أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد بسام العمري - كيف ينظر الحمير إلى انحدار الأخلاق البشرية؟-















المزيد.....

كيف ينظر الحمير إلى انحدار الأخلاق البشرية؟-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 11:04
المحور: كتابات ساخرة
    


"لطالما كانت الحمير رمزًا للبساطة والصبر في عالم البشر، لكنها اليوم قررت أن تلقي نظرة نقدية على قيم ذلك العالم المتغير. في مقهى الحمير، حيث يجتمع حكماء الحمير لتبادل الأفكار والتأملات، أثار أحدهم سؤالًا حاسمًا: لماذا تسوء الأخلاق البشرية مع مرور الزمن؟ في هذا الحوار، لن نسمع صوت البشر المعتاد، بل سنتعرف على رؤى الحمير الحكيمة التي، برغم صمتها في الحياة اليومية، تحمل دروسًا فلسفية عميقة وساخرة حول الأخلاق، وكيف أضاعها البشر في زحمة العولمة والمصالح."
في زاوية منسية من عالم البشر، حيث يغيب الضجيج ويعلو صوت التأمل، يقع مقهى الحمير. هنا، تجتمع الحمير الحكيمة كل مساء لتناقش شؤون الحياة، تصقل أفكارها، وتشارك رؤاها حول العالم الذي عاشته يومًا في بساطة وتناغم، مقارنة بالفوضى التي تشهدها الآن.
في تلك الليلة، كان الجو مشحونًا بالتساؤلات. الهدوء المعتاد في المقهى تبدد بفعل نقاش عاصف دار حول قضية أزلية: "لماذا تسوء الأخلاق مع مرور الزمن؟" سؤال يتجاوز حدود الزمن والجغرافيا ليصل إلى جوهر الحياة ذاتها.
الحمار الفيلسوف، الذي اعتاد أن يبدأ النقاش، هز أذنيه بحكمة وقال:
"أيها الأصدقاء، نحن الآن نعيش في عالم تغير كثيرًا عن زمن أجدادنا. كانت القيم في عالم الحمير تشبه العشب الأخضر، نقيّة ومتاحة للجميع. أما اليوم، فأصبحت الأخلاق مثل ماء نادر في صحراء قاحلة، يتصارع الجميع عليه. هل نسأل أنفسنا: لماذا تغيرت الأمور؟"
الحمار الاجتماعي، الذي يحمل في عينيه نظرة المسؤولية تجاه القطيع، رد بتنهيدة عميقة:
"إنها الظروف يا صديقي. حين تكون الموارد شحيحة، تتغير الأولويات. أليس هذا ما حدث للبشر أيضًا؟ الجوع والخوف يدفعان الكائن إلى أن يضع نفسه أولًا، حتى لو كان ذلك على حساب الفضيلة. لكنني أتساءل: هل نحن، الحمير، أصبحنا مثلهم؟ أم أن فينا ما يُبقي على بصيص من قيم عالمنا القديم؟"
الحمار النفسي، المعروف بتأملاته العميقة في طبيعة الكائنات، حكّ رأسه ببطء وأجاب:
