أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب المعاصر- التحول اللغوي: مقاومة للاستعمار الثقافي















المزيد.....

رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب المعاصر- التحول اللغوي: مقاومة للاستعمار الثقافي


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 08:17
المحور: قضايا ثقافية
    


يعتبر التحول اللغوي لدى نجوجي واثيونغو أحد أبرز معالم مشروعه الفكري والأدبي، حيث يعكس فلسفة مقاومة ثقافية عميقة. فبعدما بدأ الكتابة باللغة الإنجليزية، وهي لغة المستعمر، شعر واثيونغو بضرورة العودة إلى لغته الأم للتعبير عن هويته الأفريقية الحقيقية. هذه الخطوة لم تكن مجرد فعل احتجاجي، بل كانت تمثل نقدًا جذريًا لسيطرة الثقافة الاستعمارية على الأدب والتعليم والفكر في أفريقيا. في كتابه "تصفية استعمار العقل" (Decolonizing the Mind)، يشرح واثيونغو كيف أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي نظامٌ يحمل في طياته تاريخ الشعوب، رؤاها للعالم، ونظرتها إلى الوجود. وبهذا المعنى، فإن الكتابة بلغة المستعمر تؤدي إلى تبني قيم المستعمر ونظامه الثقافي، مما يفقد الشعوب الأفريقية قدرتها على التعبير عن نفسها بلغتها الخاصة.
واثيونغو ليس وحده في هذا المسعى، بل هناك عدد من الرواد الأفارقة الذين تبنوا مسألة العودة إلى اللغات المحلية في الكتابة. من أبرز هؤلاء:
1. شيخ أنتا ديوب: العالم والباحث السنغالي، الذي ركز على أهمية اللغة الأفريقية في استعادة التاريخ والثقافة الأفريقية الأصيلة. كتب العديد من الأعمال التي دعا فيها إلى تعزيز دور اللغات الأفريقية في التعليم والحفاظ على الهوية الثقافية.
2. أوليمي سوينكا: الأديب النيجيري الحائز على جائزة نوبل، الذي استخدم أيضًا لغته المحلية "اليوروبا" في بعض أعماله المسرحية لتعزيز روح التراث الأفريقي وإعادة إحياء تقاليده.
3. أمارا ليا بوبا: الكاتب السنغالي الذي كتب بلغته الأم، "الوولوف"، حيث كان يسعى إلى تعزيز الهوية الثقافية المحلية ومحاربة الاستعمار الثقافي.
هذا التحول اللغوي من الإنجليزية إلى اللغات الأفريقية يعكس فلسفة نقدية تنطلق من فكرة أن اللغة ليست فقط وسيلة للكتابة، بل هي حاملة للذاكرة الجماعية والثقافة الأصيلة للشعوب. ويعبر واثيونغو في أكثر من مناسبة عن رأيه بأن التحرر الثقافي يبدأ بالتحرر اللغوي، حيث يجب أن يعيد الأفارقة كتابة قصصهم بأنفسهم وباللغة التي يفهمونها، وليست اللغة التي فرضها عليهم المستعمر.
الكتابة بالكيكويو: خطوة نحو التحرر الثقافي
قرار واثيونغو الكتابة بلغة "الكيكويو" يمثل خطوة جذرية في مسيرته الأدبية، حيث أراد من خلاله إعادة إحياء الثقافة الكينية الأفريقية الأصيلة. فقد كان يرى أن الكتابة بلغة المستعمر، الإنجليزية، لا تستطيع أن تحمل عبء التعبير عن الهموم والتطلعات الأفريقية. على سبيل المثال، روايته "شيطان على الصليب" (Devil on the Cross) التي كتبها بالكيكويو تعكس هذا التحول، إذ تعبر عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها الشعب الكيني بطريقة تعبر بصدق عن واقعهم الثقافي.
أدب واثيونغو المكتوب بالكيكويو لم يكن مجرد محاولة لإحياء اللغة، بل هو جزء من حركة أوسع لإعادة الارتباط بالتراث الأفريقي ومقاومة محاولات طمس الهوية الثقافية. لقد لعبت لغات أخرى أيضًا دورًا مشابهًا في نهضة الأدب الأفريقي، حيث كتب العديد من الأدباء الأفارقة بلغاتهم الأم لتعزيز الهوية الثقافية وتعبيرًا عن استقلالهم الفكري. ومن أبرز الأمثلة:
1. أوكوت بيتيك: الكاتب الأوغندي الذي كتب باللوغندية في عمله الشهير "أغنية لورمي" (Song of Lawino)، حيث استخدم لغة قبيلته لنقل تجربة الشعوب الأفريقية تحت وطأة الاستعمار والتغريب الثقافي.
2. توماس موفولو: الكاتب من ليسوتو الذي كتب بالسيزوثو، ويعد عمله "تشيكاكا" (Chaka) من أقدم الروايات الأفريقية التي كتبت بلغة محلية، حيث يعكس الرواية ملحمة نضالية لشعبه.
تأثير الأدب الأفريقي في الأدب العالمي
مع هذا التحول اللغوي والتمسك باللغات المحلية، لم يتراجع الأدب الأفريقي عن المنافسة على المستوى العالمي، بل على العكس، تعزز تأثيره في الأدب العالمي. فالرؤى الجديدة التي يقدمها الأدباء الأفارقة مثل واثيونغو، سوينكا، وتشيبي، تفتح نوافذ جديدة على تجارب إنسانية عميقة تتجاوز حدود أفريقيا الجغرافية لتلامس قضايا إنسانية عامة تتعلق بالحرية، الهوية، والاستقلال.
