد عن فساد التحكيم الأدبي، ويدين الشللية وتلميع النصوص الرديئة، ويرفع راية الصدق في وجه الرداءة، ثم نجده بعد حين على مقاعد التحكيم نفسها التي وصفها بأقسى العبارات، فهنا تتجلى الانتكاسة في أبهى صورها. كيف لمن نادى بفضح الفساد الأدبي أن يجد نفسه بين طياته، يرتشف من كأسه ويتبادل التحايا مع من اعتبرهم يومًا أعداء النص الحقيقي؟
الانتكاسة ليست مجرد تراجع، إنها انحدار بطيء نحو مستنقع التبرير؛ خطوة صغيرة في البداية، مجاملة بريئة، سكوت عن خطأ لغوي هنا، وغض طرف عن ركاكة هناك، لتتراكم التفاصيل وتصبح واقعًا جديدًا. في تلك اللحظة، يتحول الناقد إلى شاهد زور، والمتسلق إلى بطل، ويتبدل الميزان ليزن الرداءة ذهبًا والإبداع ترابًا.
ليس الأدب وحده من يصيبه داء الانتكاسة، بل هي ظاهرة متفشية في كل أركان الحياة. في السياسة، الانتكاسة تبدو حين ينادي الثائر بالحرية، وحين يصل إلى كرسي السلطة، يغلق الأبواب على منادٍ آخر، ويتخذ من الظلم الذي حاربه بالأمس سلاحًا له. الحرية تصبح شعارًا يُرفع في المناسبات، بينما الحقيقة تُقيد خلف قضبان المصالح. من كان يومًا صوت الشعب، يصبح صدىً باهتًا للمصالح الضيقة.
في المجتمع، الانتكاسة تظهر حين تتبدل القيم، ويصبح التملق وسيلة للنجاح، وتنقلب مفاهيم الشرف والاستقامة إلى مجرد حكايات تروى على طاولات النفاق الاجتماعي. تُصعّد الرداءة، ويُهمّش الإبداع، وتصبح المناصب حكرًا على العلاقات لا الكفاءات. فيصبح الوصول غايةً، والوسيلة لا تهم طالما التصفيق حاضر، والوجوه مبتسمة.
أما في الثقافة، فالمأساة أكبر؛ الانتكاسة هنا تعني أن يتحول الأدب إلى مجرّد عروض استعراضية على شاشات التواصل الاجتماعي، وأن تُقاس قيمة النص بعدد الإعجابات، لا بعمق الفكرة أو روعة التعبير. يتحول الناقد إلى مجرد مُصفق، يُهلل للرداءة، ويُشيد بالركاكة، ويغض الطرف عن الأخطاء القاتلة، ما دام صاحب النص ضمن "الشلة"، وما دامت المصالح المشتركة تفرض نفسها كمعايير للتحكيم.
الانتكاسة ليست مجرد حدث عارض، بل هي تراكم لتنازلات صغيرة، كل خطوة منها تُضاف إلى الأخرى، حتى يُصبح السقوط أمرًا حتميًا. حينها، لا يبقى من الصدق شيء، ولا من الإبداع أثر. تتحول الرداءة إلى عرف، والمجاملة إلى قانون، والفساد إلى منهجية يُبررها الجميع بعبارات منمقة وشعارات فارغة.
هل نلوم الرداءة على انتشارها؟ أم نلوم من صفق لها حين كانت لا تزال في مهدها؟ أم نلوم أولئك الذين صرخوا في وجهها، ثم جلسوا في مقاعدها، وارتشفوا من كأسها بملء الرضا والاقتناع؟
إنها الانتكاسة، حين يُباع المبدأ في سوق المصالح، ويُشترى الصمت بأوسمةٍ زائفة، ويُطلى الباطل بألوان الحقيقة. إنها الانتكاسة، حين يتحول الصوت الحر إلى صدىً باهتٍ، وحين يَجلس من نادى يومًا بالثورة على الفساد، في طاولة التحكيم ذاتها التي وصفها بالمهزلة. فهل بعد هذا نقول إن الأدب بخير؟ أم نعلن الحداد على الصدق، ونغلق كتب الحقيقة، ونطفئ شمعة الأمل في غدٍ أكثر إنصافًا؟



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أنثى تتوضأ بالضوء-
- إلى التي كانت نُورَ النصفِ قرن
- -من رحم الشدائد تولد العظمة-
- حينَ تاهَ العُشّاقُ بينَ الزمانِ والحنين
- تاريخ النقد الأدبي والفلسفي في الثقافات العربية والغربية
- أدب الأطفال كوسيلة للتكيف مع التحديات المستقبلية
- -التجريب والاستكشاف: مفتاح الإبداع لدى الأطفال-
- تأثير الجمال على السلوك الأخلاقي بين الأديان والفلسفة
- الشهداء يصرخون ....... إننا قادمون
- -تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-
- المرأة: الكينونة التي تلد المعنى — قراءة فلسفية وجمالية عبر ...
- -حين تبدأ العقارب من جديد: ولادة تحت الأنقاض-.
- -أجزاء من الدجاج تهدد صحتك-
- إسهامات رواد القصة القصيرة
- مقامة الكتابة بين السراج والسراب
- حين تزهر الروح في ضوء الفجر
- نشأة القصة القصيرة وتطورها التاريخي
- كيف ينظر الحمير إلى انحدار الأخلاق البشرية؟-
- الثوم بين الفائدة والضرر: مراجعة علمية لأبرز أضراره وتأثيرات ...
- تفكك القيم الأخلاقية في العصر الحديث: مقاربة تحليلية بين الد ...


المزيد.....




- -تجاوزت مليار دولار-.. الكشف عن معاملات مالية -مشبوهة- لجيفر ...
- قراءة أولية في خطاب العاهل المغربي بعد تصويت مجلس الأمن
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة وعبوة تستهدف جنوده شرق نابلس
- المعارضة بتنزانيا تتحدث عن مقتل المئات في احتجاجات على الانت ...
- الصين ترسل طاقما من 3 رواد إلى محطتها الفضائية
- مالي..-القاعدة- يشدد حصاره على العاصمة ويرتكب انتهاكات مروعة ...
- القصة الكاملة لسقوط الفاشر
- واشنطن تعلن دعمها رفع عقوبات قانون -قيصر- عن سوريا
- رئيس الأركان الأميركي يجري جولة استطلاعية بمروحية فوق غزة
- العاهل المغربي: أدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - الانتكاسة