"لكن الفضيلة ليست مجرد انعكاس للظروف الخارجية. الفضيلة هي ما نحمله في داخلنا. في عالم الحمير القديم، لم يكن هناك جوع أو خوف يفسد النفوس، لأننا كنا نعيش بتناغم مع الطبيعة. أما اليوم، فقد تشوهت علاقاتنا، ليس لأن العالم تغير فقط، بل لأننا سمحنا لتلك التغيرات أن تدخل إلى أعماقنا وتُبدّل طبيعتنا."
رفع الحمار الواقعي صوته بابتسامة ساخرة، وهو يرتشف قهوته:
"دعونا لا نتغنى بالمثالية كثيرًا! حتى في عالم الحمير القديم، كانت هناك صراعات، لكننا كنا نعرف كيف نحافظ على التوازن. الآن، في هذا العالم الجديد، كل شيء يتطلب تنافسًا: على العشب، على الماء، حتى على الاحترام. لا يمكن أن تتوقع من حمار جائع أن يكون حكيمًا أو أخلاقيًا!"
الحمار المثالي، الذي يؤمن بأن الخير هو جوهر لا يتغير، قاطعهم بنبرة صارمة:
"لا أوافقكم! الخير لا يتغير. الفضيلة ليست شيئًا نكتسبه ثم نفقده بسبب الجوع أو التغيرات. إذا كانت الأخلاق لدينا قد تراجعت، فهذا يعني أننا نسينا ما كنا عليه في الأصل. عالم الحمير لم يكن مكانًا مثاليًا لأنه خالٍ من التحديات، بل لأننا كنا نؤمن بقيمنا ونعيشها يوميًا. لماذا لا نستطيع استعادة هذا الإيمان الآن؟"
في هذه اللحظة، تدخل الحمار التاريخي، المعروف بحبه لسرد الحكايات القديمة، وقال:
"أيها الأصدقاء، لنفهم الحاضر، علينا أن ننظر إلى الماضي. في زمن أجدادنا، لم تكن الفضيلة مسألة اختيار، بل كانت جزءًا من حياتنا اليومية. كنا نتشارك كل شيء، لا أحد يأخذ أكثر مما يحتاج. لكن مع مرور الوقت، ومع تغير الظروف، بدأنا نرى أنفسنا كأفراد بدلاً من كجماعة. هنا بدأ التغير الحقيقي."
الحمار الفيلسوف عاد ليطرح سؤالًا جديدًا:
"لكن هل يمكن أن نلوم الزمن وحده؟ أم أننا نحن من تغيرنا؟ البشر، كما قرأنا عنهم، يلقون باللوم على الاقتصاد، على الجوع، على كل شيء إلا أنفسهم. هل نحن، الحمير، أصبحنا مثلهم؟ هل تخلينا عن قيمنا لأننا اعتقدنا أن العالم الحديث يفرض علينا ذلك؟"
النادل الحمار، الذي كان يستمع بصمت وهو ينظف الطاولات، اقترب وقال بنبرة هادئة، لكنها تحمل حكمة عميقة:
"أيها السادة، كل ما تقولونه صحيح من زاوية ما. لكن الأخلاق، بالنسبة لي، تبدأ في الأمور الصغيرة: احترام من يخدمكم ودفع ثمن قهوتكم أولًا! قد يكون العالم قد تغير، لكن الأخلاق دائمًا تبدأ من التفاصيل اليومية."

