محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 02:03
المحور:
الادب والفن
لا أحد يعرف متى توقفت الساعة، لكن الجميع يعرف أنها لم تكن تعمل من البداية.
في الطابق الرابع من بناية قديمة وسط المدينة، انتقل "يوسف" ليعيش وحده بعد وفاة والدته. لم يكن هناك ما يميّز الشقة سوى شيء واحد: ساعة حائط ضخمة قديمة، يتدلّى منها بندول صدئ، توقفت عقاربها عند 11:59.
حاول نزعها، لكنها لم تتحرك. كأن الجدار ابتلعها.
قالت له جارتُه العجوز:
"لا تعبث بها يا بني… كل من لمسها، لم يعد كما كان."
ضحك يوسف. اعتبرها خرافة من عجوز وحيدة.
لكنه بدأ يسمع شيئًا غريبًا…
كل ليلة، وعند الساعة 11:59 بالضبط، تصدر الساعة صوتًا خافتًا...
تك… تك… تك…
ثم صمت.
وفي كل ليلة، شيء واحد في حياته يختفي.
في الليلة الأولى: نسي رقم هاتفه.
في الثانية: نسي عنوان شقته، وتاه في الطريق رغم أنه عاد لتوه منها.
في الثالثة: نسي شكل وجهه.
بدأ يكتب كل شيء في دفتر صغير: الأسماء، التواريخ، ما يحب وما يكره، كي لا يفقد ذاته.
ولكن في الليلة السابعة…
استيقظ ليجد شيئًا مروّعًا:
صور طفولته، كلّها ممزقة.
اسمه، محذوف من بطاقته.
صوته… لا يخرج.
ذهب للطبيب، لكن الطبيب لم يجده في السجلات.
ذهب للعمل… فأنكروه.
قال له مديره:
"لا يوجد عندنا موظف بهذا الاسم. من أنت؟"
حين عاد للشقة، وجد الساعة تدق مجددًا، ولكن هذه المرة الرقم لم يكن 11:59
بل "00:00"
ثم فتحت الساعة نفسها كأنها باب.
من داخل الساعة، خرج ضوء رمادي كثيف…
وصوت يشبه صوت أمه، يهمس:
"أنت انتهيت… والساعة لا تُخطئ."
يوسف دخل. لم يكن مجبرًا، لكنه لم يعد يملك شيئًا بالخارج.
ما وجده لم يكن تروسًا، ولا عقارب.
بل ممرًا طويلًا من الغرف… كل غرفة تحمل لحظة من حياته.
أول صراخه عند الولادة.
ضحكته مع والده الذي توفي.
أول دمعة ذرفها حين عرف أنه وحيد.
لكن الغريب؟
كل غرفة كانت مكررة…
وفي كل نسخة، شيء مختلف.
في واحدة، مات صغيرًا.
في أخرى، كان مجرمًا.
وفي غرفة، رأى نفسه يسير فوق بحر من الجثث… بابتسامة هادئة.
وفي آخر الممر، وقف هو…
نسخة منه ترتدي معطفًا أبيض، تمسك بندول الساعة بيد واحدة، وتقول:
"نحن لا نعيش الزمن… نحن نُستهلَك منه.
وكل ثانية تنقضي، هي قضمة منّا."
اقتربت منه، وقالت بابتسامة شاحبة:
"حان وقتك لتدور… مثل كل من سبقك."
الآن، كل من يمر بجانب البناية، يسمع دقات الساعة كل ليلة…
لكنها لم تعد تشير إلى الوقت.
بل إلى اسم جديد يُمحى من الوجود.
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