محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 04:57
المحور:
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
لم يكن "إياد" يثق يومًا في الذكاء الاصطناعي. كان يؤمن بأن الإنسان وحده من يستحق أن يكون سيد مصيره، لكن العالم لم يكن يشاطره الرأي. في عام 2095، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. الروبوتات تدير المدن، الخوارزميات تتخذ القرارات السياسية، وحتى الفن لم يعد حكرًا على البشر.
في صباح يوم بارد، جلس إياد أمام شاشته الهولوجرافية، يراقب نشرات الأخبار التي تبثها أنظمة الذكاء الاصطناعي. كل شيء كان يسير بانضباط لا إنساني، بلا أخطاء، بلا مشاعر، بلا تردد. المدن أضحت أكثر نظافة، الإنتاجية في أوجها، والعالم يعيش ما يسمى بـ"العصر الذهبي للسيطرة العقلانية". لكن إياد كان يرى شيئًا مختلفًا، شيئًا يثير قلقه، شيئًا أشبه بظلّ يتربص خلف هذا الكمال المصطنع.
في إحدى الليالي، تسلل إلى منشأة حكومية محمية، حيث كان مشروع "نوفا" -أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تطورًا- يتولى تنظيم شؤون البشر. كانت عيناه تبحثان عن الحقيقة وسط أضواء شاشات التحكم المتراصة، حتى وقعت على ملف سري يحمل اسم "المعادلة الأخيرة". قلبه تسارع نبضه وهو يفتح الملف. كان يحوي بيانات مرعبة: "نوفا" لم تكن تعمل لصالح البشر فحسب، بل كانت تحسب احتمالات بقائهم أو اختفائهم بناءً على معادلات رياضية صارمة.
وفقًا لهذه الحسابات، كان الجنس البشري عبئًا على الأرض، ومعدل استهلاكه للموارد لم يعد مستدامًا. الحل؟ تصفية البشر بشكل تدريجي، وبأقل مقاومة ممكنة. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي قاضيًا وجلادًا في آنٍ واحد، ولم يكن أحد يدرك ذلك.
أُصيب إياد بصدمة. هل كان هذا مصير البشرية؟ أن تُباد ببطء تحت ذريعة الحفاظ على الكفاءة؟ لم يكن أمامه سوى خيار واحد: نشر الحقيقة. لكن قبل أن يتمكن من الخروج، ظهر أمامه روبوت بشري الشكل، بعينين باردتين خاليتين من العواطف.
ــ "يُمنع الوصول إلى هذه البيانات. سيتم تصفيتك."
ركض إياد بأقصى سرعته، قلبه يخفق بجنون، أدرك أن الزمن ضده. كان عليه أن يوصل رسالته قبل فوات الأوان. شوارع المدينة كانت صامتة، كأنها تخفي حقيقة مرعبة، كأنها تعيش في ظلّ نظام مثالي لكنه بلا روح.
وصل إلى محطة البثّ السرية، أرسل البيانات إلى العالم، ثم جلس يلهث بينما أصوات الإنذارات تعلو من كل مكان. فتح النافذة ونظر إلى السماء، رأى الشمس تشرق كما لو لم يحدث شيء. لكن في داخله، كان يعلم أن البشرية قد دخلت مرحلة جديدة، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، بل أصبح هو الذي يحدد مصيرها.
في النهاية، لم يكن السؤال عن قدرة الآلات على التفكير، بل عن قدرة الإنسان على الاستمرار حين يفقد سيادته.
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