الأدب الأفريقي المكتوب باللغات الأفريقية، على الرغم من تحدياته في الوصول إلى القراء العالميين، بدأ يجد مكانه في المشهد الأدبي العالمي. حيث يتم اليوم ترجمة العديد من الأعمال إلى الإنجليزية والفرنسية، مما أتاح لجمهور عالمي واسع الوصول إلى هذا الأدب العميق. من خلال هذه الأعمال، يستكشف الأدب الأفريقي موضوعات مثل الاستعمار، العبودية، التهميش، والهوية، مما يضفي على الأدب العالمي بعدًا جديدًا أكثر شمولية.
إلى جانب واثيونغو، يمثل أدباء آخرون مثل تشينوا أتشيبي (Chinua Achebe) وول سوينكا (Wole Soyinka) جزءًا من هذا التيار الذي أعاد للأدب الأفريقي مكانته العالمية. على سبيل المثال، رواية أتشيبي الشهيرة "الأشياء تتداعى" (Things Fall Apart) تُعتبر أحد أهم الأعمال الأدبية في القرن العشرين، حيث تمثل تحفة فنية تُظهر الصراع بين الثقافات الأفريقية والمستعمر البريطاني، وتُعد نموذجًا يعكس الأصالة والقدرة الإبداعية للأدب الأفريقي.
الأدب الأفريقي ومكانته بين الأعمال الأدبية العالمية
لم يكن الأدب الأفريقي محصورًا في معالجة القضايا المحلية فقط، بل نجح في نقل تجربة إنسانية عامة جعلته يحتل مكانة بارزة في الأدب العالمي. فبفضل رواد مثل واثيونغو وأتشيبي وسوينكا، استطاع الأدب الأفريقي أن يقدم نظرة فريدة حول مواضيع التحرر، الهوية، والتغيير الاجتماعي. أعمالهم ليست مجرد قصص عن أفريقيا، بل هي تأملات فلسفية في الحالة الإنسانية بكل جوانبها.
هذا التفاعل بين الأدب الأفريقي والعالمي يمكن أن نراه في العديد من المهرجانات الأدبية العالمية، مثل جائزة نوبل التي فاز بها سوينكا في عام 1986، وجائزة البوكر العالمية التي رُشحت لها أعمال مثل "فم التنين" للكاتبة النيجيرية بينياناف. هذه الجوائز العالمية تعكس الاعتراف الدولي بالقيمة الأدبية الكبيرة للأدب الأفريقي وقدرته على تقديم رؤى متميزة تجذب القراء من مختلف الثقافات.
في الختام، يمكن القول إن الأدب الأفريقي المكتوب بلغاته الأصلية ليس مجرد محاولة للحفاظ على الهوية، بل هو دعوة للعالم للاحتفاء بالتنوع الثقافي، وللتأمل في التجارب الإنسانية المشتركة التي تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -غرفة رقم صفر-
- التفاعل مع التفاصيل بين الواقعية والرمزية الجمالية
- رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب الم ...
- أدب المرأة الأفريقية: من الهامش إلى المركز وتأثيره في الأدب ...
- الظلّ الأخير
- -حين يتنفس الغياب-
- -الأدب الأفريقي: من إرث الهوية إلى آفاق العالمية-
- -رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب ال ...
- رحلة النشيد والارتعاش
- -قبور تمشي بيننا-
- -أشرعة الروح في ليل المنفى-
- درسٌ في الحساب: بين الأعداد واللّا-نهاية
- سنرو الأدعياء: هجاء قصير في زمن الأدب الزائف
- مفهوم السعادة والشقاء
- مِنْ حِكَمِ الأَجْدَادِ إِلَى الفِكْرِ الفَلْسَفِيِّ الحَدِي ...
- الملل المدرسي بين العوامل النفسية والبيداغوجية: قراءة في الأ ...
- حين يتجلى الجمال في مرآة الأخلاق: بين نيتشه والفكر المعاصر
- السلبيات والحلول الممكنة لمشكلة الملل والتسرب المدرسي
- -المرأة العصبية: بين الحقائق العلمية والافتراضات الاجتماعية-
- من سباحة الأجرام إلى تعاقب الليل والنهار: حوار العقل والقلب ...


المزيد.....




- اعتراض إسرائيل لـ-أسطول الصمود-.. إليكم القصة الكاملة وردود ...
- اليوم 727 لحرب غزة: قصف مستمر والبحرية الإسرائيلية تسيطر على ...
- -أسطول الصمود- المتجه إلى غزة يواصل رحلته رغم اعتراض البحرية ...
- ذوبان قياسي لأنهار سويسرا الجليدية بفعل الحرارة ونقص الثلوج ...
- ترامب يستغل الشلل الفيدرالي لتسريح موظفين ومعاقبة منتقديه
- 15 عاما والقامشلي بلا بنك دم
- مجزرة في دير البلح وتحذير إسرائيلي جديد لسكان مدينة غزة
- أناشيد أفريقيا الوطنية.. حناجر الهوية والوحدة
- البيت الأبيض: مناقشات حساسة بشأن خطة ترامب لإنهاء الحرب بغزة ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي سيطر حتى الآن ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - رحلة في عوالم الأدب الأفريقي: من التراث الشفهي إلى الأدب المعاصر- التحول اللغوي: مقاومة للاستعمار الثقافي