بينما خيّم الصمت على مقهى الجمير، أخذت الحمير ترتشف قهوتها ببطء، كل واحد منهم غارق في أفكاره. كلمات الحمار الفيلسوف والنادل الحمار بدت وكأنها حبات مطر خفيفة تهطل على عشب ذاكرة قديم. لكن الحمار الواقعي قطع هذا الهدوء بابتسامة ساخرة:
"دعونا نكون صادقين مع أنفسنا. نحن نناقش الأخلاق وكأننا بحاجة لإعادة اختراعها، بينما البشر، من جانبهم، جعلوا منها مسرحية هزلية. يرفعون شعارات الفضيلة في الصباح، ويتبادلون الخداع على موائد العشاء. بالنسبة لهم، الأخلاق مجرد أوراق تُقلب حسب اتجاه الريح. أليس كذلك؟"
الحمار النفسي هز رأسه موافقًا وأضاف:
"كم أشفق عليهم! البشر يعيشون في دوامة لا تنتهي، يحاولون صنع أخلاق جديدة تناسب كل زمن، لكنهم لا يدركون أنهم يخلقون وحشًا من التناقضات. كيف لهم أن يتحدثوا عن العدالة وهم يزرعون الظلم؟ كيف لهم أن يطالبوا بالفضيلة وهم يتنافسون على سرقة أحلام بعضهم؟"
ثم انبرى الحمار المثالي ليقول بلهجة حادة:
"يا أصدقائي، دعونا لا نلوم البشر فقط. علينا أن نتعلم منهم! أليسوا أسياد النفاق؟ أليسوا عباقرة في اختراع أعذار لفسادهم؟ ربما لو اتبعنا طريقتهم، لتمكنا من تبرير كل شيء! في النهاية، هم يرفعون شعارات الحرية بينما يضعون القيود على أنفسهم وأقرانهم. يطالبون بـ المساواة ، لكن فقط إذا كانت في صالحهم. أليس هذا درسًا في السخرية؟"
الحمار التاريخي، الذي لا يفوت فرصة لإضافة لمسة من الحكايات القديمة، قال بابتسامة عريضة:
"لا تنسوا أن البشر اعتقدوا لقرون أننا - نحن الحمير - رموز للغباء. كم هو مضحك أن الغباء الحقيقي هو أن تضع نظامًا معقدًا يدمرك من الداخل. البشر اخترعوا المال ليكون وسيلة، فأصبح غاية. اخترعوا القوانين لتحميهم، فأصبحت سلاحًا ضدهم. أما نحن الحمير، فقد كنا سعداء بعشبنا ومياهنا، ولم نكن بحاجة لشيء آخر."
النادل الحمار، الذي كان يلمع أكواب القهوة ويستمع بصمت، قاطعهم بابتسامة هادئة:
• "أيها السادة، أعتقد أن البشر يستحقون قليلًا من الشفقة. تخيلوا حياة لا يمكنك فيها الثقة بجارك، ولا حتى بأفكارك الخاصة. تخيلوا عالمًا تتحول فيه الأخلاق إلى مجرد سلعة تُباع وتشترى. نحن الحمير قد لا نملك أموالهم، ولا صراعاتهم المعقدة، لكننا نملك ما هو أثمن: بساطتنا التي جعلتنا نعيش في تناغم مع أنفسنا ومع الطبيعة."
نهض الحمار الفيلسوف عن مقعده، ونظر إلى أصدقائه ثم قال:
"ربما حان الوقت لنترك للبشر مهمتهم في تدمير أنفسهم، ولنركز نحن على استعادة قيم عالم الحمير القديم. دعونا نتذكر أن الأخلاق لا تحتاج إلى مؤتمرات ولا قوانين، بل تحتاج فقط إلى قلوب صادقة وأرواح تعرف معنى الاكتفاء. أما البشر، فربما يحتاجون إلى ألف عام إضافي من الجوع، والظلم، والخداع، قبل أن يدركوا ما أدركناه منذ البداية: البساطة هي مفتاح الفضيلة."
انفجرت الحمير ضاحكة، ثم عادت إلى قهوتها، بينما ظل السؤال معلقًا في الهواء:
"هل يمكن للبشر أن يتعلموا شيئًا من الحمير؟ أم أنهم سيبقون مشغولين باختراع أعذار جديدة لانهيار قيمهم؟"
ربما، في النهاية، ستظل الحمير تنظر إلى البشر على أنهم مثال حي على كيفية تحويل الفضيلة إلى وهم، وكيفية تحويل الحياة البسيطة إلى معادلة مستحيلة.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثوم بين الفائدة والضرر: مراجعة علمية لأبرز أضراره وتأثيرات ...
- تفكك القيم الأخلاقية في العصر الحديث: مقاربة تحليلية بين الد ...
- الحلم العربي
- -وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ-
- أغاني الفراق- و -خيوط الأحلام المنثورة-
- حين يفكر القلب ويتكلم الجمال
- الوعي الإيكولوجي الإفريقي الجديد — حين تتحدث الأرض بذكاء الإ ...
- قهوة فيروزية وحكاية لم تنتهِ
- النهضة الخضراء في إفريقيا — بين صرخة الأرض وذكاء المناخ
- قائمة الموتى
- نهضة الجسد والعقل والذاكرة
- ما بعد الصرخة
- : العقل الإفريقي بين الطباشير والسحابة
- «الصحة والتعليم الرقميان في إفريقيا: الجسد والعقل بين بيانات ...
- البيان الإلهي وأسراره في التأثير على النفس الإنسانية
- التحولات الاقتصادية العالمية الكبرى وأثرها المركّب على دول ا ...
- القارة التي تكتب نفسها — وعي إفريقيا في زمن التحول الرقمي
- الاستعمار الجديد: من الذهب الأسود إلى استعمار البيانات
- الفساد الإداري والمالي،
- أفريقيا: القارة التي تنهض من رمادها


المزيد.....




- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...
- حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع ...
- الأنثى البريئة
- هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخاً بديلاً عن الإنسان؟
- حلم مؤجل
- المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في -متنزه ا ...
- أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بع ...
- باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الإستعمار الإسرائيل ...


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد بسام العمري - كيف ينظر الحمير إلى انحدار الأخلاق البشرية؟-