أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -قبور تمشي بيننا-














المزيد.....

-قبور تمشي بيننا-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 09:36
المحور: الادب والفن
    


في صباح رماديٍّ مائلٍ إلى الكآبة، اجتمع الناس في ساحة البلدة الصغيرة. ضحكاتٌ عالية، أحاديثٌ متناثرة، وأصواتُ الأطفال تتعالى بين الأزقة. بدا كل شيء طبيعيًا، كأن الحياة تحتفل بوجودها، غير مدركة للقبور التي تتحرك وسط الحشود.
كان سامي واقفًا عند زاوية المقهى العتيق، ينفث دخان سيجارته بتثاقل. عيناه تتابعان وجوه المارة، لكنه لم يكن يرى سوى ظلالٍ مثقلة. مرّ رجلٌ أنيق ببدلةٍ داكنة وربطة عنقٍ مثالية، وجهه مبتسم لكنه لمح شحوبًا خفيًا خلف تلك الابتسامة، كأنها قناع واهن يغطي جرحًا غائرًا.
قريبًا منه، كانت امرأة تحمل طفلها بين ذراعيها، تغني له بهدوء، بينما عيناها تشيان بحزن عميق، حزن امرأة فقدت حلمًا ما ذات يوم، لكنّها استمرت بالمضي، تزرع ابتسامات زائفة فوق أطلال قلبها.
سامي كان يعرف الحقيقة؛ الناس ليسوا كما يظهرون. داخل كل وجه، هناك قصة مخفية، صراعٌ دفين، ومأتمٌ صامت. تعلم هذا حينما فقد والده فجأة، في الوقت الذي كان يعتقد فيه أن الحياة مستقرة. أدرك حينها أن كل ضحكة ربما تخفي خلفها دمعة، وكل هدوء قد يكون سكونًا يسبق الانفجار.
في أحد الأيام، جلس على مقعد حجري في الحديقة العامة، بجانبه رجلٌ مسن، ملامحه ساكنة لكن عينيه كانتا تنطقان بحكايات مدفونة. بادره سامي بالكلام:
– "تبدو هادئًا جدًا، كأنك تصالحْتَ مع كل شيء."
ابتسم الرجل ابتسامة شاحبة:
– "يا بُني، الهدوء لا يعني التصالح، بل هو استسلام أحيانًا. أنا أحمل قبري داخلي منذ سنوات."
سكت سامي، شعر بكلمات الرجل تخترق أعماقه. كم شخصًا يجلس الآن، يحتسي قهوته، يبتسم للناس، لكنه داخليًا يئن؟ كم من القبور تمشي بيننا دون أن نلحظها؟
أدرك حينها أن الناس يشبهون البيوت المغلقة، نرى واجهاتها لكن لا نعرف ما يحدث خلف الأبواب. البعض يعيش عزاءً دائمًا وهو بين الأحياء، والبعض الآخر يغلف فوضاه بصمتٍ قاتل.
نهض سامي من مكانه، سار في الشارع المكتظ، لكنه لم يرَ الوجوه كما كان يراها من قبل. كان يرى القبور الصغيرة في صدورهم، يرى التراب المتراكم فوق أحلامهم، يرى الألم المختبئ خلف الضحكات.
وقف وسط الطريق وهمس لنفسه:
"ترفّقوا... ففي داخل كل إنسانٍ حيٍّ قبر."



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أشرعة الروح في ليل المنفى-
- درسٌ في الحساب: بين الأعداد واللّا-نهاية
- سنرو الأدعياء: هجاء قصير في زمن الأدب الزائف
- مفهوم السعادة والشقاء
- مِنْ حِكَمِ الأَجْدَادِ إِلَى الفِكْرِ الفَلْسَفِيِّ الحَدِي ...
- الملل المدرسي بين العوامل النفسية والبيداغوجية: قراءة في الأ ...
- حين يتجلى الجمال في مرآة الأخلاق: بين نيتشه والفكر المعاصر
- السلبيات والحلول الممكنة لمشكلة الملل والتسرب المدرسي
- -المرأة العصبية: بين الحقائق العلمية والافتراضات الاجتماعية-
- من سباحة الأجرام إلى تعاقب الليل والنهار: حوار العقل والقلب ...
- الملل والتسرب المدرسي: قراءة في الأسباب النفسية والاجتماعية ...
- الذئب الذي يقطف الإوزة
- الملل المدرسي بين العوامل المؤثرة والاستراتيجيات العلاجية: م ...
- بين الفهم والوهم
- فنون التعليم الحديثة: بين تعزيز المشاركة وبناء العاطفة وتنمي ...
- أشياء لا يفعلها الرجل إلا للمرأة التي يحبها حقًا
- -اخضرار الياسمين-،
- -الانطفاء الأخير-
- المقامة الفاسدة
- الأدب الياباني: مرايا الروح بين البساطة والعمق


المزيد.....




- إصفهان، رائعة الفن والثقافة الزاخرة
- سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب ...
- وفاة الفنانة التركية غُللو بعد سقوطها من شرفة منزلها
- ديمة قندلفت تتألق بالقفطان الجزائري في مهرجان عنابة السينمائ ...
- خطيب جمعة طهران: مستوى التمثيل الإيراني العالمي يتحسن
- أعداء الظاهر وشركاء الخفاء.. حكاية تحالفات الشركات العالمية ...
- طريق الحرير.. القصة الكاملة لأروع فصل في تاريخ الثقافة العال ...
- جواد غلوم: ابنة أوروك
- مظاهرة بإقليم الباسك شمالي إسبانيا تزامنا مع عرض فيلم -صوت ه ...
- ابتكار غير مسبوق في عالم الفن.. قناع يرمّم اللوحات المتضررة ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -قبور تمشي بيننا-