محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 21:20
المحور:
الادب والفن
جلس الوطن أمام بابه، يفتح قائمة الموتى.
لم تكن ورقة، بل كانت لفة من لحمٍ ويُتم، مبلّلة بدموع الأمهات.
كل اسمٍ فيها، كان نبضًا توقّف بلا وداع.
أخذ يعدّ الذين لم يعودوا…
العائدون في التوابيت، في صور بالأبيض والأسود، في أحلام النساء اللواتي لم يُكملن الحكاية.
أطفال نُزعوا من صدور أمهاتهم، وابتلعهم الغبار دون قبور.
كان الوطن شيخًا متعبًا، يحمل رأسه كمن يحمل مقصلة.
كل اسمٍ يقرؤه، ينزف من جبينه وجعًا قديمًا.
كأنه يُحصي خساراته بندبة خلف ندبة، بلا ضمادٍ ولا شفقة.
قال له أحد الظلال:
ــ لمَ تعدُّهم؟ لقد ذهبوا...
فأجابه الوطن:
ــ بل ما زالوا هنا، في الشوارع الخالية، في عيون الأرامل، في صوت المؤذن حين يبكي، في دمى الأطفال تحت الركام.
في ركنٍ من الليل، جاءه إبليسُ متخفّيًا في زيّ صحفيٍّ محايد، وقال:
ــ هذا زمن النسيان، خفّف عدد السطور… الناس لا تقرأ أكثر من عنوان.
لكن ملاكًا كتب بالطباشير على الجدار:
"ليس من ماتَ فاستراح بميتٍ... إنما الميت ميت الأحياء."
ظلّ الوطن يعدّ...
واكتشف أن رصيده في الفناء يتضاعف.
لم يعد يفرّق بين شهيدٍ وسجينٍ ومنفيٍّ ومجنون.
كلهم باتوا وجوهًا في دفتر الزوال.
صوتٌ ما بداخله كان يهمس:
ــ وماذا بعد العدّ؟ هل يتغيّر شيء؟
فردّ عليه صدى منهك:
ــ بل نحن مَن يتغيّر… نصير رقماً في القوائم، ثم نتحوّل إلى نسيان قابل للمشاركة.
قال لنفسه:
ــ كيف لي أن أدفنهم دون أن أدفن صوتهم فيّ؟
كيف أُكمل ما تبقّى من الوطن دون أن أرتدي حداد كلّ الأمهات؟
فأجابته الريح:
ــ لا تُدفن الأصوات، بل تُنكر.
وإذا أردت العزاء، فاحفره في ذاكرتك، لا في التراب.
وفي المساء، أغلق الوطن قائمته، ووضعها في صدره، ثم قال:
ــ إذا سألكم أحد عن عدد الذين ماتوا... قولوا لهم: عدد الذين صمتوا.
ثم أضاف بصوتٍ بالكاد يُسمع:
ــ أو الذين كانوا شهودًا… ولم يقولوا شيئًا.
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